قصة الأول من أيار... عيد العمّال العالمي

01 مايو 2018
من مظاهرات الأول من أيار (تويتر)
+ الخط -



يحتفل العالم بعيد العمال العالمي، الذي تكرس عبر التاريخ الحديث في الأول من مايو/أيار، ويتظاهر العمال في مختلف المدن الكبرى للمطالبة بتحسين ظروف وشروط عملهم، التي تبقى محل نزاع بينهم وبين أرباب العمل من الحكومات أو القطاع الخاص.

3.451 مليارات شخص هم العمال المعنيون اليوم بالمناسبة، يمثلون حجم القوة العاملة في العالم وفق تقديرات البنك الدولي لعام 2017.

132 عاماً وأكثر والعمال يدركون أن حقوقهم تنتزع انتزاعاً لتكريسها في قوانين تحميهم. وإن كانت المواجهات والقمع هي أسلوب تعامل السلطات مع العمال في أكثر من مكان في العالم، فإن المظاهرات السلمية والإضرابات والاعتصامات تحقق بعض النتائج لصالح العمال في دول أخرى.

اليوم لم تعد الكتلة العمالية واحدة، صنفت قطاعات وفئات، وتشعبت مع مطالبها. لكن تجمعهم وحدة المطالب من ساعات العمل، والتأمين الصحي، والتعويضات، والأمن والسلامة، وتحسين الأجور وغيرها الكثير. 

 

تاريخ يوم العمال العالمي

انطلاقة عيد العمال في الأول من مايو يعود تاريخها إلى عام 1886 في هايماركت في شيكاغو. وما حصل في ذلك التاريخ في ولاية إيلينوي والولايات المتحدة، لم ينحصر تأثيره على العمال في أميركا بل امتد إلى أنحاء العالم. وما حصل في المسيرة العمالية يوم 4 مايو 1886 في هايماركت، ليس إلا نتيجة لمسار نضالي بدأه العمال في صيف عام 1884 عندما دعا اتحاد النقابات العمالية، إلى جعل ساعات العمل اليومية ثماني ساعات فقط، وطالب بزيادة الرواتب ووضع قيود على تشغيل الأطفال.

وبعد عامين من التخطيط، أرسلت الحركة العمالية المنظمة في شيكاغو وجميع أنحاء ولاية إيلينوي استبيانات إلى أصحاب العمل لمعرفة موقفهم بشأن تقليل ساعات العمل والقضايا الأخرى، بما في ذلك عمل الأطفال.

وكان من أبرز منظمي المظاهرات التي انطلقت في الأول من مايو 1886، كانا لوسي وألبرت بارسونز. ولدت لوسي في ولاية تكساس في عام 1853 تقريبًا، من أصول أفريقية ومكسيكية. عملت في مكتب فريدمان بعد الحرب الأهلية. بعد زواجها من ألبرت، انتقلت إلى شيكاغو حيث حولت انتباهها إلى كتابة وتنظيم النساء العاملات في الخياطة. كان ألبرت عاملاً في مطبعة، ومحررًا لورقة العمل The Alarm، وأحد مؤسسي جمعية شيكاغو للتجارة والعمل.


بعد انتهاء مظاهرة هايماركت العمالية التي شارك فيها نحو 80 ألف عامل، ولم يبق سوى 200 شخص فقط عندما تعرضوا لهجوم من جانب 176 من رجال الشرطة مدججين بالسلاح. وألقى شخص مجهول أول قنبلة ديناميت تستخدم في تاريخ الولايات المتحدة في زمن السلم. أصيبت الشرطة بالذعر، بعد مقتل سبعة عناصر منهم، إلى جانب أربعة عمال.

في اليوم التالي أعلنت الأحكام العرفية، ليس في شيكاغو فقط بل في جميع أنحاء البلاد. واستخدمت الحكومات المناهضة للعمالة في جميع أنحاء العالم حادث شيكاغو لسحق الحركات النقابية المحلية.


وفي شيكاغو ألقي القبض على قادة العمال، واقتحمت الشرطة المنازل دون مذكرات تفتيش، وأغلقت الصحف النقابية كافة. في نهاية المطاف أخضع ثمانية رجال من الحركة العمالية للمحاكمة، وكان من بينهم بارسونز ونجار صغير يدعى لويس لينج، الذي اتهم بإلقاء القنبلة، رغم إثباته أنه لم يكن في مكان الانفجار.

