تشكّل المستشفيات الحكومية في مختلف المحافظات المصرية خطراً على صحة المواطنين، خصوصاً أنها تواجه مشاكل كبيرة تحت عنوان الإهمال، ما يؤدي إلى وفاة عدد من المرضى، من دون أن تكون هناك أرقام أو اعتراف. وفي المحصّلة، يدعو الوضع إلى القلق
وفاة خمسة من مرضى الكلى، وإصابة 13 آخرين في مركز ديرب نجم في محافظة الشرقية في شمال القاهرة السبت الماضي، أعادتا الحديث عن الإهمال في المستشفيات الحكومية المصرية. أن يُصاب مواطن مصري بأي مرض مهما كان بسيطاً ودخوله المستشفى، قد يعنيان بدء العد التنازلي لحياته. ويردّد مواطنون أنّ العاملين في المستشفيات الحكومية لا يهتمون إلا باستحصال الرسوم. بعد تجاوز البوابة الرئيسية، يظهر الغضب واضحاً على وجوه الناس بسبب معاملة الأطباء ذويهم، وضعف إمكانيات المستشفى.
تشير الإحصائيات إلى تردّي المنظومة الصحية في مصر. وتفيد بأنّ مصر مصنّفة من إحدى الدول الأقل إنفاقاً على القطاع الصحي، ويقتصر نصيب القطاع في الموازنة العامة للدولة على أقل من 3 في المائة، وتأتي بعد دول مثل أفغانستان التي تنفق 6,7 في المائة، والعراق 8,4 في المائة، وبورندي 11,7 في المائة. وهذه النسبة تعكس مدى تردّي المنظومة الصحية في البلاد.
هكذا، ليس أمام المريض سوى انتظار قضاء الله، بعدما باتت المستشفيات نذير شؤم على المرضى، من في "داخلها مفقود وخارجها مولود". وتفتقد المستشفيات في مختلف المحافظات المصرية الكثير من الخدمات، إضافة إلى عدم وجود أطباء متخصصين، وعدد كاف من الممرضين والممرضات، ونقص الأدوية، وتعطّل أجهزة العناية المركزة التي يراها البعض غير صالحة. كما أن 80 في المائة من غرف العمليات في مرحلة "الإنعاش"، عدا عن تعطّل مئات أجهزة الغسيل الكلوي في المستشفيات التي تتسبّب في وفاة المرضى، فضلاً عن تحوّل الوحدات الصحية في القرى والمدن إلى بيوت للأشباح، ما يدفع المرضى إلى السفر إلى عواصم المحافظات بحثاً عن العلاج. كلّها عوامل ساهمت في زيادة معدّل الوفيات نتيجة قصور العلاج.
حقل تجارب
تحوّل المواطن المصري في المستشفيات الحكومية والتعليمية إلى حقل تجارب لبعض الأطباء. وبدلاً من أن يخفّف الطبيب آلام المرضى، تحوّل إلى مصدر لعذابهم. والإهمال في المستشفيات الحكومية المصرية كفيل بإقالة حكومات في البلدان التي تحترم مواطنيها، كما أن المحسوبيّة هي التي تحدّد دخول الفقراء ومحدودي الدخل إلى المستشفيات، سواء للعلاج أو إجراء عمليات وفحوصات طبية، خصوصاً أن السواد الأعظم من المصريين ليس أمامهم أية فرصة للعلاج إلا في المستشفيات الحكومية أو التعليمية.
نقص الحضّانات
وتعاني المستشفيات المصرية من نقص حاد في "الحضّانات"، ما يؤدي إلى وفاة مئات الأطفال المبتسرين (المولودون قبل أوانهم). وحتى لو توفرت، يخشى الأهل على أطفالهم بسبب تكرّر الحوادث الأليمة الناتجة من الإهمال وعدم الخبرة في التعامل مع هؤلاء الرضع، ما يؤدي إلى وفاتهم. في المقابل، فإنّ أسعار الحضّانات في المستشفيات الخاصة مرتفعة، وتتجاوز الألف جنيه (نحو 55 دولاراً) في اليوم الواحد، ما يمثّل مشكلة كبيرة للأهل الذين ينتظرون ولادة طفلهم بفارغ الصبر.
إعلانات التبرع
وفي ظلّ نقص المستلزمات الأساسية في المستشفيات، تُبثّ إعلانات على محطات التلفزيون لطلب التبرّع، خصوصاً خلال شهر رمضان، إذ تزداد حملات جمع التبرعات، ما يضع الحكومة في قفص الاتهام، وبالتالي يسيء إلى صورة الدولة المصرية غير القادرة على تأمين احتياجات المستشفيات الحكوميّة.
