يفتتح، اليوم الأحد، مئات الآلاف من التلاميذ في مرحلتي التعليم الأساسي والثانوي في السودان، سنة دراسية جديدة، بعد إجازة امتدت نحو أربعة أشهر. لكنّه افتتاح متعسر للأهالي المكتوين بأسعار المستلزمات المدرسية
خلافاً لكثير من الدول الجارة والقريبة، يبدأ العام الدراسي في السودان في شهر يوليو/ تموز من كلّ عام. واليوم الأحد بالذات هو بداية الدراسة، بعد إجازة صيفية استمرت نحو أربعة أشهر.
يحلّ العام الدراسي الجديد، وسط حالة اقتصادية متدهورة، تجلت في انخفاض قيمة الجنيه السوداني مقابل العملات الأخرى، وارتفاع نسبة التضخم، وتدني الإنتاج المحلي والشح في النقد الأجنبي، ما أثر سلباً على الأوضاع المعيشية لدى غالبية المواطنين، بسبب ارتفاع أسعار السلع والخدمات الضرورية.
لم تكن أسعار المستلزمات المدرسية استثناء، ففي جولة لـ"العربي الجديد" في السوق العربي، وسط الخرطوم، كان سخط أولياء الأمور كبيراً، خصوصاً من لديه أكثر من تلميذ في المدرسة. يبلغ سعر دستة (دزينة) الكراسات 140 جنيهاً (8 دولارات أميركية) أما الحقيبة المدرسية فيصل سعرها إلى 300 جنيه (17 دولاراً)، فيما كلفة الزي المدرسي نحو 200 جنيه (11 دولاراً)، أما القلم الواحد فيبلغ سعره 10 جنيهات (نصف دولار)، بينما يصل سعر علبة الهندسة الكاملة التي تضم أقلاماً ومساطر وغيرها إلى 250 جنيهاً (14 دولاراً).
اقــرأ أيضاً
في أكثر من مرة، أعلنت الحكومة عن تكفلها بكامل الكلفة الدراسية لتلاميذ المرحلتين الأساسية والثانوية، وبالتحديد في المدارس الحكومية، لكنّ غالبية المدارس تفرض رسوم تسجيل تصل في بعض المدارس إلى 150 جنيهاً (8.3 دولارات). تقدّر الجمعية السودانية لحماية المستهلك حاجة التلميذ الواحد إلى أكثر من ألف جنيه (55 دولاراً) لتجهيز نفسه للموسم الدراسي، من دون احتساب الوجبات المدرسية، والنقليات ازدادت كثيراً. مع كلّ ذلك يظل الحد الأدنى الشهري للأجور في حدود 425 جنيهاً (25 دولاراً).
في الوقت نفسه، لجأت غالبية المدارس الخاصة إلى زيادة الرسوم السنوية بنسبة 50 في المائة عما كانت عليه في العام الدراسي السابق، وذلك بسبب زيادة كلفة التعليم في السودان، بحسب مالكي تلك المدارس.
تقول رجاء عبد الخالق إنّها حضرت إلى السوق لشراء ما يلزم أربعة من أبنائها من مستلزمات مدرسية، ولم تكن تتصور أن تكون الأسعار بهذه الدرجة من "الغلاء الفاحش". تشير لـ"العربي الجديد" إلى أنّها اشترت فقط 4 حقائب بمبلغ ألف جنيه، واكتشفت أنّها في حاجة إلى 4 آلاف (221 دولاراً) أخرى حتى توفر كلّ ما يحتاج إليه أبناؤها، ولا تعلم من أين تأتي بهذا المبلغ.
كانت الجمعية السودانية لحماية المستهلك قد حذرت، في أحدث تصريحاتها، من مَغَبّة غلاء احتياجات المدارس، مِمّا يتسبّب في المزيد من التسريب والهروب. يوضح رئيس الجمعية، نصر الدين شلقامي، لـ"العربي الجديد"، أنّه بالرغم من حديث الحكومة عن مجانية التعليم، فإنّ المدارس الحكومية تفرض رسوماً بمسميات مختلفة، من دون أن تجد من يحاسبها، مشيراً إلى أنّ قرار وزارة التربية والتعليم في ولاية الخرطوم بمنع المدارس الخاصة من زيادة رسومها بأكثر من 20 في المائة، هو الآخر مجرد قرار على الورق لم تلتزم به تلك المدارس، في ظلّ عدم امتلاك الوزارة آلية للمراقبة والمحاسبة.
يشير شلقامي إلى أنّ ارتفاع أسعار المستلزمات المدرسية سببه الأساسي الاستغلال الموسمي لأولياء الأمور، مطالباً وزارة التجارة بوضع أسعار لتلك السلع، كذلك يطالب المواطنين بمزيد من الحرص في الدفاع عن حقوقهم، بعدم الصمت على التجاوزات التي تحدث بزيادة الرسوم الدراسية من دون سند قانوني.
