ما زالت آلاف الكتل الكونكريتية أو الحواجز الإسمنتية أو "الصبّات" موزّعة في العراق حول الوزارات والدوائر والمؤسسات الأمنية والخدمية والمصارف وعند مفترقات الشوارع الرئيسية وفي محيط الأحياء السكنية ومنازل المسؤولين، منذ عام 2003. علماً أنّها كلفت البلاد مبالغ طائلة يقدّرها مطّلعون بنحو مليار دولار أميركي. أمّا الهدف منها فهو تحصين تلك المواقع والمناطق من هجمات وتفجيرات إرهابية محتملة.
وبعد فتح عدد كبير من الشوارع المغلقة في الفترة الأخيرة، وتراجع الهجمات الإرهابية التي كانت تستهدف مؤسسات الدولة من خلال السيارات المفخخة، صارت تلك الحواجز الإسمنتية بمعظمها عديمة الفائدة، الأمر الذي دفع كثيرين إلى التفكير في طريقة لاستثمارها في مشاريع مفيدة. في هذا الإطار، طرح مهندسون مشروعاً جديداً أوضحوا أنّ من شأنه تقليص نسبة البطالة بين الشباب، عبر استثمار الأعداد الهائلة من تلك الكتل الكونكريتية في بناء أسواق شعبية وأكشاك وتوزيعها على العاطلين من العمل، فيوفّرون بذلك فرص شغل لهؤلاء، ويتخلّصون في الوقت نفسه من "المشهد غير الحضاري".
المهندس نزار رزاق واحد من المهندسين الذين قدّموا مقترحات للحكومة العراقية في هذا المجال، فيقول لـ"العربي الجديد": "بصفتي مهندساً معمارياً تخرّج حديثاً، رأيت أنّه يتوجّب عليّ تقديم حلول بدلاً من الاستهجان الذي أشعر به تجاه ذلك المشهد. ومن هذه الحلول خلق فضاءات تتضمّن محلات وأكشاكا تلبّي مختلف الاحتياجات، وتشرف على تكوينها السلطات المحلية من عناصر موجودة بالفعل، على أن تقسّم بصورة تساهم في جعل الحركة أكثر سلاسة وانسيابية للمتسوّقين". وقد لاقت هذه الفكرة استحساناً من مواطنين تفاعلوا معها على مواقع التواصل الاجتماعي، لكنّ الحكومة لم ترد على هذا المقترح ولم تبادر إلى طرح حلول أخرى بديلة، في حين ينتظر الشباب بفارغ الصبر الموافقة على مثل هذه المشاريع الجديدة.
من جهته، يقول المهندس رامي العزاوي بـ"العربي الجديد": "تابعت هذا المشروع المهمّ جداً والذي تقوم فكرته على استخدام الكتل الكونكريتية الضخمة لإقامة تلك الأسواق والمحال والأكشاك التجارية عبر رصّها في مكان خاص بطريقة نظامية ثمّ تسقيفها بطريقة تضفي عليها لمسة جمالية وحضارية وتوزيعها على الشباب العاطلين من العمل". يضيف أنّ من شأن ذلك "التخلّص من مشكلة تكدّس آلاف الكتل الكونكريتية بلا فائدة، وفي الوقت نفسه تقليص نسبة البطالة في العراق، وكذلك التخلّص من المنظر غير الحضاري لهذه الكتل، وتحويلها إلى أماكن تسوّق راقية وجميلة وحضارية".
الفكرة أثارت حماسة شباب عراقيين رأوا في تعميمها على كل محافظات العراق إمكانية لتوفير فرص عمل جيّدة، وإنشاء أسواق جديدة ومحصّنة ونظيفة بدلاً من الأسواق العشوائية المتوفّرة حالياً. ويقول ميثم سامي لـ"العربي الجديد" إنّ "مثل هذه المشاريع، إذا وافقت عليها الدولة، سوف توفّر فرص عمل جديدة، خصوصاً بعد الملاحقات التي طاولتنا من قبل دوائر البلدية وهدمت أكشاكنا وبسطاتنا ومصادر رزقنا في الأسواق الشعبية، بحجّة التجاوز. لكن في حال خصّصت أماكن محددة لتلك الحواجز وأقامت بواسطتها أسواقاً، فإنّ المشروع يكون رائعاً".
والعراقيون عموماً، لطالما تذمّروا من تلك الحواجز الإسمنتية التي شوّهت منظر شوارع المدن، والتي لم تعد إليها حاجة اليوم بعد القضاء على التنظيمات الإرهابية من قبيل "القاعدة" و"داعش" التي كانت تستخدم السيارات المفخخة في هجماتها سابقاً. بالنسبة إلى واثق علي، من أهالي بغداد، فإنّه "لا بدّ للحكومة أن تتجاوب مع مقترحات الشباب في استثمار هذه الكتل الكونكريتية في مشاريع تنفع الناس، بدلاً من بقائها في الشوارع بلا فائدة تُذكر، خصوصاً أنّه بعد رفعها تُجمَع في ساحات عامة، وهذه مشكلة أخرى".
وكان اللجوء إلى الكتل الكونكريتية قد بدأ في العراق في عام 2003 عند الغزو الأميركي للبلاد، من قبل القوات الأميركية، كحواجز دفاعية لهجمات المقاومة العراقية التي كانت تستهدف القواعد والمقرات العسكرية الأميركية. وتوالى استخدام مثل تلك الكتل من قبل الحكومات العراقية المتعاقبة حتى اليوم، في عموم البلاد، بما في ذلك القرى والقصبات وحتى الأرياف. وقد أُنشئت معامل خاصة لصبّ تلك الكتل الكونكريتية كلّفت مبالغ باهظة. وبحسب تقديرات مصادر أمنية، فقد رُفع نحو 10 آلاف حاجز إسمنتي في بغداد وحدها منذ أكتوبر/تشرين الأول 2018، في حين ما زال نحو 10 آلاف حاجز آخر في حاجة إلى إزالة من شوارع العاصمة، عدا عن تلك المنتشرة في عموم مدن ومحافظات العراق.