الشباب الذين يقصدون الجبال للمشي في تونس، غالباً ما يصادفون أطفالاً يبيعون الأزهار، ويدلونهم على الطريق. وهذا العمل مصدر رزقهم
بعيداً عن صخب المدينة وزحمتها، والمنظمات الحقوقية المنددة بعمالة الأطفال، وإحصائيات المؤسسات الرسمية، اختار أطفال مناطق جبلية قريبة منهم في منطقة بنزرت في شمال تونس قرب وادي زيتون، حاملين بعض الأزهار في أكياس صغيرة، في انتظار بعض الشباب المشاركين في الرحلات الجبلية والداخلية، ليبيعوا ما استطاعوا من تلك الأزهار التي يجمعونها من الجبال. هذه رسالتهم التي يقدّمونها لهؤلاء الزائرين، تونسيين كانوا أم سياحا أجانب. وتكون تحية منهم للضيوف الوافدين على المنطقة في مقابل بعض الأموال البسيطة.
محمد (8 سنوات) من سكان تلك المنطقة قرب وادي زيتون، يقف كل يوم أحد منذ ساعات الصباح الأولى على ناصية الطريق الأسفلتي، حيث تتوقف الحافلات القادمة من بعض المدن والتي تحمل هواة السياحة الداخلية، وتنظّم الرحلات إلى المناطق الجبلية، لتنطلق رحلة هؤلاء الشباب سيراً على الأقدام إلى سفوح جبل المنطقة، وبالتالي المشي أكثر من عشرين كيلومتراً. يتبعهم محمد أينما ذهبوا، ويرشدهم أحياناً إلى الطريق التي يجوبها كل يوم أحد لبيع الأزهار، فقد حفظ تضاريس المنطقة وطرقاتها السهلة. يرافقهم أينما ذهبوا علّه يبيع ما في كيسه لهؤلاء المغامرين.
"أعرف أنّ كل يوم أحد، تأتي عشرات الحافلات من العاصمة وبعض المدن الأخرى، وفيها عدد كبير من الشباب الذين يحبون الرحلات الجبلية، يرافقهم بعض السياح الأجانب. أقطف منذ الصباح بعض الأزهار الجبلية التي تنبت في منطقتنا، وأصنع منها أنا وأمي بعض الأطواق أو الباقات الصغيرة لبيعها لهؤلاء. كل يوم أحد أجمع نحو خمسين دولاراً من جراء بيع الأزهار".
اقــرأ أيضاً
أما علي الذي يدرس في الصف الخامس ابتدائي، ينطلق مع إشراقة شمس كل يوم عطلة، حاملاً باقات الأزهار على بساطتها، متحدياً في الوقت نفسه مخاطر الجبال، بهدف تحصيل بعض الأموال البسيطة التي تساعده في تأمين مصاريف الدراسة. يجوب الطرقات الوعرة، وإن كان حذراً من مخاطر المنطقة. يبيع كل يوم أحد تلك الأزهار للزائرين، ويضطر إلى السير أكثر من عشرين كيلومتراً على الأقدام، وتتبع خطى هؤلاء أينما حلوا ليبيعهم الأزهار بنصف دولار للطوق الواحد أو الباقة الواحدة.
وغالباً ما يسأل المغامرون هؤلاء الأطفال عن سبب وجودهم في مكان مماثل رغم سنهم. وما إن يختار أولئك الشباب مكاناً ليرتاحوا فيه بعد قطع عشرات الكيلومترات سيراً على الأقدام، يتجمّع حولهم الأطفال لبيعهم الأزهار. يقترب أحدهم بنبرة استعطاف وتسول أكثر منها نبرة بيع، قائلاً: "ادفع ما شئت، فرائحتها طيبة جداً". غالباً ما يشتري الشباب كلّ ما لدى الأطفال طالما أنّ الأسعار زهيدة، ليساعدوهم على تحصيل أموال بسيطة.