أما الخبير التربوي، حسين الخليفة، فيرى أنّ الضائقة المعيشية الحالية في البلاد ستلقي بظلالها السلبية على العملية التربوية والتعليمية. يكشف لـ"العربي الجديد" أنّ عدم استطاعة كثير من الأسر توفير احتياجات أبنائها في المدارس سيؤثر على التحصيل الأكاديمي للأبناء وسوف يؤدي إلى تدني المستوى، ما قد يتسبب في النهاية في إحداث فوارق اجتماعية. بالإضافة إلى ذلك، يتوقع الخليفة زيادة نسبة تسرب ونفور التلاميذ من المدارس، مطالباً الدولة بالاقتداء بتجربتي النرويج والسويد، من خلال تبني توفير المستلزمات المدرسية عبر جمعيات تعاونية.
الحال في ولاية الخرطوم تبدو أفضل بكثير من ولايات أخرى مثل ولاية الجزيرة في وسط السودان، التي استقبلت العام الدراسي الجديد بقرار من حكومة الولاية بإغلاق 200 مدرسة، ونقل التلاميذ والتلميذات إلى مدارس أخرى، لقلة التلاميذ في تلك المدارس المغلقة، أو لعدم توافر معلمين ولأسباب أخرى ذكرتها الحكومة. يقول عاطف عبد الله لـ"العربي الجديد" إنّ السلطات أغلقت المدرسة الثانوية الوحيدة للبنات في منطقته الفوايدة، وأمرت أولياء الأمور بنقلهن إلى مدرسة أبعد، ما يدخل مستقبل التلميذات في نفق مظلم، إذ يرفض الآباء تسجيل بناتهم في أماكن بعيدة.
اقــرأ أيضاً
يقول محمد عبد الله كوكو، وهو برلماني سابق، عمل رئيساً للجنة التعليم في المجلس التشريعي للولاية، إنّ القرار كارثي وينطوي على مخاطر كثيرة. يفسّر لـ"العربي الجديد" أنّ "سكان تلك المناطق هم من بنوا المدارس وأسسوها من الألف إلى الياء، ولم يكن مطلوباً من الحكومة غير توفير المعلمين، فكيف تجرؤ على إغلاقها ببساطة؟". يعزو كوكو المشكلات التي تواجه التعليم في السودان إلى ضعف الميزانيات التي تخصصها الحكومة المركزية وحكومات الولايات للعملية التعليمية، مقابل الإنفاق على بنود أخرى بأموال طائلة، على الرغم من عدم أولويتها مقارنة بالتعليم، بحسب تقديره.
خلافاً لكثير من الدول الجارة والقريبة، يبدأ العام الدراسي في السودان في شهر يوليو/ تموز من كلّ عام. واليوم الأحد بالذات هو بداية الدراسة، بعد إجازة صيفية استمرت نحو أربعة أشهر.
يحلّ العام الدراسي الجديد، وسط حالة اقتصادية متدهورة، تجلت في انخفاض قيمة الجنيه السوداني مقابل العملات الأخرى، وارتفاع نسبة التضخم، وتدني الإنتاج المحلي والشح في النقد الأجنبي، ما أثر سلباً على الأوضاع المعيشية لدى غالبية المواطنين، بسبب ارتفاع أسعار السلع والخدمات الضرورية.
لم تكن أسعار المستلزمات المدرسية استثناء، ففي جولة لـ"العربي الجديد" في السوق العربي، وسط الخرطوم، كان سخط أولياء الأمور كبيراً، خصوصاً من لديه أكثر من تلميذ في المدرسة. يبلغ سعر دستة (دزينة) الكراسات 140 جنيهاً (8 دولارات أميركية) أما الحقيبة المدرسية فيصل سعرها إلى 300 جنيه (17 دولاراً)، فيما كلفة الزي المدرسي نحو 200 جنيه (11 دولاراً)، أما القلم الواحد فيبلغ سعره 10 جنيهات (نصف دولار)، بينما يصل سعر علبة الهندسة الكاملة التي تضم أقلاماً ومساطر وغيرها إلى 250 جنيهاً (14 دولاراً).
في أكثر من مرة، أعلنت الحكومة عن تكفلها بكامل الكلفة الدراسية لتلاميذ المرحلتين الأساسية والثانوية، وبالتحديد في المدارس الحكومية، لكنّ غالبية المدارس تفرض رسوم تسجيل تصل في بعض المدارس إلى 150 جنيهاً (8.3 دولارات). تقدّر الجمعية السودانية لحماية المستهلك حاجة التلميذ الواحد إلى أكثر من ألف جنيه (55 دولاراً) لتجهيز نفسه للموسم الدراسي، من دون احتساب الوجبات المدرسية، والنقليات ازدادت كثيراً. مع كلّ ذلك يظل الحد الأدنى الشهري للأجور في حدود 425 جنيهاً (25 دولاراً).