أخطاء قاتلة
كثيرة هي الأخطاء التي تؤدّي إلى الموت في المستشفيات. وعادةً ما ينتهي الأمر بتشكيل لجنة تحقيق تصدر تقارير تبقى حبراً على ورق، خصوصاً أن وزارة الصحة هي الجهة الوحيدة المسؤولة عن تشكيل هذه اللجان، لا سيما إن حدثت هذه الأخطاء في المستشفيات الحكومية. وهناك عشرات الدعاوى القضائية ضد المستشفيات.
الصعيد بلا أطباء
يكشف عدد من الأهالي في صعيد مصر عن تردي الأوضاع داخل المستشفيات والوحدات الصحية. ويتفرّغ الأطباء للعمل في عياداتهم الخاصة، تاركين المرضى الفقراء في انتظار ملائكة الرحمة، على أمل الكشف الطبي المجاني بعيداً عن عياداتهم الخاصة. يضاف إلى ما سبق غياب الأدوية داخل المستشفيات وتدني مستوى النظافة العامة. وفي مستشفيات أسوان الحكومية الكثير من الفوضى والإهمال، ونقص الأدوية في صيدليات المستشفيات، وتأخر إرسال قرارات العلاج على نفقة الدولة إلى المجالس الطبية المتخصصة لانقطاع خدمة الإنترنت في المستشفيات، ما يؤدي إلى تأخر علاج المرضى، وتغيّب الكثير من الأطباء عن مواعيد العمل الرسمية. ولا تتوفر أسرّة في أقسام العناية المركزة في المحافظات، كما يعاني مرضى الغسيل الكلوي بسبب تعطّل الأجهزة، فضلاً عن قوائم الانتظار. وأكثر، تعاني الوحدات الصحية في القرى من نقص في عدد الأطباء والأدوية.
أما مستشفيات محافظة الأقصر، فتواجه بدورها تدنّياً في الخدمات الصحيّة، ونقص أمصال لدغات الثعابين والعقارب المنتشرة في قرى المحافظة. كما أن الوحدات الصحية في القرى من دون أطباء وأدوية، ويضطر الأهالي للذهاب إلى المدينة في ساعات متأخرة من الليل في حالات الإصابة المفاجئة، ما يعرّض حياة المرضى للخطر. ويؤكّد أحد سكّان الأقصر أن المريض الذي يحتاج إلى إجراء عملية جراحية لا بد له من من زيارة عيادة الطبيب المتخصّص "لدفع المعلوم"، حتّى يحوّل إلى المستشفى ويُدرج اسمه في كشوف العمليات.
وغالباً ما تعدّ معاملة الأطباء للمرضى سيّئة للغاية في ظلّ غياب الرقابة ومسؤولي الصحة.
أمّا الإهمال الطبي في مستشفيات الفيوم، فلا حدود له. المرضى لا يجدون أدوية ويشترون المستلزمات الطبية على نفقتهم غالباً. ويجعل الازدحام في العيادات الخارجية الحصول على الخدمة الطبية حلماً بعيد المنال، في ظل تأخّر الأطباء في الحضور إلى المستشفيات. كما أنّ قلة عدد أفراد الأسرّة في وحدات العناية المركزة والإهمال يؤديان غالباً إلى الوفاة. أما أقسام الأشعة في المستشفيات فهي شبه معطلة، ويضطر المرضى إلى إجراء الفحوصات في المراكز الخاصة. ولا يجد الأهالي حضّانات، فيتوجهون إلى المستشفيات الخاصة.
وفي أسيوط حيث المستشفى الجامعي، والذي يقصده مئات المرضى من محافظات الصعيد لتلقي العلاج يومياً، يصطدم المريض بمنظومة من الإهمال، منها تأخر الأطباء. فلا وجود لأي طبيب قبل العاشرة أو العاشرة والنصف صباحاً، عدا عن المعاملة السيئة من الإداريين والممرضات، وغياب المعدات الطبية، إذ يتعيّن على المريض شراؤها من الخارج. وحتى إن فعل، لا يجد الرعاية الكافية وربما لا يستطيع الدخول لتلقي العلاج إلا بالواسطة. ولا يمرّ يوم من دون صراخ بسبب وفاة شخص داخل مستشفى أسيوط الجامعي.