لا يعرف رفيق سنّه، فهو لم يعرف المدرسة في حياته. لكنّ شكله يوحي بأنّه لم يتجاوز العاشرة. يرافق شقيقيه أيام الآحاد والعطل إلى بعض المناطق التي تنبت فيها أنواع مختلفة من الأزهار، خصوصاً النرجس. يقطفون بعضها ليجتمعوا في ما بعد على ناصية الطريق يرتبونها في باقات صغيرة أو يشكلون منها أطواقاً مختلفة قبل وصول تلك الحافلات. يقول رفيق إنّه يعمل في بيع تلك الأزهار منذ ثلاث سنوات وخلال العطل الأسبوعية بالأساس التي تنظم فيها الرحلات إلى تلك المناطق الجبلية. يضيف أنّ "غالبية الرحلات تأتي من مناطق مختلفة، وتضم عدداً كبيراً من الناس والسياح. أحاول أنا وأشقائي توفير أكبر عدد من باقات الأزهار لبيعها. وغالباً ما أبيع كل ما لديّ قبل منتصف النهار. أنا أساعد عائلتي ببعض المبالغ البسيطة. وبيع الأزهار هو الشيء الوحيد الذي أتقنه، أو أستطيع صنعه خصوصاً هنا في هذه المنطقة. لا أستطيع العمل في الزراعة".
اقــرأ أيضاً
ويشتري غالبيّة الشباب المشاركين في تلك الرحلات الأزهار من أولئك الأطفال، حتى لو ذبلت.
من جهته، يشير سيف الدين، وهو أحد منظمي الرحلات الداخلية، إلى أنّه يصادف هؤلاء الأطفال في غالبية المناطق الجبلية التي يتوجهون إليها كل عطلة نهاية أسبوع، سواء في منطقة جندوبة أو بنزرت أو سليانة في الشمال، حيث تكثر الرحلات إلى الجبال. يضيف أن هؤلاء الأطفال يبيعون الأزهار ونبات الريحان ذي الرائحة الطيبة. وتراهم موجودين في غالبية المناطق، ويستغلون توافد عشرات الأشخاص عبر الرحلات الداخلية لكسب بعض المال. ويشير إلى أنّ غالبية هؤلاء الأطفال تبدو عليهم ملامح البساطة والحاجة، "الأمر الذي جعل منظمي الرحلات وبعض الشباب المشارك فيها، يجلب مساعدات لهؤلاء أحياناً سواء كانت ثيابا أو طعاما أو بعض القرطاسية".
بعيداً عن صخب المدينة وزحمتها، والمنظمات الحقوقية المنددة بعمالة الأطفال، وإحصائيات المؤسسات الرسمية، اختار أطفال مناطق جبلية قريبة منهم في منطقة بنزرت في شمال تونس قرب وادي زيتون، حاملين بعض الأزهار في أكياس صغيرة، في انتظار بعض الشباب المشاركين في الرحلات الجبلية والداخلية، ليبيعوا ما استطاعوا من تلك الأزهار التي يجمعونها من الجبال. هذه رسالتهم التي يقدّمونها لهؤلاء الزائرين، تونسيين كانوا أم سياحا أجانب. وتكون تحية منهم للضيوف الوافدين على المنطقة في مقابل بعض الأموال البسيطة.
محمد (8 سنوات) من سكان تلك المنطقة قرب وادي زيتون، يقف كل يوم أحد منذ ساعات الصباح الأولى على ناصية الطريق الأسفلتي، حيث تتوقف الحافلات القادمة من بعض المدن والتي تحمل هواة السياحة الداخلية، وتنظّم الرحلات إلى المناطق الجبلية، لتنطلق رحلة هؤلاء الشباب سيراً على الأقدام إلى سفوح جبل المنطقة، وبالتالي المشي أكثر من عشرين كيلومتراً. يتبعهم محمد أينما ذهبوا، ويرشدهم أحياناً إلى الطريق التي يجوبها كل يوم أحد لبيع الأزهار، فقد حفظ تضاريس المنطقة وطرقاتها السهلة. يرافقهم أينما ذهبوا علّه يبيع ما في كيسه لهؤلاء المغامرين.
"أعرف أنّ كل يوم أحد، تأتي عشرات الحافلات من العاصمة وبعض المدن الأخرى، وفيها عدد كبير من الشباب الذين يحبون الرحلات الجبلية، يرافقهم بعض السياح الأجانب. أقطف منذ الصباح بعض الأزهار الجبلية التي تنبت في منطقتنا، وأصنع منها أنا وأمي بعض الأطواق أو الباقات الصغيرة لبيعها لهؤلاء. كل يوم أحد أجمع نحو خمسين دولاراً من جراء بيع الأزهار".
