أصدرت مجموعة العمل المصرية من أجل حقوق الإنسان، المكونة من 11 منظمة حقوقية مصرية، تقريرًا مشتركًا، في إطار الاستعداد لجلسة استعراض الملف الحقوقي المصري أمام الأمم المتحدة، والمقررة في 13 نوفمبر/تشرين الثاني القادم، عن حالة حقوق الإنسان في مصر خلال الأعوام الخمسة الماضية، والذي سبق وأرسلته إلى مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة في مارس/آذار الماضي، حسب الموعد المحدد لتقديم التقارير الحكومية والمستقلة.
التقرير ورد في نسخته الإنكليزية في 5800 كلمة تقريبا، حسب الحد الأقصى المصرح به من الأمم المتحدة، تضمنت نسخته العربية مزيدا من التفاصيل والأمثلة حول الانتهاكات الخطيرة خلال السنوات الماضية ونحو 300 توصية رفعتها للسلطات المصرية تحثها على وقف الانتهاكات، رغم تعهداتها بذلك أمام المجلس عام 2014.
وقالت المنظمات في تقريرها إن الحكومة المصرية بدأت حملات الانتقام من المدافعين عن حقوق الإنسان ومنظماتهم، بسبب تعاملهم مع آلية الاستعراض الدوري الشامل مبكرًا، وألقت السلطات المصرية القبض على المحامي الحقوقي محمد الباقر، المدير التنفيذي لمركز عدالة للحقوق والحريات، وتعرض أثناء احتجازه للتعذيب والمعاملة الحاطّة بالكرامة. ووجهت النيابة لباقر، أثناء التحقيق، أسئلة تتعلق بتقرير شارك فيه مركز عدالة ضمن التقارير الحقوقية المقدمة للأمم المتحدة، حول الانتهاكات التي يتعرض لها النوبيون في مصر.
وحسب ما وثقه التقرير، أكدت مجموعة العمل أن أوضاع حقوق الإنسان حاليًا أسوأ كثيرًا عما كانت عليه في 2014. إذ شهدت السنوات الخمس الماضية ارتفاعا في حالات القتل خارج نطاق القانون، خاصة بعد كل عملية إرهابية، فضلاً عن الإفراط في إصدار وتنفيذ أحكام الإعدام حتى للأطفال، وشبهة القتل العمد للمساجين السياسيين بالإهمال الطبي والصحي العمدي لهم أثناء الاحتجاز، بالإضافة إلى التنكيل بالأحزاب السياسية والانتقام من الحقوقيين، وشن أكبر حملة على ذوي الميول الجنسية المختلفة والعابرين جنسيًا، واستمرار التعدي على حقوق النساء والأطفال، ناهيك عن السيطرة على الإعلام وحجب المواقع، وحبس الصحافيين وترحيل المراسلين الأجانب.
وتابعت المنظمات "كما تزامنت فترة إعداد التقرير مع مناخ التعديلات الدستورية القمعي، والإجراءات التعسفية المتخذة بحق المعارضين لها، مروراً بإجهاض مساعي قيادات الأحزاب السياسية لفتح مساحات للمنافسة على الانتخابات التشريعية القادمة، من خلال قضية "ائتلاف الأمل"، وقبل جلسة الاستعراض بشهر، نفذت أجهزة الأمن المصرية أكبر عملية قبض- في مجمله عشوائي - لمواطنين مصريين أو أجانب، فقبضت على 3000 شخص على الأقل على خلفية مظاهرات محدودة اندلعت يومي 20 و27 سبتمبر/أيلول. كما حجبت السلطات المصرية مزيدا من المواقع الإخبارية، منها موقع BBC عربي وموقع قناة الحرة، فضلاً عن توقيف المارة في الشوارع وتفتيش هواتفهم وصفحاتهم على مواقع التواصل".