ضمير؟
إلى ذلك، يرى أستاذ أمراض النساء والتوليد في جامعة عين شمس الدكتور محمد توفيق، أنّ الأخطاء الجسيمة والإهمال الطبي وغيرها من المشاكل تتفشى في المستشفيات الحكومية. وفي التفاصيل، نجد الإهمال وسوء المعاملة وقلة الضمير والأخطاء الطبية والغرف المتهالكة، وكلّها عوامل تؤدي إلى "التطفيش" وتؤثّر في صحة المرضى. كما أن العاملين ينصرفون للحديث عن مشاكلهم الشخصية مع زملائهم، ويتركون المرضى من دون رعاية. ويصل الإهمال إلى حدّ التأخر عن إعطاء المريض الدواء، أو أحياناً إعطائه الدواء ليأخذه بنفسه، وما من استجابة لنداءاته في حال تدهور حالته.
اقــرأ أيضاً
يضيف أن بعض الأطباء يحيلون المريض إلى المستشفيات الخاصة حيث يعملون أو إلى عياداتهم، لتتحول مهنة الطب من مهنة سامية يمارسها ملائكة الرحمة إلى تجارة غير إنسانية يمارسها مقاولون. ويرى أن كل هذا الفساد الطبي المستمر والمنتشر في المستشفيات أساسه الإهمال الإداري.
أما الطبيب محمد هشام، فيرجع أسباب الإهمال في المستشفيات إلى نقص الإمكانيات من أجهزة طبية وأدوات جراحية وأدوية، ونقص خدمات التمريض وغيرها، ونقص الأطباء المتخصصين الكفوئين، وضعف الصيانة الدورية للأجهزة الطبية والمباني، إضافة إلى سوء توزيع الخدمات الطبية وتمركزها في المدن الكبرى، في وقت تقتصر الأقاليم على مراكز طبية صغيرة وفقيرة وأطباء جدد قليلي الخبرة، فضلاً عن الأخطاء الطبية المنتشرة في المستشفيات. ويوضح أنّ هناك أكثر من ألف قضية إهمال ضد الأطباء أمام النيابة العامة سنوياً، مضيفاً أن الأخطاء ترتكب بالجملة في أقسام الطوارئ الخالية من أبسط الأدوات الطبية، مثل الشاش والأدوية وغيرها، ويطلب من المواطن المصاب شراء ما يحتاجه الطبيب لإنقاذه، عدا عن عدم التزام الأطباء بالوجود في المستشفيات خلال فترة الدوام، وترك هذه المهمة لأشخاص غير كفوئين. وفي الأقسام الداخلية، ما من متابعة طبية منتظمة سواء من الأطباء أو قسم التمريض، فيصاب المريض بمضاعفات خطيرة.
وفاة خمسة من مرضى الكلى، وإصابة 13 آخرين في مركز ديرب نجم في محافظة الشرقية في شمال القاهرة السبت الماضي، أعادتا الحديث عن الإهمال في المستشفيات الحكومية المصرية. أن يُصاب مواطن مصري بأي مرض مهما كان بسيطاً ودخوله المستشفى، قد يعنيان بدء العد التنازلي لحياته. ويردّد مواطنون أنّ العاملين في المستشفيات الحكومية لا يهتمون إلا باستحصال الرسوم. بعد تجاوز البوابة الرئيسية، يظهر الغضب واضحاً على وجوه الناس بسبب معاملة الأطباء ذويهم، وضعف إمكانيات المستشفى.
تشير الإحصائيات إلى تردّي المنظومة الصحية في مصر. وتفيد بأنّ مصر مصنّفة من إحدى الدول الأقل إنفاقاً على القطاع الصحي، ويقتصر نصيب القطاع في الموازنة العامة للدولة على أقل من 3 في المائة، وتأتي بعد دول مثل أفغانستان التي تنفق 6,7 في المائة، والعراق 8,4 في المائة، وبورندي 11,7 في المائة. وهذه النسبة تعكس مدى تردّي المنظومة الصحية في البلاد.
هكذا، ليس أمام المريض سوى انتظار قضاء الله، بعدما باتت المستشفيات نذير شؤم على المرضى، من في "داخلها مفقود وخارجها مولود". وتفتقد المستشفيات في مختلف المحافظات المصرية الكثير من الخدمات، إضافة إلى عدم وجود أطباء متخصصين، وعدد كاف من الممرضين والممرضات، ونقص الأدوية، وتعطّل أجهزة العناية المركزة التي يراها البعض غير صالحة. كما أن 80 في المائة من غرف العمليات في مرحلة "الإنعاش"، عدا عن تعطّل مئات أجهزة الغسيل الكلوي في المستشفيات التي تتسبّب في وفاة المرضى، فضلاً عن تحوّل الوحدات الصحية في القرى والمدن إلى بيوت للأشباح، ما يدفع المرضى إلى السفر إلى عواصم المحافظات بحثاً عن العلاج. كلّها عوامل ساهمت في زيادة معدّل الوفيات نتيجة قصور العلاج.