في الوقت نفسه، لجأت غالبية المدارس الخاصة إلى زيادة الرسوم السنوية بنسبة 50 في المائة عما كانت عليه في العام الدراسي السابق، وذلك بسبب زيادة كلفة التعليم في السودان، بحسب مالكي تلك المدارس.
تقول رجاء عبد الخالق إنّها حضرت إلى السوق لشراء ما يلزم أربعة من أبنائها من مستلزمات مدرسية، ولم تكن تتصور أن تكون الأسعار بهذه الدرجة من "الغلاء الفاحش". تشير لـ"العربي الجديد" إلى أنّها اشترت فقط 4 حقائب بمبلغ ألف جنيه، واكتشفت أنّها في حاجة إلى 4 آلاف (221 دولاراً) أخرى حتى توفر كلّ ما يحتاج إليه أبناؤها، ولا تعلم من أين تأتي بهذا المبلغ.
كانت الجمعية السودانية لحماية المستهلك قد حذرت، في أحدث تصريحاتها، من مَغَبّة غلاء احتياجات المدارس، مِمّا يتسبّب في المزيد من التسريب والهروب. يوضح رئيس الجمعية، نصر الدين شلقامي، لـ"العربي الجديد"، أنّه بالرغم من حديث الحكومة عن مجانية التعليم، فإنّ المدارس الحكومية تفرض رسوماً بمسميات مختلفة، من دون أن تجد من يحاسبها، مشيراً إلى أنّ قرار وزارة التربية والتعليم في ولاية الخرطوم بمنع المدارس الخاصة من زيادة رسومها بأكثر من 20 في المائة، هو الآخر مجرد قرار على الورق لم تلتزم به تلك المدارس، في ظلّ عدم امتلاك الوزارة آلية للمراقبة والمحاسبة.
يشير شلقامي إلى أنّ ارتفاع أسعار المستلزمات المدرسية سببه الأساسي الاستغلال الموسمي لأولياء الأمور، مطالباً وزارة التجارة بوضع أسعار لتلك السلع، كذلك يطالب المواطنين بمزيد من الحرص في الدفاع عن حقوقهم، بعدم الصمت على التجاوزات التي تحدث بزيادة الرسوم الدراسية من دون سند قانوني.
أما الخبير التربوي، حسين الخليفة، فيرى أنّ الضائقة المعيشية الحالية في البلاد ستلقي بظلالها السلبية على العملية التربوية والتعليمية. يكشف لـ"العربي الجديد" أنّ عدم استطاعة كثير من الأسر توفير احتياجات أبنائها في المدارس سيؤثر على التحصيل الأكاديمي للأبناء وسوف يؤدي إلى تدني المستوى، ما قد يتسبب في النهاية في إحداث فوارق اجتماعية. بالإضافة إلى ذلك، يتوقع الخليفة زيادة نسبة تسرب ونفور التلاميذ من المدارس، مطالباً الدولة بالاقتداء بتجربتي النرويج والسويد، من خلال تبني توفير المستلزمات المدرسية عبر جمعيات تعاونية.
الحال في ولاية الخرطوم تبدو أفضل بكثير من ولايات أخرى مثل ولاية الجزيرة في وسط السودان، التي استقبلت العام الدراسي الجديد بقرار من حكومة الولاية بإغلاق 200 مدرسة، ونقل التلاميذ والتلميذات إلى مدارس أخرى، لقلة التلاميذ في تلك المدارس المغلقة، أو لعدم توافر معلمين ولأسباب أخرى ذكرتها الحكومة. يقول عاطف عبد الله لـ"العربي الجديد" إنّ السلطات أغلقت المدرسة الثانوية الوحيدة للبنات في منطقته الفوايدة، وأمرت أولياء الأمور بنقلهن إلى مدرسة أبعد، ما يدخل مستقبل التلميذات في نفق مظلم، إذ يرفض الآباء تسجيل بناتهم في أماكن بعيدة.
يقول محمد عبد الله كوكو، وهو برلماني سابق، عمل رئيساً للجنة التعليم في المجلس التشريعي للولاية، إنّ القرار كارثي وينطوي على مخاطر كثيرة. يفسّر لـ"العربي الجديد" أنّ "سكان تلك المناطق هم من بنوا المدارس وأسسوها من الألف إلى الياء، ولم يكن مطلوباً من الحكومة غير توفير المعلمين، فكيف تجرؤ على إغلاقها ببساطة؟". يعزو كوكو المشكلات التي تواجه التعليم في السودان إلى ضعف الميزانيات التي تخصصها الحكومة المركزية وحكومات الولايات للعملية التعليمية، مقابل الإنفاق على بنود أخرى بأموال طائلة، على الرغم من عدم أولويتها مقارنة بالتعليم، بحسب تقديره.