الشرطة العراقية تحاول القضاء على الأميّة بين عناصرها

27 اغسطس 2018
هل يتقن القراءة والكتابة؟ (أحمد الربيعي/ فرانس برس)
+ الخط -

شكاوى كثيرة ترد إلى وزارة الداخلية العراقية حول تجاوزات عناصر من الشرطة، بسبب أميّتهم. هذا ما يقوله مصدر في الوزارة، مشيراً إلى أنّ القرار اتُّخذ لإنشاء مراكز محو أميّة، مشدداً على أنّ الالتحاق بها إجباري.

تشير بيانات حكومية عراقية إلى ارتفاع في نسبة الأميّين في البلاد، الأمر الذي يدلّ على تردّ آخر يؤكد من جهته التراجع الخطير الذي تعاني منه البلاد منذ الغزو الأميركي في عام 2003. وكان للحروب والأوضاع الاقتصادية التي مرّ بها العراق، الدور البارز في تراجع التعليم إلى مستوى خطر، بعدما كان قد تقدّم بلدان الشرق الأوسط في هذا المجال قبل أكثر من 40 عاماً ونجح في محو الأميّة.

في عام 1976، كان العراق يتصدّر بلدان المنطقة لجهة جودة التعليم، إذ إنّه كان قد فرض إلزامية التعليم وأنزل عقوبات صارمة في حقّ من لا يلتحق بالدراسة، فضلاً عن تنظيم حملة شاملة لمحو الأميّة انتهت بعد أربعة أعوام (عام 1980) بإعلان منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو) نجاح العراق في مكافحة الأميّة. اليوم، بعد 38 عاماً على إعلان العراق القضاء على الأميّة، فإنّ مواطنين كثيرين يعانون من مشكلات مع أفراد يعملون في مؤسسات حكومية، على خلفيّة عدم قدرة هؤلاء الأفراد على القراءة. ولعلّ الأكثر إزعاجاً بالنسبة إلى المواطنين هو رجل الأمن الذي يجهل القراءة والكتابة.

وكان وزير الداخلية العراقي قاسم الأعرجي قد كشف في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي عن وجود نحو 300 ألف أميّ في وزارته لا يقرأون ولا يكتبون، مشدداً على وجوب الاستعانة بحملة الشهادات وبخرّيجي الإعدادية على أقلّ تقدير في تعيينات سلك الشرطة. بالتالي، وبالتعاون مع وزارة التربية، تواصل وزارة الداخلية فتح مراكز محو أمية في مختلف محافظات البلاد لتعليم المنتسبين إليها القراءة والكتابة. يُذكر أنّ عدد الأميّين قد ارتفع في هذه الوزارة المهمة، عقب إعادة تشكيل القوات الأمنية بعد حلّها من قبل بول بريمر، الذي عيّنته قوات التحالف بقيادة واشنطن حاكماً مدنياً على العراق بعد الغزو في عام 2003.




في السياق، يؤكد العقيد المتقاعد محمد العسافي الذي أمضى خدمته ضابطاً في عدد من مواقع وزارة الداخلية حتى تقاعده في عام 2001 لأسباب صحية، أنّ "الوزارة لم تكن تضمّ سوى عدد قليل من الأميّين وتوكل إليهم مهام ثانوية في داخل مراكز الشرطة أو يوكّلون بإيصال البريد". يضيف العسافي لـ"العربي الجديد" أنّ "الأميّة انتهت في العراق قبل وقت طويل، ولم يبقَ في وزارتنا أيّ أميّ في عام 1981. الدولة كانت قد نظّمت حملة واسعة للقضاء على الأميّة". ويتابع العسافي أنّه "في خلال سنوات الحصار التي عرفها العراق، لم تعد الدولة تشدّد على التعليم. المهم في ذلك الوقت كان توفير القوت اليومي، وبدأنا نشهد تسرّب الصغار من المدارس وتوجههم إلى سوق العمل. وهذا ما أنتج شريحة واسعة من الأميّين الذين التحقوا في وقت لاحق بسلك الشرطة".

والأميّون في سلك الشرطة اليوم، لا يقتصر عملهم على مهام بسيطة داخل مراكز الشرطة وإيصال البريد، بل توكل إليهم مهام أكبر تتطلب قدراً من المعرفة والثقافة فضلاً عن إجادة القراءة والكتابة. ويظهر ذلك في مفارز أمنية تتمركز بصورة دائمة أو مؤقتة في شوارع رئيسية في داخل المدن، مهمتها في كثير من الأحيان تفتيش السيارات بحثاً عن مشتبه فيهم.

يخبر خالد الحسني، من سلك الشرطة، "العربي الجديد" أنّ "ثمّة زملاء لي يتسببون في أذى للمواطنين بسبب جهلهم القراءة والكتابة"، موضحاً أنّ "دوريات مشتركة تجمع جهات أمنية عدّة من بينها الشرطة، توكل إليها مهام تفتيش أنواع معينة من السيارات أو البحث عن مشتبه فيهم، وهو أمر يستوجب تولي أشخاص يملكون دراية بالبطاقات الشخصية المهمة، بالإضافة إلى إلمام جيد باللغة الإنجليزية. فثمّة أشخاص يملكون بطاقات من شركات أجنبية". يضيف الحسني: "للأسف لا يتم اختيار الأصلح لذلك، ويُصار إلى إشراك أشخاص يجهلون القراءة والكتابة في مثل تلك المهام. وتكون النتيجة سخرية المواطنين من رجال الأمن، وأحياناً امتعاض كبير". ويتابع الحسني: "إن لم تكن في البطاقة التعريفية صورة الشخص، كثيراً ما يمسك رجل الأمن الأميّ هذه البطاقة بطريقة مقلوبة، ويحاول ادعاء القراءة بينما قد يقول أحياناً للمواطن إنّ بطاقته مزورة. وهو ما يثير غضب المواطنين، وبالتالي مشكلات في كثير من الأحيان".




إلى ذلك، يشير مصدر أمني من مكتب وزير الداخلية إلى أنّ "هذه النسبة المرتفعة من الأميّين في وزارة الداخلية لم تكن بهذا القدر قبل دمج عناصر من المليشيات في الوزارة". يضيف المصدر أنّ "المليشيات وفي سعيها إلى التوغّل في مؤسسات الدولة الأمنية وبسط نفوذها داخلها، دفعت عناصرها إلى تلك المؤسسات ودمجتهم في وزارة الداخلية. والمعروف أنّ ولاء عناصر تلك المليشيات ليس للدولة". ويتابع المصدر نفسه أنّ "هؤلاء العناصر هم من عائلات فقيرة لم يتمّوا تعليمهم، سبق أن انضموا إلى المليشيات بحثاً عن منافع مادية وسلطوية بعد سقوط الرئيس الراحل صدام حسين".
دلالات