قصص مأساوية لسوريين نجوا من حادث غرق مركبهم قبالة قبرص

22 يوليو 2018
رحلة رعب أفشلت خططهم بالوصول إلى أوروبا (تويتر)
+ الخط -


الوصول إلى أوروبا حلم كثير من السوريين الباحثين عن حياة جديدة، بعيداً عن غارات طائرات النظام السوري وروسيا، يدفعهم لخوض مغامرة الهجرة عبر البحر، والمقامرة بأرواحهم.

يوم الأربعاء الماضي، انطلق مركبٌ خشبي يحمل عشرات الأشخاص من مدينة مرسين التركية نحو جزيرة قبرص، على أن ينطلقوا منها إلى اليونان أو إيطاليا، لكن القارب الخشبي الذي يقلهم تعطل، فمات عدد منهم غرقاً. وروى بعض الناجين من القارب الهالك لـ"العربي الجديد"، تفاصيل قصتهم المأساوية.

محمد عبد الله (37 عاما)، يروي لـ"العربي الجديد"، كيف نجا من موت محتم في البحر المتوسط. ويصف حالة الرعب التي تملكت ركاب القارب قبل الغرق، وخصوصاً الذين غرقوا فعلاً، ويقول "عبرت من سورية إلى تركيا وكنت أتجهز للوصول لأوروبا وأحقق حلمي بالحياة هناك وإيجاد عمل، وفور وصولي إلى الأراضي التركية اتصل بي أقاربي وطرحوا علي فكرة المكوث عند ابن خالي مدة يومين أو ثلاثة في مدينة الريحانية بإقليم هاتاي لكني رفضت، وقلت إن الفرصة لن تتكرر إذا تأخرت، وفعلا توجهت فورا مع شبان كانوا معي إلى مدينة مرسين".

ويتابع "انتظرنا ساعات حتى أتى قبطان القارب ليطلب منا أن نستعد، وبالفعل عبرنا بين الأبنية لنصل إلى مكان القارب بين شجيرات لا يمكن تمييز مكانه، كانت التاسعة ليلا بتوقيت تركيا، وقال لنا القبطان إن رحلتنا هذه سيسجلها التاريخ كون وصولنا من سورية إلى مرسين لم يستغرق سوى ساعات".

ويضيف عبد الله "قال لنا القبطان أيضاً إن القارب جديد، والوصول لبر الأمان على الشواطئ القبرصية مضمون وسهل. هنا تشاورت مع أقارب لي كانوا معي في الرحلة أنه علينا احتياطا السؤال عن سترات نجاة أو إطارات نستخدمها في حال حدث أي طارئ، ففعلنا، لكن القبطان ثار وجن جنونه وصار يصرخ ويقول لنا إننا نريد دب الرعب بقلوب الناس، عندها التزمنا الصمت".



ويكمل عبد الله روايته بالقول: "بدأ الناس بركوب القارب، وكانت أولى المشاكل أن العدد الإجمالي للركاب كان 150 شخصاً، وانطلقنا بالفعل وكان البحر هادئا جدا، وبدت الرحلة سلسة ومريحة، لكن وبعد ساعة ونصف الساعة من الإبحار بدأت الأمواج تعلو والبحر يهيج، وبدأنا نشعر بالخطر شيئا فشيئا. وأنا كنت جالساً في مقدمة القارب والأمواج تضرب بشدة. سمعت صوت تحطم الألواح الخشبية ورأيت المسامير تتطاير في الماء، وعلا صراخ الناس وبدأوا يطلبون من القبطان الرجوع، لكنه ظل مصراً على متابعة الرحلة".

يضيف محمد عبد الله لـ"العربي الجديد": "قرابة الساعة الثانية والنصف ليلا رضخ القبطان لطلب الناس وصراخهم، والتف بهدف العودة باتجاه الشواطئ التركية. وهنا بدأت المشكلة الثانية، حين بدأت المياه تتسرب بشدة إلى داخل القارب وتعطلت المضخة المسؤولة عن تفريغه. هرع شركاء القبطان لصيانتها، وبالفعل تمكنوا من ذلك، لكن مع ارتفاع الموج والذي يضرب القارب من الخلف، لم تعد المضخة تكفي لتصريف المياه".