وأضافت "في هذا السياق القمعي، تابعت الدولة المصرية هجمتها الانتقامية على المنظمات الحقوقية المستقلة والمدافعين والمدافعات، وبينهم من شارك في إعداد هذا التقرير. فبعد منْع 31 حقوقيًا من السفر ومصادرة أموال 10 منظمات على الأقل، والتحقيق مع أكثر من 37 حقوقيًا خلال السنوات الماضية، ناهيك عن حملات التشهير والتخوين الإعلامية شبه اليومية، والحض على الكراهية - وعلى العنف والقتل أحيانا - بحق بعض الحقوقيين، بهدف الانتقام منهم على عملهم الحقوقي أو لتعاونهم مع الآليات الدولية".
واعتبرت منظمات مجموعة العمل أن توصيات التقرير، تمثل نداء أخيرا لرفع الظلم عن عدد كبير من ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان، سواء القابعين بالسجون رهن الحبس الاحتياطي شبه الدائم، أو المحكوم عليهم بعقوبات سالبة للحرية، أو من هم في انتظار تنفيذ أحكام الإعدام، فضلاً عن هؤلاء الممنوعين من السفر أو المحجوز على أموالهم.
وشملت التوصيات تعديلات تشريعية تضمن مصر من خلالها استقلال القضاء وحماية حقوق المتهمين. وتشير المنظمات إلى أن جلسة الاستعراض الدوري في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل قد تكون فرصة أخيرة لمراجعة سياسات الدولة المصرية، التي خرجت المظاهرات مؤخرًا تعبيرًا عن الرفض الشعبي لها، تعكس الغضب المكتوم إزاء انتهاكات حقوق الإنسان المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية. كما تعد هذه التوصيات بمثابة مرجع للمجتمع الدولي يضم أبرز المطالب التي من المفترض أن تضغط على الحكومة المصرية من أجل تبنيها وتنفيذها.
ومن أبرز توصيات المجموعة "على رئيس الجمهورية تفعيل سلطته ووقف أحكام الإعدام النهائية على 74 شخصًا على الأقل، واستبدالها بعقوبات أخف بموجب المادة 470 من قانون الإجراءات الجنائية، سواء بالنسبة للأحكام التي لم تعرض عليه بعد، أو الأحكام المستقبلية التي ستصدر عن المحاكم المصرية. وبوجه عام على الحكومة وقف تنفيذ كافة أحكام الإعدام تمهيدًا لتعليق العقوبة، ومراجعة القوانين التي تسرف في إقرارها".
وتضمنت أيضاً "على الحكومة المصرية الكشف عن مصير المختفين قسريًا والمقدر عددهم بالمئات ومن بينهم البرلماني السابق مصطفى النجار، والباحث إبراهيم عز الدين مسؤول ملف الحق في السكن بالمفوضية المصرية للحقوق والحريات"، و"على الحكومة المصرية اتخاذ التدابير اللازمة من أجل الإفراج عن المقيدة حريتهم بسبب ممارسة حقهم في حرية الرأي والتعبير والتجمع السلمي والمشاركة في الشأن العام، بما في ذلك هؤلاء المحتجزون حاليًا على ذمة القضية 1338 والقضية 1356 لسنة 2019 في سبتمبر/أيلول الماضي".
كما حثت المنظمات الدولة على إعلان قوائم المقبوض عليهم أو المحبوسين احتياطياً على خلفية قضايا متعلقة بحرية الرأي والتعبير. وإعادة فتح الكنائس المغلقة لدواعٍ أمنية، والمقدر عددها بحوالي 18 كنيسة، نتيجة اعتراض المتشددين بمحيطها على إقامة الشعائر الدينية فيها، وتوفير الحماية اللازمة لإقامة تلك الشعائر بموجب القانون.
وأوصت برفع الحجب عن أكثر من 513 موقعًا إلكترونيًا، بما في ذلك المواقع الإخبارية المحلية والدولية ومواقع المنظمات الحقوقية. وإلغاء المادتين 40 و41 من القانون رقم 94 لسنة 2015، اللتين تمثلان الغطاء القانوني لاحتجاز أفراد بمعزل عن العالم الخارجي لمدة تصل إلى 28 يومًا، بما يتعارض مع نص المادة 54 من الدستور والتي تضمن إبلاغ من تقيد حريته بأسباب القبض عليه وتمكينه من الاتصال بمحامٍ.
