مسنّون كادحون في تونس

01 أكتوبر 2018
يعمل الفرشيشي في مختلف الظروف (العربي الجديد)
+ الخط -
لم يفقد تونسيون مسنّون نشاطهم، بالرغم من بلوغ بعضهم الثمانين، لكنّ العمل غير متوافر لهم غالباً. تضيء "العربي الجديد" على أحوالهم في مناسبة "اليوم الدولي للمسنين"

يمضي السبعيني، علي الفرشيشي، عشر ساعات يومياً، يجوب الشوارع والأزقة على دراجته النارية، لجمع البلاستيك. لم يثنه تقدّمه في السنّ والتعب الذي نال من جسده، عن البحث عن قوت يومه. تحت الشمس وفي مختلف الظروف المناخية، يعمل بقبّعته وزيّه الأخضر، ولا يتلقى غير أجر ضئيل. يقول الفرشيشي، لـ"العربي الجديد"، إنّه يعمل منذ سنوات في جمع البلاستيك، ويرفع الأوساخ التي يلقيها البشر في البيئة، ويكسب قوت أسرته اليومي، بالرغم من التعب والانحناء المستمر، ومهما كانت الصعاب يتحداها ويواصل العمل.

بدورها، اختارت منى (80 عاماً) العمل في الفلاحة. بعباءة طويلة مزركشة وبألوان حمراء وزرقاء ووشاح أبيض تتوجه، منذ الشروق، إلى ضيعتها التي تبعد 5 كلم عن محل سكنها، لتجني الخضار والغلال، وتقلع الأعشاب الطفيلية، وتسقي وتزرع وتحصد، غير عابئة بتقدمها في العمر ولا بوضعها الصحي، أو صعوبة السير مسافات طويلة أحياناً. تصرّ منى على العمل وقطف بعض الثمار بيديها المرتعشتين، وجسدها النحيل الذي أنهكته السنوات. تبدو وهي تتأمل الحقل، كأنّها تستعيد بالذاكرة الأيام التي كانت فيها أكثر قدرة على العمل، لكنّها تؤمن بأنّ الإنسان وإن تقدم في العمر فإنّ بإمكانه الاستمرار. تقول إنّ من أمضى حياته في الأرض لا يمكنه التخلي عنها بسهولة. الأرض متنفسها الوحيد وعالمها الذي تلجأ إليه هرباً من ضجيج الحياة وصخبها ومشاكلها. هنا تمضي يومها وتتجدد فيها الروح، ويغرس فيها الأمل مجدداً كأنّ سحراً يخبرها بأنّها هنا ستبقى على قيد الحياة.




في تونس كثير من المسنين الذين يواصلون العمل، سواء من اضطرتهم الظروف إليه أو اختاروا ذلك، ليكسروا الصورة النمطية المرتبطة بالمسنين كعاجزين يشكلون عبئاً على المجتمع وعلى أسرهم. هناك من اختار مواصلة الدرب عن طريق العمل والأنشطة الجمعوية أو التطوعية وخدمة الآخرين أو ممارسة حرفة يستفيد منها الغير، ليترجم ربما الشعار الذي اختارته وزارة المرأة لهذا العام في الاحتفال باليوم الدولي للمسنين (يحتفل به سنوياً في الأول من أكتوبر/تشرين الأول) تحت شعار "كبارنا ثروتنا وفي خبرتهم فايدتنا"، وذلك للتأكيد على أهمية توفير الظروف الملائمة لتفعيل قدرات شريحة كبار السن وتمكينهم من المشاركة الإيجابية في الحياة الاجتماعية والاقتصادية بما يتوافق مع حقوقهم وحاجاتهم ورغباتهم ويضمن لهم شيخوخة نشيطة ومتوازنة.

يعتبر رئيس "الجمعية العامة للقاصرين عن الحركة العضوية"، الحبيب المناني، النائب الأول لرئيس بلدية منزل جميل، أنّ الإنسان في سنوات الستين يكون في أوج العطاء، فطالما أنّ الوضع الصحي بخير فإنّ الإنسان يمكنه العطاء، فالخبرة التي اكتسبها على مر السنوات والتجارب التي تراكمت لديه ساهمت في استمراره في العمل. يضيف، لـ"العربي الجديد": "كلّ شخص خبير في مجاله، وبإمكانه مساعدة بقية فئات المجتمع، فالعمر لا يجب أن يشكل أيّ عائق أمام الإنسان".

المناني من مواليد 1949، ومع ذلك، يصرّ على مواصلة العمل الجمعوي والبلدي. يلفت إلى أنّ من اعتاد النشاط والعمل لا يمكنه البقاء من دون ذلك، فالروح الشبابية تبقى دائماً في الإنسان مهما تقدم به العمر، مبيناً أنّ دولاً كثيرة تستأنس بخبرة كبار السن وتستفيد منهم كخبراء في مجالات عدة: "لكن، للأسف، ليس هناك تحضير نفسي واجتماعي للمتقاعدين في تونس، وعادة ما تحصل قطيعة بينهم وبين المجتمع، فينقطعون عن العطاء. وصحيح أنّ قدرة كبار السنّ ليست نفسها لما كانوا عليه في شبابهم، لكن يمكن للشخص مواصلة النشاط الإنساني والاجتماعي مهما تقدم به العمر".

تشير معلومات المعهد الوطني للإحصاء إلى أنّ نسبة المسنين تمثل 11 في المائة من مجموع السكان في تونس، ومن المتوقع أن تصل إلى 17.7 في المائة عام 2029، ثم 20.9 في المائة عام 2034. وتشهد هذه الشريحة تغيرات في الاحتياجات والأدوار التي تقوم بها، فهي تضم العديد من الكفاءات الوطنية والخبرات التي ما زالت قادرة على البذل والعطاء والمساهمة الفاعلة في التنمية.

يؤكد المتخصص في علم الاجتماع، عبد الستار السحباني، لـ"العربي الجديد"، أنّ المسن، بحسب القانون التونسي، ذلك الذي يبلغ سنّ الستين، أي سنّ التقاعد، بينما الشيخوخة تضم 3 شرائح؛ الأولى من يتراوح عمرهم بين 60 و69 علما، والثانية من يتراوح عمرهم بين 70 و79 عاما، والثالثة من ثمانين عاماً فما فوق، مبيناً أنّه بحكم النظام الغذائي والتطورات الحاصلة في المجتمع التونسي، فإنّ أمل الحياة ارتفع، وبالتالي فإنّ نسبة المسنين تشهد بدورها زيادة مستمرة.

يتابع السحباني أنّ مسني الشريحة الأولى "عادة ما يكونون قادرين على العطاء وناشطين وفاعلين في المجتمع، خصوصاً مع توفر الأطر المناسبة لهم والمؤسسات الملائمة لإبراز كفاءاتهم. لكن، للأسف ليس ذلك متوافراً، والبعض يسعى إلى استغلال هذه الفئة حتى داخل الأسرة، من خلال تربية الأحفاد والعناية ببقية أفراد العائلة".




يشير إلى أنّ الأسرة باتت غير قادرة على الاهتمام بالمسنين، في كثير من الأحيان، لذلك، يتعين على الدولة توفير الرعاية الكافية وتطوير المؤسسات، وكذلك الاختصاصات التي تدرس هذه الشريحة، إذ حان الوقت لمواكبة احتياجاتها وتوفير ما تحتاجه من رعاية تعود على الوطن ككلّ بالنفع.