تحاول الأمم المتحدة حلّ النزاعات ومعالجة مخلفاتها الخطرة على المدنيين حول العالم، لكنّ الوضع خارج عن السيطرة في ما يظهره تقرير أمينها العام.
ما هي أفضل طريقة لحماية المدنيين في الحروب والنزاعات المسلحة؟ الجواب البسيط والبديهي هو منع نشوب تلك النزاعات المسلحة ومعالجة جذور نشوبها ومنع استمرارها وتجددها ومنع بيع أسلحة لمناطق النزاعات. لكنّ الواقع الذي يعاني منه ملايين المدنيين في شتى أنحاء العالم بما في ذلك الشرق الأوسط هو العكس تماماً، أي استمرار الحروب وتزايدها.
يكشف الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، في تقريره الأخير حول حماية المدنيين في النزاعات المسلحة، عن صورة قاتمة للواقع. يستعرض التقرير الخاص بعام 2017، التقدم الذي أحرز في ثلاثة مجالات أساسية، حددها تقرير عام 2016، وهي "تعزيز احترام القانون الإنساني الدولي أو القانون الدولي لحقوق الإنسان وتشجيع الممارسات الجيدة من جانب أطراف النزاع، وحماية البعثات الإنسانية والطبية، وإيلاء الأولوية لحماية المدنيين في عمليات الأمم المتحدة للسلام، ومنع التهجير القسري، والسعي إلى إيجاد حلول دائمة للاجئين والمهجّرين داخلياً".
يستعرض التقرير، الذي يأتي في 28 صفحة، الواقع الميداني إلى جانب تقديمه توصيات في مجالات عديدة. وفي ما يخص حماية المدنيين يشير إلى مقتل وجرح عشرات الآلاف من المدنيين عام 2017 من جانب أطراف النزاع في أفغانستان وأوكرانيا وجمهورية أفريقيا الوسطى وسورية والكونغو الديمقراطية وجنوب السودان والصومال والعراق وليبيا ومالي ونيجيريا واليمن وغيرها. ففي ست دول وحدها وصل عدد القتلى والجرحى إلى أكثر من 26 ألف قتيل وجريح العام الماضي، من بينهم 10 آلاف في أفغانستان وأكثر من 8 آلاف في العراق و2600 في كلّ من الصومال واليمن. ولا يذكر التقرير في هذا المقام سورية، من ضمن الدول التي تسجل أعداداً كبيرة من القتلى والجرحى بالآلاف.
لقطة من سيراليون (Getty) |
رداً على أسئلة لـ"العربي الجديد" في نيويورك حول عدم ذكر سورية إضافة إلى الدول الست، يقول "مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)" إنّ الأرقام الواردة في التقرير تستند إلى معلومات يمكن للأمم المتحدة التحقق منها وتقدم من قبل الجهات الفاعلة والمختصة في كلّ واحدة من تلك السياقات. لكنّ هذه المعلومات غير متوفرة في حالة سورية، لأنّ الوضع على الأرض على درجة من الصعوبة والتعقيد يصعب معها تسجيل تلك الخسائر البشرية والتحقق منها. كذلك، لا يمكن للأمم المتحدة في السياق السوري تحديد ما إذا كان عدد المدنيين الذين قتلوا أو جرحوا في سورية عام 2017 قد زاد أو قل مقارنة بالسنوات السابقة". ويشير المكتب إلى أنّ هذا التحدي يظهر كذلك في ما يخص تحديد الجهات المسؤولة عن مقتل المدنيين وإصابتهم في حالات كثيرة من بينها العراق واليمن.
يتحدث التقرير أيضاً عن الأضرار التي ألحقتها النزاعات والحروب بالممتلكات، وليس فقط المدنيين، إذ تدور أغلب تلك النزاعات في مناطق مأهولة بالسكان، وتشهد استخدام الأسلحة المتفجرة والقصف المدفعي والضربات الجوية والمتفجرات اليدوية الصنع مما أدى إلى دمار واسع في المنازل والمستشفيات والمدارس والبنى التحتية الأساسية، ناهيك عن استخدام الذخائر العنقودية في كلّ من سورية واليمن، على سبيل المثال، بالإضافة إلى التقارير التي تشير إلى استخدام الأسلحة الكيميائية في سورية.