حقل تجارب
تحوّل المواطن المصري في المستشفيات الحكومية والتعليمية إلى حقل تجارب لبعض الأطباء. وبدلاً من أن يخفّف الطبيب آلام المرضى، تحوّل إلى مصدر لعذابهم. والإهمال في المستشفيات الحكومية المصرية كفيل بإقالة حكومات في البلدان التي تحترم مواطنيها، كما أن المحسوبيّة هي التي تحدّد دخول الفقراء ومحدودي الدخل إلى المستشفيات، سواء للعلاج أو إجراء عمليات وفحوصات طبية، خصوصاً أن السواد الأعظم من المصريين ليس أمامهم أية فرصة للعلاج إلا في المستشفيات الحكومية أو التعليمية.
نقص الحضّانات
وتعاني المستشفيات المصرية من نقص حاد في "الحضّانات"، ما يؤدي إلى وفاة مئات الأطفال المبتسرين (المولودون قبل أوانهم). وحتى لو توفرت، يخشى الأهل على أطفالهم بسبب تكرّر الحوادث الأليمة الناتجة من الإهمال وعدم الخبرة في التعامل مع هؤلاء الرضع، ما يؤدي إلى وفاتهم. في المقابل، فإنّ أسعار الحضّانات في المستشفيات الخاصة مرتفعة، وتتجاوز الألف جنيه (نحو 55 دولاراً) في اليوم الواحد، ما يمثّل مشكلة كبيرة للأهل الذين ينتظرون ولادة طفلهم بفارغ الصبر.
إعلانات التبرع
وفي ظلّ نقص المستلزمات الأساسية في المستشفيات، تُبثّ إعلانات على محطات التلفزيون لطلب التبرّع، خصوصاً خلال شهر رمضان، إذ تزداد حملات جمع التبرعات، ما يضع الحكومة في قفص الاتهام، وبالتالي يسيء إلى صورة الدولة المصرية غير القادرة على تأمين احتياجات المستشفيات الحكوميّة.
أخطاء قاتلة
كثيرة هي الأخطاء التي تؤدّي إلى الموت في المستشفيات. وعادةً ما ينتهي الأمر بتشكيل لجنة تحقيق تصدر تقارير تبقى حبراً على ورق، خصوصاً أن وزارة الصحة هي الجهة الوحيدة المسؤولة عن تشكيل هذه اللجان، لا سيما إن حدثت هذه الأخطاء في المستشفيات الحكومية. وهناك عشرات الدعاوى القضائية ضد المستشفيات.
الصعيد بلا أطباء
يكشف عدد من الأهالي في صعيد مصر عن تردي الأوضاع داخل المستشفيات والوحدات الصحية. ويتفرّغ الأطباء للعمل في عياداتهم الخاصة، تاركين المرضى الفقراء في انتظار ملائكة الرحمة، على أمل الكشف الطبي المجاني بعيداً عن عياداتهم الخاصة. يضاف إلى ما سبق غياب الأدوية داخل المستشفيات وتدني مستوى النظافة العامة. وفي مستشفيات أسوان الحكومية الكثير من الفوضى والإهمال، ونقص الأدوية في صيدليات المستشفيات، وتأخر إرسال قرارات العلاج على نفقة الدولة إلى المجالس الطبية المتخصصة لانقطاع خدمة الإنترنت في المستشفيات، ما يؤدي إلى تأخر علاج المرضى، وتغيّب الكثير من الأطباء عن مواعيد العمل الرسمية. ولا تتوفر أسرّة في أقسام العناية المركزة في المحافظات، كما يعاني مرضى الغسيل الكلوي بسبب تعطّل الأجهزة، فضلاً عن قوائم الانتظار. وأكثر، تعاني الوحدات الصحية في القرى من نقص في عدد الأطباء والأدوية.
أما مستشفيات محافظة الأقصر، فتواجه بدورها تدنّياً في الخدمات الصحيّة، ونقص أمصال لدغات الثعابين والعقارب المنتشرة في قرى المحافظة. كما أن الوحدات الصحية في القرى من دون أطباء وأدوية، ويضطر الأهالي للذهاب إلى المدينة في ساعات متأخرة من الليل في حالات الإصابة المفاجئة، ما يعرّض حياة المرضى للخطر. ويؤكّد أحد سكّان الأقصر أن المريض الذي يحتاج إلى إجراء عملية جراحية لا بد له من من زيارة عيادة الطبيب المتخصّص "لدفع المعلوم"، حتّى يحوّل إلى المستشفى ويُدرج اسمه في كشوف العمليات.