أما علي الذي يدرس في الصف الخامس ابتدائي، ينطلق مع إشراقة شمس كل يوم عطلة، حاملاً باقات الأزهار على بساطتها، متحدياً في الوقت نفسه مخاطر الجبال، بهدف تحصيل بعض الأموال البسيطة التي تساعده في تأمين مصاريف الدراسة. يجوب الطرقات الوعرة، وإن كان حذراً من مخاطر المنطقة. يبيع كل يوم أحد تلك الأزهار للزائرين، ويضطر إلى السير أكثر من عشرين كيلومتراً على الأقدام، وتتبع خطى هؤلاء أينما حلوا ليبيعهم الأزهار بنصف دولار للطوق الواحد أو الباقة الواحدة.
وغالباً ما يسأل المغامرون هؤلاء الأطفال عن سبب وجودهم في مكان مماثل رغم سنهم. وما إن يختار أولئك الشباب مكاناً ليرتاحوا فيه بعد قطع عشرات الكيلومترات سيراً على الأقدام، يتجمّع حولهم الأطفال لبيعهم الأزهار. يقترب أحدهم بنبرة استعطاف وتسول أكثر منها نبرة بيع، قائلاً: "ادفع ما شئت، فرائحتها طيبة جداً". غالباً ما يشتري الشباب كلّ ما لدى الأطفال طالما أنّ الأسعار زهيدة، ليساعدوهم على تحصيل أموال بسيطة.
لا يعرف رفيق سنّه، فهو لم يعرف المدرسة في حياته. لكنّ شكله يوحي بأنّه لم يتجاوز العاشرة. يرافق شقيقيه أيام الآحاد والعطل إلى بعض المناطق التي تنبت فيها أنواع مختلفة من الأزهار، خصوصاً النرجس. يقطفون بعضها ليجتمعوا في ما بعد على ناصية الطريق يرتبونها في باقات صغيرة أو يشكلون منها أطواقاً مختلفة قبل وصول تلك الحافلات. يقول رفيق إنّه يعمل في بيع تلك الأزهار منذ ثلاث سنوات وخلال العطل الأسبوعية بالأساس التي تنظم فيها الرحلات إلى تلك المناطق الجبلية. يضيف أنّ "غالبية الرحلات تأتي من مناطق مختلفة، وتضم عدداً كبيراً من الناس والسياح. أحاول أنا وأشقائي توفير أكبر عدد من باقات الأزهار لبيعها. وغالباً ما أبيع كل ما لديّ قبل منتصف النهار. أنا أساعد عائلتي ببعض المبالغ البسيطة. وبيع الأزهار هو الشيء الوحيد الذي أتقنه، أو أستطيع صنعه خصوصاً هنا في هذه المنطقة. لا أستطيع العمل في الزراعة".
ويشتري غالبيّة الشباب المشاركين في تلك الرحلات الأزهار من أولئك الأطفال، حتى لو ذبلت.
من جهته، يشير سيف الدين، وهو أحد منظمي الرحلات الداخلية، إلى أنّه يصادف هؤلاء الأطفال في غالبية المناطق الجبلية التي يتوجهون إليها كل عطلة نهاية أسبوع، سواء في منطقة جندوبة أو بنزرت أو سليانة في الشمال، حيث تكثر الرحلات إلى الجبال. يضيف أن هؤلاء الأطفال يبيعون الأزهار ونبات الريحان ذي الرائحة الطيبة. وتراهم موجودين في غالبية المناطق، ويستغلون توافد عشرات الأشخاص عبر الرحلات الداخلية لكسب بعض المال. ويشير إلى أنّ غالبية هؤلاء الأطفال تبدو عليهم ملامح البساطة والحاجة، "الأمر الذي جعل منظمي الرحلات وبعض الشباب المشارك فيها، يجلب مساعدات لهؤلاء أحياناً سواء كانت ثيابا أو طعاما أو بعض القرطاسية".