بلديات تونس الجديدة تنطلق

22 يونيو 2018
احتفالات أعقبت الانتخابات المحلية (إينيس كانيل/ الأناضول)
+ الخط -
شرعت تونس هذا الأسبوع في تركيز (تثبيت) أول مجالس بلدية منتخبة بعد ثورة الحرية والكرامة عام 2011، تمهيداً لانطلاق أعمالها في التصدي للمشاكل

قبل أيام، دعا المحافظون البلديات الجديدة في تونس، التي انتخبت أخيراً، إلى الانعقاد وانتخاب رؤساء لها في لحظات تاريخية فارقة انتظرها التونسيون طويلاً بعد الثورة.

البداية كانت من أقصى الجنوب التونسي في بلديات الصحراء الحدودية بين تونس وليبيا، إذ عقدت، أمس الأول الأربعاء، الجلسة الأولى للمجلس البلدي لبلديتي رمادة وذهيبة. وبالرغم من قساوة الظروف الطبيعية وارتفاع درجات الحرارة والصعوبات اللوجستية فقد استعجلت هذه البلديات تثبيت مجالسها، ما يترجم، بحسب مراقبين، الحاجة الملحة إلى انطلاق أعمالها في أقرب وقت ممكن حتى تتمكن من الشروع في تحقيق مطالب المواطنين ممن سئموا من الانتظار، لتحقيق التنمية المحلية وتغيير وضع القرى والمناطق المهمشة التي تعيش تحت وطأة الفقر والبطالة منذ عقود.

انتخب علي عامر مرشح حركة النهضة ورئيس قوائمها في الانتخابات البلدية الأخيرة رئيساً لبلدية ذهيبة، بأغلبية الأصوات (8 من 12)، فبات أول رئيس بلدية منتخب بعد الثورة، فيما انتخب حبيب الحفيان رئيس قائمة نداء تونس رئيساً لبلدية رمادة بعد حصوله على 10 أصوات من 18.




تنتهي هذه العملية في مختلف المحافظات في نهاية يوليو/ تموز المقبل. وقد كشفت محافظات عدة، من بينها نابل والقيروان والمنستير وبن عروس وتطاوين، عن مواعيد تثبيت مجالس بلدياتها بعدما وجّه المحافظون الدعوات الرسمية إلى الانعقاد بعد انقضاء مهلة الطعون ونشر النتائج النهائية والرسمية للانتخابات البلدية.

في هذا الإطار، يشير محمد الناصر جبيرة، رئيس لجنة تنظيم الإدارة الذي أشرف على إعداد قانون الجماعات المحلية المنظم للبلديات الجديدة المنتخبة، إلى أنّ هذه اللحظات فارقة في تاريخ تونس الثورة، باعتبار أنّ هذه المجالس البلدية انتخبت للمرة الأولى منذ الثورة وبعد مرور ثماني سنوات على مجالس بلديات 2010 التي انتخبت وثبتت بحسب القانون القديم. يبين أنّه سيتم تطبيق القانون الجديد للبلديات الذي صادق عليه البرلمان مؤخراً وسيساهم في تغيير المشهد المحلي عبر التأسيس لقواعد الديمقراطية المحلية والتدبير الحرّ ودفع التنمية المحلية.

يقول جبيرة لـ"العربي الجديد" إنّ الجلسة الأولى للمجلس البلدي التي ينصّ عليها القانون يجب أن يترأسها أكبر أعضاء المجلس البلدي سنّاً من غير المترشحين لرئاسة البلدية إلى غاية انتخاب الرئيس الذي يتسلم رئاسة الجلسة مباشرة بعد انتخابه، ويتولى رئيس الجلسة دعوة أعضاء المجلس البلدي الحاضرين لأداء القسم المنصوص عنه في البند 213 من مجلة الجماعات المحلية (قانون البلديات)، بحضور رئيس المحكمة الابتدائية المختصة أو من ينوب عنه. يلفت جبيرة إلى أنّ على رئيس البلدية التفرغ للمجلس البلدي بعد انتخابه.

