أن يكون أكثر من ربع مليون شاب وشابة من حاملي الشهادات الجامعية عاطلين من العمل، فهذا أمر لا يدعو إلى الاطمئنان، لا في تونس ولا في أيّ بلد آخر من العالم. فالبطالة شرّ مستطير، وهؤلاء الشباب طاقات مهدورة.
تحاول تونس، بصعوبة، تشغيل أكثر من نصف مليون عاطل من العمل، من بينهم 270 ألفاً يحملون شهادات جامعية ويمثّلون بالتالي قوّة إنتاج مهدورة وطاقات شابة كامنة أصابها الإحباط واليأس. وتقف الحكومات المتعاقبة حائرة أمام نسب البطالة المرتفعة المقدّرة بـ 15.5 في المائة مع نهاية عام 2017، أي 639 ألف عاطل من العمل من مجموع السكان النشطين.
ويزداد المشهد قتامة بعد إعلان حكومة يوسف الشاهد إغلاق باب الانتدابات في القطاع العمومي للعام الثالث على التوالي، بسبب الضغوط المالية وعجز المؤسسات العمومية واقتراب بعضها من الإفلاس. ويرى في السياق خبير الشؤون الاجتماعية والتشغيل، الحبيب كراولي، أنّ "العاطلين من العمل في تونس قوّة إنتاج تبحث عن فرصة للاندماج في سوق الشغل"، مشيراً لـ"العربي الجديد" إلى أنّ "الواقع الاقتصادي، وكذلك الاجتماعي، في تونس إلى جانب التوجّه العالمي، خلق مسارات جديدة تستوجب أن يواكبها سوق الشغل التونسي ويستثمر فيها، عبر التشجيع على خلق فرص تشغيل جديدة في مجالات واعدة وفي قطاعات تواكب التطوّرات التي يعرفها سوق الشغل العالمي الذي يعيش على وقع العولمة وإلغاء الحدود والانفتاح عبر تطوير القطاع الحر وإطلاق أعمال خاصة في الاختصاصات المطلوبة عالمياً".
من جهته، يقول رئيس مجلس نواب الشعب التونسي، محمد الناصر، لـ"العربي الجديد" إنّ "مستشاري التشغيل العاملين في وزارة التشغيل في تونس يحتاجون إلى صبر كبير وكفاءة مهنية عالية في هذه الظروف الصعبة التي تمرّ بها البلاد، نظراً إلى قلة الموارد وضعف الاستثمار وتراجع مواطن الشغل، وذلك بهدف توجيه الشباب العاطل من العمل وبعث الأمل في نفوسهم وتقليص شعورهم بالإقصاء والتهميش، بعدما تفشى هذا الشعور لدى الشباب الذين يحملون شهادات والذين لم يحصلوا على فرصهم بعد".
ويشير الناصر إلى أنّ "تونس تملك طاقة كامنة وكنزاً من الكفاءات والأطر واليد العاملة"، مشيراً إلى أنّ "270 ألف عاطل من العمل يعدّون ثروة مهدورة، لا بدّ من البحث في الحلول المناسبة لاستغلالها واستثمارها ودمجها في تنمية البلاد، وتوجيهها نحو الخارج كذلك للعمل في الدول الصديقة والشقيقة". يضيف الناصر أنّ "دور مستشار التشغيل يكمن في البحث عن مواطن الإبداع والخلق في هذه الطاقات الشابة ودفعها لتصبح طاقة إنتاج من جهة وحاضنة لتشغيل كفاءات أخرى من حاملي الشهادات العالية من جهة أخرى". ويؤكد أنّ "مجلس الشعب ساهم، عبر المصادقة على قانون المؤسسات الناشئة، في إيجاد أرضية تشريعية تفتح مجالات أوسع أمام الطاقات الخلاقة في مجالات التكنولوجيا الرقمية التي تعرف إقبالاً عالمياً ورواجاً في سوق الشغل".
ويذكّر الناصر بأنّ "حكومة الاستقلال برئاسة الراحل الحبيب بورقيبة راهنت على التعليم والصحة والتكوين واستثمرت في الأدمغة التونسية والكفاءات، واليوم نحصد ما زرعناه. وأن يكون العاطلون من العمل مهندسين وأطباء ومحامين وكفاءات جامعية، فإنهم سوف يجدون مكانهم في سوق الشغل المحلية أو العالمية، نظراً إلى قدرتهم على التنافس مع الكفاءات الأجنبية. وهذا في حدّ ذاته مكسب وليس نقمة على تونس". ويتحدّث الناصر عن "مبادرة قانونية جديدة خاصة بالاقتصاد الاجتماعي التضامني، وهي تُعدّ من الحلول التشغيلية الأخرى عبر الاستثمار في المجال الاجتماعي والتضامني".
وكان رئيس الجمعية التونسية لمستشاري التشغيل، سمير كمون، قد صرّح على هامش ملتقى حول "دور مستشار التشغيل في تونس وأهمية مواكبة التطورات والعصر"، بأنّ مهنة مستشار التشغيل هي رسالة اجتماعية نبيلة كذلك، نظراً إلى العلاقة الإنسانية التي تربطه مع العاطلين من العمل وطالبي الشغل والتي تتجاوز الاستشارة والتوجيه والتأطير لتصل إلى التشجيع والدعم والإحاطة والتحفيز، حتى لا يقع العاطلون من العمل في اليأس والإحباط.
تقدّر نسبة البطالة في تونس، بحسب آخر الإحصاءات الخاصة بالأشهر الثلاثة الأخيرة من عام 2017، بـ 15.5 في المائة، أيّ 639 ألفاً من مجموع السكان النشطين، وذلك وفق التحديث الأخير الذي نشره المعهد الوطني للإحصاء في تونس. بالإضافة إلى ذلك، تبلغ نسبة البطالة في صفوف حاملي الشهادات العالية 29.9 في المائة، أي نحو 264.1 ألفاً في الأشهر الثلاثة الأخيرة من عام 2017. وتُقدَّر نسبة البطالة خلال الفترة نفسها لدى الذكور بـ 12.5 في المائة، في حين تُقدَّر لدى الإناث بـ 22.9 في المائة من إجمالي العاطلين من العمل.
ويرى خبراء في علم النفس والاجتماع أنّ البطالة في صفوف الشباب تُعدّ سبباً رئيسياً في تفشّي اليأس والإحباط بينهم، في حين تتسبب حالات اليأس في تفاقم ظاهرة العنف والتطرّف وتقود في كثير من الأحيان إلى الانتحار والهجرة غير النظامية وحتى الانخراط في صفوف الجماعات الإرهابية المتطرفة كردّ فعل على الواقع المجتمعي المعيش.