ويتابع "نزلت لقعر القارب وطلبت المساعدة من الجميع، ولبى بعض الشبان وأحضروا أوعية وقوارير بلاستيكية لإفراغ الماء، لكن الأمر كان شبه مستحيل، فما أن نزيل برميلا حتى يضرب الموج القارب ويملأه بالمياه من جديد. وكانت المصيبة الكبرى حين تعطل المحرك، وبدأ مستوى الماء داخل القارب يرتفع".

ويقول الناجي عبد الله: "بدأ اليأس يضرب قلوب الناس. خرجت لأرمي نفسي في الماء كي أريح نفسي من معاناة الانتظار على القارب، وأموت بسرعة في الماء كوني لا أجيد السباحة أبدا. وعند نزولي للماء بدأ القارب بالميلان، بعض الناس رموا بأنفسهم باتجاه ميلان القارب فانقلب عليهم، وأشك أن أحدا منهم نجا. وفي الماء وجدت قطعة خشب من بقايا القارب وقلت في نفسي متسائلا هل من الممكن لقطعة الخشب هذه أن تكون حبل نجاتي؟ فتمسكت بها وكل ما يجول في ذهني هو الموت".

أما محمد عبيد (22 عاما)، من بلدة مغارة مرزة بمنطقة معرة النعمان بريف إدلب الجنوبي، فيقول لـ"العربي الجديد": "تسع ساعات قضيتها في الماء على ظهري، هي أول مرة أنزل فيها للبحر وآخر مرة، صرت أخاف الآن من منظر الماء، لم يفصل بيننا وبين الموت سوى خيط من الأمل، وبالفعل مرت بالقرب منا سفينة فيليبينية وبمشيئة القدر تعطلت، عندها سبح القبطان باتجاهها، وأبلغونا بعد انتشالنا أن طاقم السفينة أبلغ خفر السواحل في قبرص بموقع غرق قاربنا، وحينها رأينا قوارب النجاة تقترب منا ونحن بلا حول ولا قوة وغير قادرين على الصراخ".


ويتابع عبيد "أتت الزوارق إلى نقطة محددة بعيدة عنا، وعلى ما يبدو أن الموج جرفنا عن الإحداثيات التي حددت لهم، وهنا فقدنا آخر أمل بالنجاة وأيقنّا أننا غارقون لا محالة. لكن بعد دقائق مرت مروحية من فوقنا، وعادت الزوارق وبدأت بانتشال الناس، وكنت منهم"، وكذلك محمد عبد الله.

أما سامي (26 عاماً)، من بلدة الصيادي بريف إدلب، وهو أحد الناجين من الحادثة، فيقول لـ"العربي الجديد": "أكثر ما يثير حزني هو غرق امراه حامل مع زوجها كانا يحاولان الوصول لليونان، كذلك الأمر هناك مأساة ثانية تعرضت لها أم عراقية مع طفلتها، أرادت التوجه لأهلها في اليونان وهم بانتظارها، فغرقت الأمت ونجت الطفلة".

ويعقب سامي "رافقنا أحد الشبان من درعا، ومضى على انتظاره للرحلة قرابة ثلاثة أشهر وكان مصرا على إكمالها، لكن قدر له أن تكون نهايته في البحر دون تحقيق حلمه. وما يثير الحزن هو أحد الشبان الذي علم أن القارب على وشك الغرق فمات رعبا، أغمي عليه من الصدمة، ليحاول من بقربه تحريكه وإيقاظه، ليتبين لاحقاً أنه قد فارق الحياة".

وأعلن خفر السواحل التركي منذ ثلاثة أيام، عن إنقاذ 103 أشخاص من أصل 154 شخصاً غرق قاربهم بالقرب من سواحل قبرص الشمالية، قضى منهم 26 شخصا غرقا، ولا زال البحث مستمرا عن 25 آخرين.
دلالات
المساهمون