يواجه تثبيت البلديات المنتخبة صعوبات عديدة على مستوى الانعقاد في جلساتها الأولى لعدّة اعتبارات سياسية، أهمّها غياب التوافق بين الفرقاء والأحزاب المتنافسة حول رئاسة المجالس والمساعدين ورئاسة اللجان والخلاف القائم بين القيادات المركزية للحزب وفروعه المحلية وقواعده الشعبية. وقد تحول الخلافات الأيديولوجية والصراعات الحزبية دون الإسراع في تثبيت المجالس الجديدة.

مشاكل عديدة تنتظر حلول البلديات (فتحي بلعيد/ فرانس برس) 












يمثّل انتخاب رؤساء المجالس البلدية ركيزة من ركائز مشروع اللامركزية حتى يتسنى للبلديات فعلياً الشروع في العمل الميداني وتنفيذ الوعود الانتخابية وتحقيق برامج التنمية المحلية المنتظرة، التي تهدف إلى تجاوز التفاوت بين الجهات ودفع النمو وتجاوز مشاكل الفقر والبطالة.

يرجح مراقبون أنّ الخلافات بين الأحزاب ستعطل تثبيت عدد لا يستهان به من البلديات، كما سيؤدي دخول الفروع الحزبية في تحالفات من دون العودة إلى القيادات المركزية في انشقاقات واهتزازات مرتقبة. وقد مثل توافق حزبي النهضة والجبهة الشعبية في بلدية العروسة من محافظة سليانة صدمة سياسية داخل الجبهة الشعبية المعارضة وفي صفوف زعمائها الذين لطالما انتقدوا بشدة قيادة حزب النهضة ومرجعيته وأيّ طرف سياسي يشاركه الحكم.

من جانبها، شددت قيادات حزب نداء تونس على رفضها التحالف مع حزب النهضة على المستوى البلدي، مما يزيد من العراقيل والصعوبات التي تعترض تثبيت البلديات المنتخبة، باعتبار الحزبين يحوزان معاً على أغلبية المقاعد، ومن دون تحالفهما يصعب الخروج من مأزق رئاسة البلديات.

تبقى رئاسة بلدية العاصمة التي يلقب رئيسها بـ"شيخ المدينة" المعضلة الكبرى، إذ ترتهن الرئاسة لتوافق الحزبين الكبيرين من جهة، ولاتفاق رئيسي قائمتيهما، بعد تمسك مرشحة النهضة سعاد عبد الرحيم ومرشح النداء كمال أيدير بالسعي إلى الرئاسة.

من جانب آخر، يكشف الناشط في منظمة "مراقبون" كريم سيالة، لـ"العربي الجديد"، أنّ البلديات الجديدة يعوزها غياب الموارد البشرية والمادية عن تحقيق أهداف الحكم المحلي، بسبب ضعف الاعتمادات الحكومية والموازنات المخصّصة لها، وبالإضافة إلى موارد الدولة المحدودة تعوّل السياسة الحكومية على الاستنجاد بالمانحين الدوليين لتوفير اعتمادات إضافية تمكّن من تغطية الحاجيات في البلديات العريقة، وفي 61 بلدية جديدة.




وأبرمت حكومة تونس اتفاقاً مع الاتحاد الأوروبي لإطلاق برنامج "مبادرة نموذجية للتنمية المحلية المندمجة"، متضمناً منح الحكومة التونسية هبة بـ60 مليون يورو، غايتها "دعم الجهود الحكومية في مجال اللامركزية". وينظر إلى اللجوء إلى الممولين الدوليين كدليل واضح على ضعف السياسات المالية للدولة وعدم انسجامها مع استراتيجية تعميم النظام البلدي المعلن عنه الذي لا تسنده موارد ذاتية بما يعزز العراقيل التي ستعترض تنفيذ برنامج الحكم المحلي.
دلالات