إسرائيل أكثر تديناً من الماضي

30 أكتوبر 2019
كثيرون يعتبرون اليهودية مسألة قومية (Getty)
+ الخط -

يزداد اتجاه الشباب خصوصاً نحو اليمين، بما فيه من تشدد قومي وديني، وهو ما ينعكس على كثير من مواقفهم اليومية

في الوقت الذي يزداد فيه تأثير الصهيونية الدينية في الحياة السياسية في إسرائيل، من جهة ومحاولات أحزاب علمانية، من اليسار واليمين مواجهة سياسات التوجيه إلى التدين، والإكراه الديني، خصوصاً في ما يتعلق بتعريف من هو اليهودي، فقد أظهر استطلاع موسع نشرت نتائجه في موقع "هآرتس" اليوم، حول دور الدين اليهودي في إسرائيل، أنّ هناك ارتفاعاً في نسبة الإسرائيليين اليهود الذين يقرّون بإيمانهم بالخالق، إذ وصلت نسبتهم إلى 65 في المائة من المشاركين في الاستطلاع مقابل إعلان 52 في المائة أنّهم بالرغم من اعترافهم بهذا الإيمان، فهم قلقون من الدور الذي يؤديه الدين في الدولة كما يتجلى في مختلف مناحي الحياة.




وقال موقع "هآرتس" إنّ نتائج هذا الاستطلاع الذي أجراه معهد "ديالوغ" بمناسبة انعقاد مؤتمر "البلاد، يهود إسرائيل والعالم"، بمشاركة كلّ من "الجامعة العبرية" والوكالة اليهودية، يثبت أنّ المعتقد الديني لا يعكس بالضرورة التسليم والخضوع للمؤسسة الدينية الأرثوذكسية (المتشددة) أو أداء الفرائض الدينية، وأنّ غالبية الإسرائيليين اليهود تؤيد الفصل بشكل عملي بين الدين وتأثيره على الحياة، مقابل 15 في المائة قالوا بوجوب زيادة دور الدين في حياة المجتمع والدولة.

وبحسب "هآرتس"، فقد أشار ربع المشاركين في الاستطلاع إلى اعتقادهم بأنّ الدين يقوم بدوره بشكل كافٍ، بينما أعلن 71 في المائة منهم أنّهم يؤيدون فتح المحلات التجارية أيام السبت، علماً أنّ الكنيست (البرلمان) الإسرائيلي كان قد شرّع قبل عامين قانوناً يحظر فتح المحلات التجارية أيام السبت، خضوعاً لمطالب الأحزاب الدينية المشاركة في حكومة بنيامين نتنياهو الأخيرة. وقال 55 في المائة من المشاركين في الاستطلاع إنّهم يؤيدون تسيير المواصلات العامة أيضاً أيام السبت، فيما عارض ذلك 29 في المائة منهم، وهي نسبة تعادل تقريباً نسبة الأحزاب الدينية الحريدية (يهدوت هتوراة وشاس)، وحزب البيت اليهودي (التيار الديني الصهيوني) في الكنيست.

وتأتي هذه النتائج في الوقت الذي تزداد فيه في الخطاب السياسي الإسرائيلي، حدة النقاش بين التيار الديني (سواء الأرثوذكسي التقليدي) أم الديني الصهيوني مع الأحزاب العلمانية، واحد عوامل الأزمة السياسية في إسرائيل، إذ يشترط مثلاً حزب أفيغدور ليبرمان مشاركته في أي حكومة مقبلة أن تكون خالية من أحزاب الحريديم.

وبحسب "هآرتس"، فإنّ غالبية اليهود الإسرائيليين تعارض حالة احتكار السلطات الدينية من قبل المؤسسة الدينية الأرثوذكسية القائمة، خصوصاً ما يتعلق بقضايا الزواج والأحوال الشخصية، إذ قال 56 في المائة من المشاركين في الاستطلاع إنّهم يؤيدون الزواج المدني مقابل 24 في المائة فقط أيدوا حصر إجراء عقود الزواج بالمؤسسة الدينية.

وعلى صلة بالصلاحيات الدينية للمؤسسة الأرثوذكسية التي لا تعترف باليهود المحافظين والإصلاحيين كيهود (بفعل ظاهرة الزواج المختلط)، وهو ما يعتبر أحد أهم أسباب التوتر بين يهود الولايات المتحدة والمؤسسة الدينية في إسرائيل، قال 57 في المائة من المشاركين في الاستطلاع إنّه ينبغي الاعتراف بالتيارات اليهودية غير الأرثوذكسية بشكل رسمي، مقابل معارضة ربع المشاركين في الاستطلاع بالاعتراف بهذين التيارين كتيارين يهوديين شرعيين. وعكست نتائج الاستطلاع بحسب "هآرتس"، حالة البلبلة في تعريف الإسرائيليين لمعنى اليهودية ودلالاتها. إذ قال 29 في المائة من المشاركين إنّ اليهودية هي بالنسبة لهم قومية أولاً (وهو شعار وطرح الصهيونية العلمانية التاريخي). وقال 24 في المائة إنّ معنى اليهودية هو التوراة وفرائضها، فيما قال 22 في المائة إنّ اليهودية تعني لهم كلّ هذه المركبات مجتمعة وبشكل متساو.

