لم يجد التونسيون حلاً أمام استفحال أزمة فقدان الأدوية سوى التضامن في ما بينهم، وأطلقوا حملات للتبرع وإغاثة الباحثين عن الأدوية المفقودة ونجدتهم، تطورت إلى حملة مجتمعية تحمل شعار "وينو الدواء".
ولقيت حملة "اترك الدواء... من حقي أن أعيش... أين الدواء"، تجاوبا مجتمعيا كبيرا، وأقبل التونسيون على التبرع بالأدوية الصالحة للاستهلاك التي بحوزتهم، ومنحها للمرضى والباحثين عنها، خصوصاً الأدوية الضرورية وتلك الخاصة بالأمراض المزمنة.
وتفاعل التونسيون بكثير من التضامن مع انقطاع الأدوية في الصيدليات وفي المستشفيات الحكومية، ولكنهم لم يبقوا مكتوفي الأيدي أمام عجز الدولة عن إيجاد حلول لفقدان عشرات الأصناف من الأدوية. ويشار إلى أن أزمة الدواء سببت احتقانا نفسيا واجتماعيا في تونس، وينذر استمرارها بتهديد السلم الاجتماعي.
وتتمثل حملة "أين الدواء" التي انطلقت عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بتبادل المعلومات والمعطيات بشأن توفر الأدوية في مختلف محافظات البلاد، وجمع التبرعات، وطرق إيصالها للمحتاجين، وكيفية تزويد المرضى ونجدتهم بتوفير جرعات أو كميات معينة، يوفرها أحيانا تونسيون مقيمون بالمهجر وعائدون من الخارج.
وذكرت ناجية، المقيمة في محافظة بنزرت، لـ"العربي الجديد"، أنه بفضل أهل الخير تم تزويدها بكمية من دواء وحقن لوالدها المصاب بمرض خطير، وأن مواطناً من محافظة صفاقس، وآخر من محافظة قابس، أرسلا إليها الجرعات نظرا لفقدان صنف الدواء المطلوب في شمال البلاد.
وبيّنت ناجية أن والدها ما زال بحاجة لبقية الجرعات، وبحثت طويلاً واتصلت بوزارة الصحة وبالصيدلية المركزية ولكن دون جدوى، مشيرة إلى أنها استنجدت بالمقيمين في الخارج لإغاثتها ببقية الكمية المطلوبة.
من جانب آخر، بيّن وائل لـ"العربي الجديد"، أن "هذه المنظومة انطلقت من المواقع الافتراضية إلى الواقع الفعلي لتساهم في حل أزمات عدد من المرضى"، مبينا أن هذا الفضاء غير كاف والحملة تقوم على المساهمة في حلحلة الأزمة بانتظار حل جذري بتحرك سريع للدولة، وتوفير الأدوية وتعبئة مخزون الصيدليات في مختلف محافظات البلاد.
ولم ينكر وزير الصحة عماد الحمامي، وجود أزمة حقيقية في التزود بالأدوية، مرجعا ذلك إلى عجز الصيدلية المركزية، وإلى الفساد في القطاع، ووجود لوبيات لتهريب الدواء إلى الخارج، ولكنه في الوقت نفسه طالب التونسيين بالبحث جيدا عن الدواء في الصيدليات، ملمحا إلى أن هناك مبالغة في الأمر. وأثار تلميح الوزير حملة استنكار وسخرية من تصريحاته التي قال في أحدها إنه كلما أرسل السائق إلى الصيدلية وجد الأدوية المطلوبة، على حد تعبيره في حوار إذاعي.
وحاول رئيس الحكومة يوسف الشاهد، إقناع البرلمانيين، السبت الماضي، بأن السلطات التونسية ستحل مشكلة الأدوية قريبا جداً، مشيرا إلى أن الأزمة المالية الهيكلية التي تمر بها المؤسسات الحكومية وراء هذا التدهور. كما ذكر أن الديون المزمنة للصيدلية المركزية لدى مخابر الأدوية الأجنبية فاقت 740 مليون دينار (نحو 175 مليون دولار أميركي) من جهة، وعدم إيفاء المؤسسات الصحية والاستشفائية العمومية لديونها التي تتجاوز 800 مليون دينار، من بين الأسباب التي أدت إلى هذه الأزمة.