... ومن العراق (فرانس برس) |
يشير التقرير كذلك إلى استخدام العنف الجنسي كتكتيك حربي للإرهاب والتعذيب والقمع واستهداف الضحايا على أساس انتمائهم الديني أو السياسي وغيرها. وأدى ذلك إلى تهجير قسري لطوائف مستهدفة. ويذكر التقرير كمثال على استخدام واسع للعنف الجنسي دولاً منها العراق والصومال ومالي والكونغو الديمقراطية وجمهورية أفريقيا الوسطى وجنوب السودان. ويشير إلى تأثر الأطفال وبشكل كبير من جراء النزاعات المسلحة. كذلك، يلفت إلى قضية التهجير القسري ويؤكد أنّه حتى نهاية عام 2016 ، وصل عدد المهجّرين قسرياً حول العالم، بسبب النزاعات غالباً، إلى أكثر من 65 مليون شخص "من ضمنهم 6.1 مليون سوري هجّروا داخل بلادهم، منهم 1.8 مليون جرى تهجيرهم في عام 2017. وأُجبر ثلاثة ملايين شخص في اليمن على ترك ديارهم، وهم يواجهون، مثل المهجّرين في سورية وغيرها، احتياجات كبيرة تتصل بالحماية والمساعدة. وفي أوكرانيا، يُقدَّر عدد المهجّرين داخلياً بـ1.6 مليون شخص، من بينهم كثيرون غير قادرين على الحصول على الخدمات الأساسية".
أما في ما يخص القيود المفروضة على المساعدات الإنسانية، فيشير التقرير أنّها كانت كثيرة وتشكل خطراً شديداً على المدنيين، ويلفت إلى استخدام البيروقراطية "كسلاح" للحيلولة دون وصول المساعدات الإنسانية للمدنيين. ويفسر أنّه "علاوة على الأعمال العدائية المستمرة والتحديات اللوجستية، كانت أخطر العراقيل هي العوائق البيروقراطية وتنفيذ هجمات استهدفت العاملين في المجال الإنساني". ويحدد التقرير عدة دول في هذا الإطار، من بينها سورية والعراق وفلسطين تحديداً غزة. ومن اللافت أنّه باستثناء المثال الأخير، لا يأتي التقرير على ذكر فلسطين. ورداً على استفسار لـ"العربي الجديد" في نيويورك حول الموضوع، يقول "أوتشا" إنّ "الممارسات المذكورة وغيرها تحدث في العديد من السياقات (والدول) لكن لا يمكن الإشارة إلى جميعها وبالتفصيل بسبب ضيق في حجم التقرير".
لا يذكر التقرير، باستثناء الملحق، قضية تصدير السلاح واستفادة الكثير من الدول المصنعة والمصدرة للأسلحة من استمرار تلك النزاعات ناهيك عن كونها في الكثير من الأحيان طرف مباشر أو غير مباشر في تلك النزاعات. ويبرر "أوتشا" ذلك لـ"العربي الجديد" أنّ "مسألة نقل الأسلحة تذكر بشكل دوري في تقارير الأمين العام عن حماية المدنيين في مناطق النزاعات المسلحة. وعلى سبيل المثال يشير التقرير السابق، الذي بني عليه التقرير الحالي، إلى توفر الأسلحة والذخيرة على نطاق واسع، مع غياب ضوابط كافية لنقله، ما يعد من ضمن العوامل الرئيسية في إدامة الصراعات التي تؤدي إلى تضرر المدنيين". يقدم الأمين العام للأمم المتحدة في هذا السياق العديد من التوصيات من ضمنها "الحاجة إلى تنفيذ فعّال لأدوات مثل معاهدة تجارة الأسلحة، وبرنامج العمل لمنع الاتجار غير المشروع بالأسلحة الصغيرة والأسلحة الخفيفة. كذلك، يحث جميع الدول على الامتناع عن تصدير الأسلحة التقليدية والذخيرة إلى أماكن يحتمل استخدامها فيها في ارتكاب أو تسهيل ارتكاب انتهاكات جسيمة للقانون الإنساني الدولي أو القانون الدولي لحقوق الإنسان".