وغالباً ما تعدّ معاملة الأطباء للمرضى سيّئة للغاية في ظلّ غياب الرقابة ومسؤولي الصحة.
أمّا الإهمال الطبي في مستشفيات الفيوم، فلا حدود له. المرضى لا يجدون أدوية ويشترون المستلزمات الطبية على نفقتهم غالباً. ويجعل الازدحام في العيادات الخارجية الحصول على الخدمة الطبية حلماً بعيد المنال، في ظل تأخّر الأطباء في الحضور إلى المستشفيات. كما أنّ قلة عدد أفراد الأسرّة في وحدات العناية المركزة والإهمال يؤديان غالباً إلى الوفاة. أما أقسام الأشعة في المستشفيات فهي شبه معطلة، ويضطر المرضى إلى إجراء الفحوصات في المراكز الخاصة. ولا يجد الأهالي حضّانات، فيتوجهون إلى المستشفيات الخاصة.
وفي أسيوط حيث المستشفى الجامعي، والذي يقصده مئات المرضى من محافظات الصعيد لتلقي العلاج يومياً، يصطدم المريض بمنظومة من الإهمال، منها تأخر الأطباء. فلا وجود لأي طبيب قبل العاشرة أو العاشرة والنصف صباحاً، عدا عن المعاملة السيئة من الإداريين والممرضات، وغياب المعدات الطبية، إذ يتعيّن على المريض شراؤها من الخارج. وحتى إن فعل، لا يجد الرعاية الكافية وربما لا يستطيع الدخول لتلقي العلاج إلا بالواسطة. ولا يمرّ يوم من دون صراخ بسبب وفاة شخص داخل مستشفى أسيوط الجامعي.
ضمير؟
إلى ذلك، يرى أستاذ أمراض النساء والتوليد في جامعة عين شمس الدكتور محمد توفيق، أنّ الأخطاء الجسيمة والإهمال الطبي وغيرها من المشاكل تتفشى في المستشفيات الحكومية. وفي التفاصيل، نجد الإهمال وسوء المعاملة وقلة الضمير والأخطاء الطبية والغرف المتهالكة، وكلّها عوامل تؤدي إلى "التطفيش" وتؤثّر في صحة المرضى. كما أن العاملين ينصرفون للحديث عن مشاكلهم الشخصية مع زملائهم، ويتركون المرضى من دون رعاية. ويصل الإهمال إلى حدّ التأخر عن إعطاء المريض الدواء، أو أحياناً إعطائه الدواء ليأخذه بنفسه، وما من استجابة لنداءاته في حال تدهور حالته.
يضيف أن بعض الأطباء يحيلون المريض إلى المستشفيات الخاصة حيث يعملون أو إلى عياداتهم، لتتحول مهنة الطب من مهنة سامية يمارسها ملائكة الرحمة إلى تجارة غير إنسانية يمارسها مقاولون. ويرى أن كل هذا الفساد الطبي المستمر والمنتشر في المستشفيات أساسه الإهمال الإداري.
أما الطبيب محمد هشام، فيرجع أسباب الإهمال في المستشفيات إلى نقص الإمكانيات من أجهزة طبية وأدوات جراحية وأدوية، ونقص خدمات التمريض وغيرها، ونقص الأطباء المتخصصين الكفوئين، وضعف الصيانة الدورية للأجهزة الطبية والمباني، إضافة إلى سوء توزيع الخدمات الطبية وتمركزها في المدن الكبرى، في وقت تقتصر الأقاليم على مراكز طبية صغيرة وفقيرة وأطباء جدد قليلي الخبرة، فضلاً عن الأخطاء الطبية المنتشرة في المستشفيات. ويوضح أنّ هناك أكثر من ألف قضية إهمال ضد الأطباء أمام النيابة العامة سنوياً، مضيفاً أن الأخطاء ترتكب بالجملة في أقسام الطوارئ الخالية من أبسط الأدوات الطبية، مثل الشاش والأدوية وغيرها، ويطلب من المواطن المصاب شراء ما يحتاجه الطبيب لإنقاذه، عدا عن عدم التزام الأطباء بالوجود في المستشفيات خلال فترة الدوام، وترك هذه المهمة لأشخاص غير كفوئين. وفي الأقسام الداخلية، ما من متابعة طبية منتظمة سواء من الأطباء أو قسم التمريض، فيصاب المريض بمضاعفات خطيرة.