ملايين النازحين العراقيين خارج مدنهم رغم تحريرها من "داعش"

26 سبتمبر 2018
تفرقوا بين المدن والقرى أو داخل المخيمات (Getty)
+ الخط -

ملايين العراقيين ما زالوا في الشتات بين المدن والقرى أو داخل المخيمات أو في دول الجوار مثل تركيا والأردن وكذلك مصر ولبنان ودول أوروبية عديدة، ولم يعد أي منهم إلى مدنهم الأصلية رغم تحريرها من تنظيم "داعش"، وذلك بسبب سوء الخدمات وتردي الأوضاع البيئية من جهة، ومنع القوات الحكومية و"الحشد الشعبي" الأهالي من العودة من جهة ثانية.

وبحسب مسؤولين وبرلمانيين عراقيين، فإن ملف النازحين من محافظات شمال وغرب البلاد عقب اجتياح تنظيم "داعش" مساحات واسعة منها عام 2014، ما زال ضمن الملفات الشائكة، إذ إن ربع مليون نازح من بلدة "جرف الصخر" مثلا تفرقوا وسكنوا مناطق عديدة، على الرغم من تحريرها قبل نحو أربع سنوات، فضلاً عن الآلاف من سكان أرياف نينوى، ولا سيما القرى الواقعة قرب الحدود السورية، ومنطقة سهل نينوى، المتنازع عليها بين حكومتي بغداد وإربيل، بالإضافة إلى القائم وراوة في الأنبار المهدمة حتى الآن بعد القصف العنيف لطائرات قوات التحالف الدولي خلال معارك تحريرها من قبضة "داعش".

وتشير إحصاءات غير رسمية، إلى أن عدد النازحين الإجمالي في عموم مدن البلاد يبلغ أكثر من خمسة ملايين ونصف مليون عراقي، يضاف إليهم نحو مليون آخرين هاجروا إلى دول مجاورة وأوروبا خلال السنوات التي أعقبت احتلال تنظيم "داعش" لمحافظات عديدة من البلاد عام 2014، فيما أكدت أخيراً وزارة الهجرة والمهجرين العراقية أن عدد النازحين الكلي منذ عام 2014 بلغ أكثر من أربعة ملايين و500 ألف نازح من نينوى والأنبار وصلاح الدين.

ولم يقتصر الأمر على "داعش" وهجومه على المناطق الغربية والشمالية في العراق، بل إن المعارك التي قادتها القوات العسكرية وفصائل "الحشد الشعبي"، وما تسببت فيه من خراب وصل حد النكبة، أدت إلى نزوح عكسي، فبعض سكان أحياء الموصل بعد التحرير عادوا إلى مناطقهم، لكنهم سرعان ما تركوها بسبب الدمار الذي لحق منازلهم والبنى التحتية.


ويفيد تقرير لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في العراق، صدر في سبتمبر/ أيلول الماضي، بحدوث عودة عكسية للنازحين من مناطق سكناهم مرة أخرى إلى مخيمات النزوح في مناطق مختلفة من العراق.

وذكر التقرير أنه "على الرغم من مؤشرات واعدة بالانتعاش في أجزاء من البلاد، لا يزال الملايين من العراقيين بحاجة إلى المساعدات الإنسانية والحماية، فهناك نحو 1.9 مليون نازح، ولن يتمكن الكثير منهم من العودة إلى ديارهم في وقت قريب"، مبيناً أن "المجتمعات المحلية المتأثرة بالصراع الأخير تعاني الصعوبات، حيث يصل الآلاف من الناس الضعفاء إلى مخيمات تديرها المفوضية كل شهر لأنهم لا يستطيعون العثور على عمل أو دفع الإيجار في مناطق سكناهم، بسبب البطء في إزالة أخطار المتفجرات، وكذلك الخدمات الأخرى المعطلة مثل الماء والكهرباء".

وفي السياق، قالت عضو البرلمان العراقي السابق انتصار الجبوري، إن "انعدام الخدمات وبعض التصرفات الفردية للعناصر الأمنيين، التي أدت إلى انتشار الخطف والابتزاز، فضلاً عن غياب توفر الطاقة الكهربائية وعدم وجود وظائف وارتفاع أسعار الإيجارات، كلها وغيرها تسببت في بقاء قرابة مليوني نازح من نينوى خارج المدينة أو في مخيمات النزوح"، مبينة لـ "العربي الجديد"، أن "الموصل شهدت عمليات نزوح عكسية منها إلى مناطق إقليم كردستان العراق، فما تزال البيوت مهدمة جراء القصف على المناطق التي كانت تضم تنظيم "داعش" الإرهابي، والجثث تحت الأنقاض تنبعث منها الروائح الكريهة بسبب التفسخ، بالإضافة إلى انعدام وجود المستشفيات في الساحل الأيمن من المدينة".

