دراسة "عن بعد" في لبنان

30 أكتوبر 2019
تشارك في التظاهرات (حسين بيضون)
+ الخط -
يبدو أنّ الخوف أصاب مجموعة من المدارس الخاصة في لبنان حرصت على استمرار العمليّة التعليمية رغم الأوضاع التي تمر بها البلاد، لكن عن بعد هذه المرة، من خلال تكليف الأهل القيام بهذه المهمة، ومن دون أية تبريرات. وكأنّ هذه المدارس تفاعلت أحاديّاً مع الأوضاع المستجدّة في البلاد، علماً أنه لم يمرّ وقت طويل على انقطاع التلاميذ عن المدارس (تسعة أيام)، والذي يعدّ مقبولاً لناحية القدرة على تعويض الدروس (عطلة عيد الميلاد أو عطلة الربيع أو حتى عطلة الصيف)، أقلّه بالنسبة لتلاميذ الروضات والمرحلة الابتدائية. لكن كان لإدارات هذه المدارس رأي آخر، وقد بعثت برسائل إلى الأهالي تطلب منهم جلب الكتب المدرسيّة إلى البيوت.

اللافت أنّ إدارات هذه المدارس اعتبرت أنه يمكن للأهل الذين يُحتمل أنهم يقطنون في أماكن بعيدة أن يكونوا قادرين على الخروج من منازلهم لجلب الكتب المدرسيّة. كما نشر عدد آخر منها على مواقعه الإلكترونية الدروس التي يتوجّب على التلاميذ إتمامها.

استجاب الأهل من دون أن يكون الجميع مقتنعاً بهذه الخطوة. تقول ناريمان (اسم مستعار)، وهي إحدى الأمهات التي ما زالت تذهب إلى العمل، إنّ المدرسة جدولت الدروس على مدى أسبوع، من دون أي مراعاة لظروف الأهل في العمل ووضع البلد "يومياً، على التلاميذ إتمام ستّة فروض، علماً أن ابني ما زال في الصف الثاني الأساسي". تضيف أن هذا يعادل ثلاث ساعات دراسة في المنزل على الأقل، مشيرة إلى أن "الأمر ليس مقبولاً، فليس من مسؤولية الأهل تولّي دور المدرسة والمدرّسين، خصوصاً أننا ندفع مبالغ مالية كبيرة". لا تعترض ناريمان على المبدأ بل على حجم الدروس.



هذا حال ليا، وهي أم لطفلين، أحدهما في الصف الثالث الابتدائي. فهي تؤيّد أن يكون هناك مراجعة يومية للدروس، حتى لا يشعر الأطفال بأنهم في إجازة لأن هذا ليس واقع الحال. تقول: "إبني بات يتحدّث عن عدم رغبته في الذهاب إلى المدرسة مستمداً القوة من لاعب كرة القدم رونالدو، الذي ترك المدرسة حين كان في الـ13 من عمره. لكنني لست مجبرة على شرح دروس جديدة". وتشير إلى أن الأهل بشكل عام لم يعترضوا. "أصلاً كيف نعترض؟ ما من أحد من الإدارة في المدرسة كي نعترض أمامه". لكنها تنوي إرسال بريد إلكتروني إلى إدارة المدرسة للاعتراض على فكرة شرح دروس جديدة، والاستفسار عن كيفيّة تعويض التلاميذ.

حاولت "العربي الجديد" الاتصال بمدرستين للاستفسار عن هذه القرارات، فردّت موظفتان قائلتين إنّ ما من أحد في الإدارة، واكتفتا بالتأكيد على أن "القرار إداري". تقول ماجدة، وهي والدة لتلميذة، إنّ بعض الأهل تبلغوا بوجوب جلب الكتب من المدرسة من خلال تطبيق "برونوت"، إلا أنها حصلت على الدروس من خلال أمهات أخريات لأنها لم تكن قادرة على الوصول إلى المدرسة. تتابع: "كأم، ليس لدي وقت لأدرّس ابنتي طوال اليوم. من أخبرهم أننا لا نذهب إلى العمل؟ الغريب أنهم يطلبون من الأهل الذهاب إلى المدرسة علماً أن الطرقات مقطوعة". تضيف أن "هذه الإجراءات ساهمت في تخويف الناس، إذ أوحت باستمرار الأزمة". وتشير إلى أن التعطيل ليس جديداً في لبنان. "خلال الحرب، كانت أبواب المدارس تغلق لوقت طويل. لا حاجة إلى الهلع".



من جهتها، توضح ماجدة أن تركيزها في الوقت الحالي منصبّ على مصير البلد. "ابنتي في صف الروضة الثالثة، وطلب منا تعليمهم أحرفا جديدة. ربّما من الجيد أن يستغل الأطفال أوقاتهم بشكل إيجابي، لكن من منا قادر على التركيز في ظل ظروف كهذه"؟ أما نايا، فتؤيّد فقط تنشيط الذاكرة والتأكّد أن الأطفال ما زالوا يتذكرون الدروس التي شرحت لهم، على ألا يدرسوا أكثر من 20 دقيقة في اليوم. وترفض إعطاءهم دروساً جديدة، ما يُحتّم على الأهل شرحها.

كذلك، ترفض ندى أن يتولى الأهل شرح دروس هي من مسؤولية المدرسين. "أمر كهذا قد يكون مربكاً بالنسبة للأهل، لناحية التنظيم وإيجاد الوقت لتدريس أطفالهم يومياً. يمكننا فقط مراجعة بعض الدروس السابقة لكن ليس لوقت طويل، فلا معنى للاستمرار في الإعادة".

تصرّفت المدارس، ولم تنشر على مواقعها الإلكترونية أية رسائل إلى الأهل، أو طلباً منهم بالتعاون معها من أجل مصلحة الأولاد. كما لم تنتظر انقضاء الأسبوع الثاني قبل أن تتصرّف خشية أن تطول الأزمة أكثر، أو أنها أيقنت منذ البداية أن الأزمة ستطول. كما أن البعض لم يراع ظروف الأهل، علماً أن كثيرين منهم ما زالوا يتوجهون إلى أعمالهم، ولا يملكون الوقت لإضافة مهام جديدة إلى مهامهم الأصلية.