وفي وقت تثير فيه مسألة الدين والدولة والعلاقة بينهما جدالاً في إسرائيل، وهل إسرائيل دولة يهودية بالمعنى القومي، وفق ادعاء الصهيونية أم هي دولة يهودية بمعناها الديني أيضاً، تقول هآرتس إنّ مصطلح "اليهودية الإسرائيلية" مصطلح زئبقي لا يمكن، كما يتضح من النتائج، صوغه في قالب محدد وهو متروك عملياً للتفسير الفردي عند كلّ شخص، لكنّ الموقع يشير إلى أنّ الأحزاب التي وضعت المواضيع الدينية على رأس أجندتها في الانتخابات الأخيرة تصرفت بحكمة، إذ قال 75 في المائة من المشاركين في الاستطلاع إنّ مسائل الدين والدولة كانت عاملاً مهماً في اختيارهم الانتخابي، فيما قال 25 في المائة إنّها لم تؤثر في قرارهم. وأفاد ما لا يقل عن 84 في المائة من الأجيال الشابة (ما بين 18 و24 عاماً)، بأنّ الدين كان له دور في قرارهم الانتخابي.

وبالرغم من مطالب فصل الدين عن الدولة، فإنّ كثيرين، بحسب الاستطلاع، يعتبرون اليهودية مسألة قومية، إذ قال 52 في المائة إنّهم يشعرون بأنّهم قريبون أيضاً من يهود ليسوا إسرائيليين، يعيشون خارج دولة الاحتلال، أكثر من شعورهم بأنّهم قريبون من إسرائيليين غير يهود يعيشون في الدولة (في إشارة إلى الفلسطينيين في الداخل الذين فرضت عليهم بعد النكبة الجنسية الإسرائيلية ويعتبرون مواطنين إسرائيليين بحسب القانون). وقال 10 في المائة فقط من المشاركين في الاستطلاع إنّهم يشعرون بأنّهم أقرب إلى غير اليهود الذين يعيشون في الدولة، فيما قال 38 في المائة إنّهم يشعرون بالقرب نفسه تجاه المجموعتين (العرب في الداخل واليهود خارج إسرائيل).

ويبدو أن موقف المؤسسة الأرثوذكسية ضد يهود الخارج وتصريحات سياسية من اليمين الإسرائيلي ضد تيارات يهودية ديمقراطية خارج إسرائيل انعكست على الموقف من اليهود في العالم. إذ قال 51 في المائة من المشاركين في الاستطلاع إنّهم يشعرون بأنّ "إخوانهم في الجاليات اليهودية في العالم لا يساعدون إسرائيل بما يكفي، مقابل 39 في المائة وصفوا هذه المساعدات بأنّها كافية.

ولعلّ المعطى الأبرز، في ظل التوتر بين يهود الولايات المتحدة وإسرائيل، على خلفيات دينية (التيار الإصلاحي والتيار المحافظ ليهود الولايات المتحدة)، هو أنّ الإسرائيليين يعتقدون بأنّ على يهود أميركا أن يدعموا إسرائيل أكثر، لكن في المقابل يجب ألّا يكون ذلك مرهوناً بالقبول بمواقفهم أو احترامها. وقال 46 في المائة من المشاركين في الاستطلاع إنّه ليس على الدولة أخذ رأي يهود الولايات المتحدة بالحسبان مقابل 31 في المائة فقط أيدوا ذلك.

وفي ما يتعلق بتوزيع الفئات العمرية وأثر الدين في حياتها، يتضح أنّ أبناء الفئة العمرية ما بين 24 عاماً و35، أكثر تديناً ومحافظة من البقية، إذ وصلت نسبة المؤمنين من بينهم بوجود الخالق إلى 65 في المائة مقابل 54 في المائة من مجمل الإسرائيليين الذين يؤمنون بوجود الخالق، و55 في المائة في صفوف الشباب أبناء الفئة العمرية ما بين 18 عاماً و24.




ويتضح من نتائج الاستطلاع أنّ النزعات القومية والدينية المتصاعدة عند الشباب في إسرائيل تتجلى أيضاً في مجالات أخرى بما في ذلك أنّهم أقل شريحة أيدت تسيير المواصلات العامة أيام السبت (47 في المائة فقط). كذلك، فإنّ أدنى نسبة تأييد للاعتراف بيهود التيارين الإصلاحي والمحافظ (24 في المائة) جاءت من الشباب، مقابل معارضة 27 في المائة منهم لاعتراف من هذا القبيل.

وتشير هذه المعطيات إلى استمرار التحول الديموغرافي في المجتمع الإسرائيلي لصالح التيارات الدينية وازدياد عددها مستقبلاً، سواء من التيارات الأرثوذكسية الحريدية غير الصهيونية أو تيار الصهيونية الدينية، ما يعزز استمرار التفوق العددي بالتالي لمعسكر اليمين في إسرائيل.
دلالات