آلاء أبو مصطفى غزية تبدع في ماكياج الرعب

02 سبتمبر 2018
"الله منحني شيئاً جميلاً أتقنه" (محمد الحجار)
+ الخط -
في قطاع غزة المحاصر من الاحتلال، وفي مجتمع ذكوري تواجه فيه النساء تحديات كثيرة، تمكنت شابة فلسطينية من كسر المحظور وخوض تجربة اختصاص مميز

آلاء موسى أبو مصطفى، شابة غزية في العشرين من عمرها. كسرت حدود القطاع المغلق على أهله، من خلال الفضاء الإلكتروني. تعلمت فناً جديداً أثار إعجابها، وهو يتطلب دقة عالية في التشكيل، بالرغم من أنّ المجتمع لم يتقبل فنها، كونها فتاة تصنع على الأجسام البشرية أشكال الرعب السينمائية المخيفة، والمعروفة بالـ"زومبي".

آلاء التي تطور أعمالها يومياً، وتتابع أهم مختصي صناعة الخدع السينمائية عبر المواقع الإلكترونية، شابة من مدينة خانيونس، جنوب قطاع غزة، تدرس الصيدلة في جامعة "فلسطين" وتملك موهبة الرسم منذ طفولتها، لكنّها لم تهتم بها لعدم توافر مراكز تدريب ومدربين مهتمين في محيطها. كذلك، فإنّ غياب فرص التطوير لدى الموهوبين والفنانين في غزة، دفعها إلى تفضيل الصيدلة كدراسة جامعية بدلاً من الرسم والفنون.

مع ذلك، فإنّ شغفها بالفن بقي حاضراً فيها، فلفتَها مجال صناعة الخدع البصرية وأشكال الأجسام والوجوه المرعبة في السينما، ولم يحبطها عدم قبولها في أول دورة فنية مختصة بالخدع السينمائية في قطاع غزة، كونها لا تدرس اختصاصاً فنياً، فسعت إلى تكثيف مهاراتها من خلال مصادر معلومات مختلفة عن الخدع السينمائية وأشكالها.

كسرت حدود القطاع المحاصر من خلال الفضاء الإلكتروني (محمد الحجار)


بحثت عن محتوى لتعلم هذا الفن باللغة العربية، لكنّه كان ضعيفاً جداً وبدائياً ولا سهولة في تعلمه، فانتقلت للبحث باللغة الإنكليزية، واستطاعت مشاهدة تجارب مختصين من دول الغرب عبر موقع "يوتيوب" وكانت تجاربهم ذات دقة عالية، وبدأت تحفظ الخطوات.

حاولت آلاء البحث عن أدوات تجميل وخدع سينمائية، فاكتشفت أنّها غير متوافرة في قطاع غزة في ظلّ الحصار الذي يفرضه الاحتلال، إذ يمنع دخول كثير من الأدوات التجميلية، بذريعة احتمال استغلالها في أغراض المقاومة، وهو ما أجبرها على البحث عن أدوات بديلة، وبالفعل تمكنت من ذلك ولو بصعوبة. وأطلقت تجاربها، لتتمكن في المرة الأولى من خداع والدتها بجرح مزيف، ومنها بدأت تجري تجارب شبه يومية.



تقول آلاء لـ"العربي الجديد": "الأقنعة لا تدخل إلى غزة، وبعض أنواع الباروكات غالية جداً ولا تتوافر عندنا، وهو ما يدفعنا إلى التفكير أكثر في صنع البدائل، وبالرغم من أنّ صنع الأدوات صعبة إلاّ أنّه يزيد عطاءنا وحبنا للمجال. يتفاجأ خبراء السينما عندما يعرفون أنّ الأشكال التي أصنعها هي بأدوات بسيطة جداً، ومتوافرة في كلّ منزل".

نجاح آلاء في إتقان بعض التجارب شجعها على اقتحام المجال بشكل أكبر. ولا يأتي يوم إلاّ وتشاهد مقاطع فيديو في فنون الخدع البصرية وصنع الأقنعة والأشكال. وتشير إلى أنّها تتمكن من النظرة الأولى من فهم طبيعة الخدعة المستخدمة، وهو فن غير متعارف عليه في غزة. استطاعت التوفيق بين تدريباتها على هذا الفن، والدراسة الجامعية، وحظيت بإعجاب عدد من المخرجين والفنانين. كذلك، شاءت الأقدار أن تحصل على عروض للتدريب من القائمين على تنظيم الدورة السابقة في الخدع السينمائية، وهم الذين رفضوا قبولها في المرة الأولى بسبب عدم اختصاصها.

واجهت الكثير من الانتقادات من المجتمع (محمد الحجار) 


لكن، مع ذلك، واجهت الكثير من الانتقادات من المجتمع، لأنّها تصنع أشكالاً مخيفة وهي فتاة يفضل أن تصنع أشكالاً ناعمة وجميلة. لكنّها تردّ: "هذه موهبتي، والله منحني شيئاً جميلاً أتقنه، وبفضل هذا الفن اقتحمت فنوناً أخرى لأتعلمها، مثل الرسم ثلاثي الأبعاد بخدعه البصرية، وماكياج عارضات الأزياء".

تسعى آلاء للحصول على دورات احترافية أكبر، وهدفها الدخول إلى مجال السينما في غزة ودعمه بموهبتها، للمساهمة في إنتاج أفلام هادفة تخدم المجتمع الغزي. تشير إلى أنّها لا تجد اهتماماً بفن الماكياج السينمائي على المستوى المحلي، بسبب النشاط ككلّ في قطاع غزة.



تتابع أنّ الكثير من الشابات في غزة معجبات بالمجالات الفنية، لكنّ بعض العادات والتقاليد تحصرهن ببعض الاختصاصات التي ينظر إليها المجتمع على أنّها ذات اختلاط أقل بالرجال، وهو ما حاربته هي بدخول هذا المجال والاستمرار في الدراسة في الوقت نفسه. تقول: "في غزة شابات يكسرن كلّ قيود الحصار والاحتلال ليتعلمن اختصاصات جديدة عبر الإنترنت. وحتى مع أزمة انقطاع الكهرباء التي تحرمنا التواصل مع العالم الخارجي، فإنّنا نستغل ساعات التغذية لنتعلم ما هو مفيد لنا".

تعتبر آلاء أبو مصطفى أول فتاة تصنع أشكال "الزومبي" المرعبة، لكنّها ثالث فتاة في قطاع غزة تعمل في مجال الخدع السينمائية، مع الفنانتين مريم صلاح، ونغم الكومي، وجميعهن تعلمن هذا الفنّ عن طريق المواقع الإلكترونية وتكرار التجارب، واستطعن بالفعل أن يخضن مجالاً لم تخضه فتاة في غزة من قبل.
المساهمون