كما أوصت بإلغاء المادة 50 من قانون مكافحة الإرهاب، التي تجيز تشكيل دوائر الإرهاب داخل المحاكم الجنائية، ووقف العمل بها، نظرًا لكونها دوائر موجهة تعمل على تلبية رغبات النظام. وإسناد القضايا المنظورة أمامها حالياً لدوائر جنائية عادية، وإعادة محاكمة من سبق الحكم عليهم فيها أمام دوائر جنائية حسب اختصاصها الجغرافي.
وكذلك أوصت بإلغاء القانون رقم 13 لسنة 2017 والذي يمنح رئيس الجمهورية سلطة اختيار وتعيين رؤساء الهيئات القضائية، دون الالتزام بمعيار الأقدمية الذي كان معمولا به قبل هذا القانون. وإلغاء القانون رقم 136 لسنة 2014 بشأن تأمين وحماية المنشآت العامة، الذي يتيح محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية، وإعادة محاكمة من صدرت بحقهم أحكام عسكرية أمام قاضيهم الطبيعي.
وأوصت أيضًا بإلغاء المادة 143/ فقرة أخيرة من قانون الإجراءات الجنائية والتي تبيح حبس المتهمين احتياطيًا في الجرائم المعاقب عليها بالمؤبد أو الإعدام لأجل غير مسمى، والعودة للنص الأصلي الذي يضع حدا أقصى للحبس الاحتياطي بعامين فقط. وإلغاء المادة 277 من القانون نفسه، التي تمنح المحاكم سلطة تقديرية في سماع شهادة بعض الشهود دون غيرهم، لما تمثله من إخلال جسيم بحقوق الدفاع والمحاكمة العادلة. وكذا إلغاء المادة 39 من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض رقم 57 لسنة 1959 والتي تسمح لمحكمة النقض بالتصدي لموضوع الطعن من أول مرة، لما يمثله ذلك من إخلال بحق الدفاع، فضلاً عن أنه يزج بمحكمة النقض بما لا يقع في نطاق وظيفتها.
كما شملت التوصيات "إلغاء المادة رقم 78 من قانون العقوبات المصري، والتي تقضي بالسجن المؤبد أو الإعدام في بعض الحالات، لكل من تلقى أموالا أو "أشياء أخرى" من جهات أجنبية أياً كانت للقيام بأعمال تخل بالنظام العام والأمن القومي. كونها تستخدم ألفاظا فضفاضة وغير محددة، فضلاً عن كونها محور الاتهام الرئيسي للمدافعين والمدافعات عن حقوق الإنسان في القضية 173 لسنة 2011 المعروفة بقضية التمويل الأجنبي للمنظمات الحقوقية".
وحثت المنظمات على نشر قانون إلغاء القانون رقم 10 لسنة 1914(قانون التجمهر)، الذي ثبت إلغاؤه منذ عام 1928، ولم ينشر قانون إلغائه بالجريدة الرسمية، ويعتبر هذا القانون هو حجر الزاوية في الزج بعشرات الآلاف من المتظاهرين في السجون.
تضم المجموعة 11 منظمة حقوقية هي: مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، مركز النديم، كوميتي فور جستس، مركز بلادي للحقوق والحريات، المفوضية المصرية للحقوق والحريات، مؤسسة حرية الفكر والتعبير، الجبهة المصرية لحقوق الإنسان، الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، مبادرة الحرية، بالإضافة إلى منظمتين رفضتا ذكر اسميهما بسبب حملات الانتقام من المنظمات الحقوقية في مصر. فضلاً عن المنظمة العربية للإصلاح الجنائي، وتحالف المنظمات المصرية، اللذين اشتركا مع مجموعة العمل في إعداد هذا التقرير.