وتابعت، أن "التعويضات المالية التي تحدثت عنها الحكومة العراقية لم تتحقق لكل النازحين،

حتى إن المبالغ التي وفرتها الحكومة لم تكف الضحايا والشهداء والمتضررين"، مشيرة إلى أن "الحكومة المحلية في الموصل قد تساهم بشكل كبير في عودة كل النازحين إلى الموصل، خلال الأسابيع القليلة المقبلة، بسبب اقتراب انتخابات المجلس المحلي في نينوى ولا يمكن لهذه الانتخابات أن تنجح دون عودتهم".

من جهته، أشار عضو المجلس المحلي في مدينة الأنبار عيد عمّاش، إلى أن "نازحي مناطق الرمادي، الفلوجة، الصقلاوية والعامرية عادوا بنسبة 80 في المئة من سكانها، أما القائم مثلاً فقد عاد نصف أهلها فقط بسبب البيوت المهدمة، وعدم وجود الخدمات مثل الكهرباء، لكن لا يوجد رقم محدد لأن الكثير من الذين عادوا إلى مناطقهم خرجوا منها حين شاهدوا الدمار فيها، وعدم إمكان البقاء فيها"، موضحاً لـ"العربي الجديد" أنه "يمكن القول إن 25 في المئة من نازحي الأنبار لم يعودوا إلى ديارهم.. وبالنسبة لملف التعويضات فهو عقيم وتسوده الكثير من التفاصيل المملة ويتخلله الفساد والرشاوى، فضلاً عن بدعة اللجان الكثيرة التي وضعتها الحكومة التي تعوق سهولة تسلم الأموال من بغداد، وحتى الآن لدينا في دائرة مجلس المحافظة قرابة 40 ألف معاملة تعويض لم تنفذها الحكومة العراقية".

من جهته، أفاد مصدر مسؤول في الحكومة المحلية لمحافظة كركوك العراقية، بأن "أغلب النازحين في كركوك عادوا إلى مناطقهم، ما عدا قرى أطراف قضاء الحويجة من الجهة الجنوبية والقريبة من جبال حمرين"، مبيناً السبب لـ"العربي الجديد"، بأنه "لعدم تطهير هذه المناطق من الوجود الإرهابي، مع وجود تحركات لخلايا "داعش"، فضلاً عن أن بعض الأسر لم تعد بسبب انتماء أحد أبنائهم أو أقربائهم لصفوف التنظيم الإرهابي، وهم يتخوفون من قضية الثأر العشائري أو التصفية من عوائل الشهداء الذين أعدمهم "داعش"".

إلى ذلك، أكد المتحدث باسم الحكومة العراقية سعد الحديثي، أن "الحكومة تمكنت من إعادة ثلاثة ملايين نازح إلى مناطق سكناهم، بالإضافة إلى وجود أعداد لم ترغب بالعودة بسبب المعوقات التي تشهدها تلك المناطق، فضلاً عن أن الكثير من الأسر النازحة اندمجت في المجتمعات الجديدة التي وفدت إليها، وبدأوا بمزاولة نشاطات تجارية في المناطق الجديدة"، موضحاً في اتصال مع "العربي الجديد"، أن "الحكومة العراقية عملت منذ انتهاء العمليات العسكرية العام الماضي على إعادة النازحين طوعاً، وتوفير الخدمات الاقتصادية على الرغم من مرور العراق بظروف اقتصادية صعبة، بالإضافة إلى تحقيق باقي الخطط من أجل إتمام ملف النازحين وإرجاع أكبر عدد منهم".

وأكمل أن "إتمام الملف يحتاج إلى وقت وإجراءات عديدة وتواصل مستمر، وحل المشاكل الأمنية المتعلقة بالمناطق التي احتلت من "داعش" أو بعض النازحين أنفسهم"، لافتاً إلى أنه "قبل نحو خمسة أسابيع أطلق مجلس الوزراء أموالاً جديدة من أجل توفيرها للنازحين كتعويضات بعدما نفدت الأموال المخصصة لهم، بعدما تعرضت 150 ألف وحدة سكنية لأضرار بمستويات مختلفة، وتعمل الحكومة حالياً على توفير الأموال لهذه العوائل المنكوبة وتنفيذ معاملات طلباتهم وفق التوقيت التي قُدمت به".

المساهمون