مراسل "العربي الجديد" وثق العديد من هذه المشاهد، ومنها "المِتقَدم"، وهم شباب "حائط الصد الأول" الذين وضعوا ساتراً من الحواجز على الجسر المؤدي إلى المنطقة الخضراء حيث المقرات الحكومية، والاسم مأخوذ من تسمية عسكرية تعرف عند الحرب وتطلق على من يكونون في مقدمة الجيش بمواجهة العدو.
يرافق هؤلاء الشباب "التوكتوك"، والهدف من وجودهم المناورة وعدم فسح المجال للقوات الأمنية لاقتحام مكان الاحتجاج، وتنبيه المحتجين لأي خطر قادم من هذه القوات لكي يواجهوها بأجسادهم العارية وهتافاتهم.
وعلى يمين الجسر توجد بناية قديمة تعرف بالمطعم التركي، وهي ما زالت منذ تعرضها لقصف طائرات التحالف الثلاثي عام 2003 خالية من دون إعادة إعمار. تحوّلت منذ ذلك التاريخ إلى موقع عسكري بسبب إطلالتها على المنطقة الخضراء، وقد تمكّن المحتجون من السيطرة عليها وإخلائها من القوات الأمنية، وهي اليوم مقر مهم لهم، ويوجد فيها مئات من الشباب ينتشرون في طوابقها الـ"14".
وأطلق المحتجون على هذه البناية "جبل أحد" وذلك لأهميتها، مشبهين دور الشباب المرابطين فيها بالمقاتلين الذين كانت مهمتهم المرابطة على جبل أحد، وعدم المشاركة في المعركة أيام النبي محمد.
ومن هذا الموقع يمكن للمرابطين أن يشغلوا القوات الأمنية في حال تقدمت إلى ساحة التحرير حيث يوجد عشرات آلاف الأشخاص، وبإمكانهم ضربهم بالحجارة.
موقع آخر مهم في ساحة التحرير هو النفق الذي يمر من تحتها، وهناك توجد مجموعة من الشبان يطلق عليهم "مقر قيادة قوات مكافحة الدخانيات"، عدتهم هي "البطانيات" وواجبهم إطفاء القنابل المسيلة للدموع التي تطلقها القوات الأمنية على المحتجين، إذ يحمل أحد الشبان القنبلة بعدما تلقيها قوات الأمن، ليقوم بدوره بإلقائها في النفق، فيما يعمل أعضاء مكافحة الدخانيات على إطفائها باستخدام البطانيات، وبذلك يقللون من تأثيرها على المحتجين.
وفي شارع السعدون المتفرع من ساحة التحرير، يوجد مقر الفرق الطبية والإسعافات الأولية، وفيه مجموعة كبيرة من المتخصصين من كلا الجنسين، من الأطباء والمسعفين والممرضين وطلبة كليات الطب، يوفرون العلاج للمصابين.
وتحت نصب الحرية المشهور، وسط ساحة التحرير، يوجد مقر خاص للوفود واستقبال المشاهير من فنانين ورياضيين وأدباء وشخصيات معروفة في المجتمع، للمشاركة بالتظاهرات.
أما حديقة الأمة المتصلة بساحة التحرير، فقد استغلت كمكان للاستراحة، في حين استغل الكراج المقابل لحديقة الأمة ليكون مكاناً أشبه بالمخزن، توفر فيه احتياجات المحتجين من أطعمة ومشروبات ومؤن.
وسط هذه المنطقة لا يمكن حصر الموجودين بعدد معين، فهناك زوار ومقيمون، البعض يفد لساعات معينة وآخرون يبيتون الليل، وآخرون يتواجدون خلال النهار، ومجموعة أخرى مرابطة، وبين هؤلاء العديد من العوائل.
