سيبيريا تحتضن أكبر مطمر نفايات نووية في العالم

29 يوليو 2018
حذار من الإشعاعات (Getty)
+ الخط -


تتواصل في مدينة جيليزنوغورسك، الواقعة في إقليم كراسنويارسك كراي في سيبيريا، أعمال إنشاء مطمر جديد للنفايات النووية التي تقدّر تكلفتها بـ 800 مليون روبل (نحو 13 مليون دولار أميركي)، على أن يصير جاهزاً بحلول نهاية عام 2019 ويتّسع لـ 4500 متر مكعب من النفايات.

وفي حين يؤكد المسؤولون أنّ المطمر آمن، بدأ المدافعون عن القضايا البيئية يدقّون ناقوس الخطر، نظراً إلى الخطورة التي تمثّلها حوادث نووية محتملة في المنطقة، لا بل في البلاد والعالم أجمع. وفي هذا الإطار، يوضح الباحث في شؤون البيئة فيودور مارياسوف أنّ "المطمر الجديد سوف يكون الأكبر في العالم، وسوف يكون مخصصاً للنفايات الإشعاعية الأكثر خطورة من الفئتَين الأولى والثانية". ويقول مارياسوف لـ"العربي الجديد" إنّ "هذه النفايات انتقلت إلى الأجيال الحالية كميراث مُرّ من الحرب الباردة، في حين تتشكّل أخرى جديدة بسبب نشاط الصناعات النووية".

وعن خطورة النفايات النووية والمطمر الجديد، يؤكد مارياسوف أنّ "هذه المخلفات النووية غير قابلة للتدوير وسوف تمثّل خطورة على كلّ الأحياء على مدى آلاف لا بل ملايين السنين. ومشكلة مطمر كراسنويارسك تكمن في عدم توفّر منشآت مماثلة، فالبشرية لم تعثر بعد على الأساليب المناسبة لإتلاف نفايات نووية خطرة إلى هذه الدرجة. لكنّ هذا الأمر لا يحرج القائمين على القطاع النووي الروسي الذين قرروا في الواقع التضحية بسيبيريا، سعياً إلى تحقيق خطط طموحة للتوسّع في السوق العالمية للطاقة النووية".



خلال السنوات الماضية، تحوّلت مؤسسة "روس آتوم" الروسية إلى أكبر اللاعبين في السوق العالمية لتصدير التكنولوجيا النووية، مع إنشاء 35 وحدة توليد في خارج روسيا، بما فيها محطة الضبعة النووية في مصر ومحطة أك كويو التركية التي يجري بناؤها بنظام "الإنشاء والتملك والتشغيل". يُذكر أنّه إلى جانب بناء المحطات وتشغيلها، يقع على عاتق منفذ مثل هذه المشاريع توفير الوقود النووي وإتلافه.

ويعلّق مارياسوف على تلك الشروط التعاقدية، قائلاً: "من خلال سياستها قصيرة النظر، تسعى السلطات الروسية إلى توظيف تصدير التكنولوجيا النووية كأداة إضافية للنفوذ السياسي. فمن خلال إنشائها محطات نووية في مصر وتركيا وفيتنام وبنغلادش وغيرها من الدول، لا تقدّم روسيا تمويلاً فحسب، وإنّما تتعهّد كذلك بتوريد الوقود النووي وإخراجه بعد استعماله". يضيف أنّ "هذا العرض مغرٍ لدول كثيرة تطمح إلى إنشاء محطات نووية، وقد اعترف كبار المسؤولين بروس آتوم علناً بأنّ إقامة مطمر كراسنويارسك يمثّل ميزة تنافسية للتوسع في السوق الدولية للطاقة الذرية". وفي ما يتعلّق بالمخاطر الرئيسية الناجمة عن وجود مطمر للنفايات النووية في سيبيريا، يقول مارياسوف إنّ "مطمر كراسنويارسك سوف يتحوّل إلى مكب نووي عالمي وقد يصير يوماً ما هدفاً للإرهاب الدولي أو يُدمّر نتيجة نزاع عسكري".

تجدر الإشارة إلى أنّه بعد كارثة تشيرنوبيل التي وقعت في جمهورية أوكرانيا السوفييتية في عام 1986 والتي تسبّبت في أكبر تلوّث إشعاعي في التاريخ، استخلص علماء الطاقة الذرية دروساً كثيرة، وهم اليوم يواصلون العمل على تصميم أنواع جديدة من المفاعلات ذات دورة مغلقة تعمل من دون نفايات نووية. لكنّ هذا الجيل الجديد من المفاعلات ما زال بعيد المنال، الأمر الذي يشدّد على ضرورة التعامل مع النفايات النووية من دون إحداث أضرار بيئية جسيمة.

وحول التعامل مع النفايات في ظل عدم واقعية استغناء البشرية عن الطاقة الذرية، يشرح مارياسوف أنّ "البديل الوحيد هو مواصلة الدراسات العلمية واسعة النطاق للبحث عن أساليب آمنة لإتلاف النفايات النووية. أمّا اليوم، فلا ينبغي طمر النفايات من الفئتَين الأولى والثانية، بل يجب حفظها مع إمكانية استخراجها في حال حدوث أيّ خلل. ومن غير المقبول إقامة مطامر في عمق البلاد خلف الأسلاك الشائكة بعيداً عن أنظار المجتمع".



وضعف الآمال بوقف مشروع طمر النفايات النووية دفع مارياسوف إلى قيادة حركة الاحتجاج الاجتماعي في وجهه، وذلك في تحرّك يبدو أنّه يُزعج السلطات المحلية والمركزية. ويشير إلى مضايقات وملاحقات من قبل السلطات بسبب موقفه. ويقول إنّه "في عام 2015، داهم أفراد من جهاز الأمن الفدرالي منزلي وصادروا حاسوبي، كذلك واجهت تهماً بموجب مادتَي التطرّف والخيانة العظمى في القانون الجنائي الروسي".

بالنسبة إلى مارياسوف، فإنّ ثمّة مراكز نفوذ في العالم تريد إقامة المطمر في كراسنويارسك تحديداً، نظراً إلى موقعها الذي يبعد عن أبرز المراكز العالمية بالمسافة نفسها، مضيفاً أنّه "من مصلحة أوروبا إقامة مثل هذا المطمر بعيداً عن حدودها، لذلك تموّل المنظمات الأوروبية نشاط من يساعد في الترويج لهذا المشروع. وأرى في ذلك عملاً غير أخلاقي".

تلك العقبات كلها لم تثنِ المدافعين عن القضايا البيئية عن الاستمرار في نشاطهم وحشد المؤيّدين لقضيتهم في مجموعة "نحن ضد المطمر النووي!" على شبكة "فكونتاكتي" الروسية للتواصل الاجتماعي، إلى جانب إطلاق عريضة على موقع "تشاينج.أورغ" وقّع عليها أكثر من 120 ألف شخص حتى اليوم، آملين في سماع صوتهم والاستجابة لمطالبهم.
دلالات