وتصنف المحاكمة التي استمرت شهرين كأحد أشهر الأحداث في تاريخ الولايات المتحدة. حتى أن صحيفة "شيكاغو تريبيون" عرضت دفع أموال لهيئة المحلفين إذا اتفقوا على أن الرجال الثمانية مذنبون.


في 20 أغسطس/آب 1886، أصدرت هيئة المحلفين حكمها بالإعدام شنقا على سبعة، وحكم على المتهم الثامن بالسجن 15 عامًا مع الأشغال الشاقة. لكن الضغط الوطني والعالمي أجبر الحاكم أخيراً على تغيير بعض الأحكام. لكن لويس لينغ وجد مقطوع الرأس في زنزانته، وشنق كل من أدولف فيشر وجورج إنجل وألبرت بارسونز وأوغس سبايز في 11 نوفمبر 1887. وفي يونيو 1893، أصدر الحاكم جون بي. ألغولد عفوا عن الثلاثة الذين ما زالوا أحياء، وأدانوا النظام القضائي بأكمله الذي سمح بهذا الظلم.



يوم الأحد، 2 مايو 1886، ذهب ألبرت بارسونز (قبل اعتقاله) إلى أوهايو لتنظيم مسيرات هناك، في حين نظمت زوجته لوسي وآخرون مسيرة سلمية أخرى لنحو 35 ألف عامل. ولكن يوم الاثنين، 3 مايو، تحول المشهد السلمي إلى عنف عندما هاجمت شرطة شيكاغو المتظاهرين، وقتلت عمالاً معتصمين في مصنع ماكورميك ريبر في غربي بلو آيلاند أفينيوز. أثار هذا الهجوم المزيد من الاحتجاج وعقد على أثره اجتماعاً كان مخططاً له في ساحة هايماركت مساء 4 مايو.

القضايا الحقيقية في طرحت في اجتماع هايماركت لم تقتصر على المطالبة بتقليص ساعات العمل، كما يحاول التاريخ أن يقزّم المطالب ويفرغها من مضمونها الحقيقي، وإنما تركز الاجتماع على جملة قضايا منها حرية التعبير، وحرية الصحافة، والحق في التجمع الحر، والحق في محاكمة عادلة للنقابيين، وحق العمال في التنظيم والقتال من أجل مطالبهم ومنها العمل ثماني ساعات يومياً.



أخذت قضية هايماركت البعد العالمي في يوليو 1889، في المؤتمر الأول للأممية الاشتراكية في العاصمة الفرنسية باريس عندما أوصى مندوب من الاتحاد الأميركي للعمل في مؤتمر عمالي في باريس بتخصيص يوم الأول من مايو يوماً عالمياً للعمال، في ذكرى شهداء هايماركت والظلم الذي وقع في قضية هايماركت.

ويقول وليام أدلمان، النقابي والأكاديمي الأميركي الذي توفي عام 2009، أن مساعي كثيرة بذلت لكشف حقيقة ما حصل في هايماركت، التي كانت تسميها السلطات الأميركية "شغب هايماركت" وتشوه أحداثها وتسيء للعمال، في حين أنها في الحقيقة "ملحمة شهداء مايو".


ويعتبر أدلمان، وهو من مؤسسي "جمعية تاريخ العمل" في إلينوي، والذي أخذ على عاتقه مهمة تصحيح الصورة المتناقلة عن تلك الحقبة العمالية النضالية خلال ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، أن تاريخ الأول من أيار نُسب خطأ للثورة الروسية والشيوعيين، في حين أن الاتحاد السوفييتي أطلق احتفالات الأول من أيار رسمياً في عام 1960.


في عام 1904 وجهت دعوة لـ"جميع منظمات الحزب الديمقراطي الاجتماعي والنقابات العمالية في جميع البلدان للتظاهر بقوة في الأول من مايو للمطالبة بتكريس 8 ساعات عمل يومياً ضمن قوانين العمل".

ثم أصبح إلزامياً لجميع المنظمات البروليتارية في جميع أنحاء العالم لوقف العمل في 1 مايو.

المساهمون