Facebook Post |
وبحسب الناشط فلاح التميمي، الذي تحدث لـ"العربي الجديد"، فإنّ "زواراً من محافظات مختلفة بدأوا يفدون للمشاركة في زيارة وقتية ثم يعودون إلى محافظاتهم"، مشيراً إلى أنّ "رمزية بغداد وساحة التحرير عظيمة عند العراقيين، والجميع يريد أن يسجل حضوره في هذه المناسبة التي سيخلدها التاريخ".
صور عديدة تثير الإعجاب تنتشر في هذا المكان الذي يعج بالمواطنين بأعمار مختلفة، ومن كلا الجنسين، ومن بين ما يلفت الانتباه، بحسب زينب خليل، وهي طالبة جامعية تشارك منذ ثلاثة أيام في احتجاجات ساحة التحرير، روح الأخوّة بين الجميع والتعاون.
وأضافت زينب: "أنا وكثيرات غيري نشارك الشبان في تنظيف الساحة والشوارع المتصلة بها، وتوزيع وجبات الطعام وغيرها. الجميع هنا همهم الوطن ولا شيء غير العراق".
Facebook Post |
وتبنى محتجون من كلا الجنسين حملات لتنظيف موقع الاحتجاج، وهي مساحة كبيرة، يتبرع المحتجون أنفسهم بمواد التنظيف وأكياس القمامة.
Facebook Post |
للفن والموسيقى والشعر مكان أيضاً وسط هذا التجمع الكبير، حيث يعزف النشيد الوطني، أو الأغاني التراثية، إذ يتجمع شباب يستمعون لعزف "حسب الطلب"، وفق أحمد مهدي، عازف الكمان، الذي يقول، لـ"العربي الجديد"، إنه عزف في كثير من المناسبات، لكن عزفه في وسط المحتجين "هو الأجمل والأعظم في حياتي".
أما إذا احتاج المعتصمون وسط الساحة لحلاقة ذقونهم أو رؤوسهم فلا حاجة لأن يذهبوا إلى محل حلاقة، فهناك حلاقون تبرعوا بالعمل مجاناً داخل ساحة التحرير، لساعات طويلة دون أن يصيبهم الملل، في حين ينتظر عشرات الشبان المحتجين دورهم للحلاقة، وسط أجواء لا تخلو من المرح.
ويبقى "التوكتوك" أبرز الرموز التي عرفتها هذه الاحتجاجات، بل كتب فيه شعراء قصائد، فيما تناقل نشطاء مقطع فيديو لفتاة تشارك بالاحتجاجات وهي تقف بين عجلتي "التوكتوك"، وتردد مقطعاً شعرياً أعربت فيه عن أمنيتها بأن تُزف فيه.
Facebook Post |
وظهرت شابة أخرى في مقطع فيديو وهي تقود سيارتها وتحمل بيدها مجموعة من الأوراق النقدية وتقول إنها تتبرع لـ"التوكتوك" بالوقود لمدة شهر كامل.
Facebook Post |
وانتشر التقاط صورة مع "التوكتوك" في موقع الاحتجاج، وأصبحت صور هذه العجلة أكثر انتشاراً على مواقع التواصل. وتقول صبا الربيعي، التي التقطت صورة وهي تقف إلى جانب مجموعة من عجلات "التوكتوك"، لـ"العربي الجديد": "لقد أحببت التوكتوك"، مضيفة "شجاعة وبطولة سائقيه جعلتنا نحبهم ونحب هذه العجلة".
أما حيدر جودي، وهو سائق توكتوك (22 عاماً)، فقال لـ"العربي الجديد"، إنّ "أفضل أيام حياتي قضيتها منذ مطلع هذا الشهر. أصبحت وجميع زملائي من السائقين محبوبين من قبل الجميع كأننا مشاهير. أسمع كلمات إطراء وإعجاب من الجميع"، مستطرداً وهو يضحك "أصبحت مثل نجوم السينما. كثيرات التقطن معي الصور إلى جانب التوكتوك".
Facebook Post |