العرس الذي تحوّل مأتماً في محافظة حجة اليمنية

26 ابريل 2018
ناج من القصف (عيسى أحمد/ فرانس برس)
+ الخط -
كان يفترض أن يكون عرساً فقط. إلا أن ما شهدته منطقة الراقة في محافظة حجة اليمنية كان موجعاً، بعدما حوّل قصف بالطائرات العرس إلى مأتم سقط فيه ضحايا. هكذا لا يمكن لليمنيين سرقة بضع ساعات من الفرح في ظل الحرب

"لا أصدّق أنني ما زلت بخير حتى الآن. كُتب لي عمر جديد". هذا ما يقوله عمر علي المصابي (50 عاماً)، هو الذي كان موجوداً في منطقة الراقة في مديرية بني قيس التابعة لمحافظة حجة، شمال غرب اليمن، مساء الأحد الماضي. كان أهالي الراقة يحاولون سرقة لحظات من الفرح على الرغم من الحرب، ويشاركون في عرس أحد الأهالي، قبل أن تقصفهم طائرات التحالف العربي ويتحول العرس إلى مأتم، قتل فيه 21 شخصاً وجرح 53 آخرون.

يقول عمر لـ"العربي الجديد": "كنا نغني ونصفق. لكن سرعان ما تغيّر المشهد، وبات عبارة عن صراخ وبكاء وظلام دامس وغبار، نتيجة القصف. تطايرت أشلاء بعض الموجودين في المكان". يضيف أنّ ستة من أفراد أسرته مصابون بجروح مختلفة ويرقدون في المستشفى الجمهوري في حجة.

يتابع عمر: "رأيت أشلاء بعض الجيران والمدعوين إلى العرس، وشاهدت آخرين يموتون أمام عيني. كانت الفاجعة كبيرة ومصيبة حلت علينا في يوم يفترض أن يفرح فيه أبناء القرية، لكنه انقلب إلى حزن ومأساة". ويلفت إلى أن الأهالي "جمعوا أشلاء الضحايا التي تطايرت، ودفنوها في قبر جماعي".

أما حسن علي، فيقول لـ"العربي الجديد": "كنت في مكان العرس لأنني أحد المدعوين. فجأة، سمعنا انفجارين شديدين، وما هي إلا ثوان معدودة حتى رأينا مشهداً مرعباً. وبدأ الجميع يصرخ، كباراً وصغاراً، وكنا نسمع أنين الجرحى، ونرى دخاناً كثيفاً، وكان البعض يركض مسرعاً بعيداً عن المكان". ويشير إلى أنّه شعر بالصدمة حين اقترب من المكان ورأى أن العرس تحوّل إلى محرقة، بعدما قصفته الطائرات وحولت المكان إلى ركام. "كنت أسمع صرخات الاستغاثة".



ويحكي ناج آخرَ قصة الطفل سميح الذي فقد والده وأشقاءه وأعمامه في القصف. يقول: "هرعنا إلى المكان بعد القصف، ووجدنا سميح وقد تشبث بجثة والده ورفض انتشالها. كان يصرخ في وجه المسعفين الذين حاولوا إبعاده عن جثة والده "والله ما أفلته، والله ما أفلته (لا أتركه)". يضيف: "والد الطفل، وهو من فئة المهمشين، أوكلت إليه مهمة طهي الطعام وتقديم بعض الخدمات للضيوف، إضافة إلى ضرب الدف، وكان ضمن القتلى. بعدها، جاء الطفل يبحث عن والده، فوجده مضرجاً بالدماء. حاول أن يتشبث به، في مشهد مؤلم يوحي بفظاعة الحادثة التي هزت المنطقة بأكملها". ويشير إلى أن الطفل وآخرين كانوا بعيدين عن مكان العرس أثناء القصف، وقد كتبت لهم النجاة. لكن الصدمة كانت كبيرة حين رأوا الجثث المرمية على الأرض.

لم تتمكّن بعض فرق الإنقاذ من الوصول إلى مكان القصف حتى فجر اليوم التالي. إذ إنّ بُعد القرية عن مركز المحافظة، وتحليق الطائرات، جعل من مهمة فرق الإنقاذ صعبة، خصوصاً أن القرية خالية من المراكز الصحية. ويقول مصدر في مستشفى عبس إن حالات المصابين الذين وصلوا إلى المستشفى، وبينهم أطفال، كانت حرجة بسبب التأخر في إسعافهم ونقلهم من مكان الحادث. يضيف أنّ المستشفى عالج بعض الحالات، وحوّل تلك الخطيرة إلى المستشفى الجمهوري في مدينة حجة.

من جهته، يؤكد مدير مكتب الصحة في المحافظة، أيمن مذكور، لـ"العربي الجديد"، أن 21 قتيلاً و57 جريحاً سقطوا في غارتين لطيران التحالف، استهدفت حفل عرس في منطقة الراقة التابعة لمديرية بني قيس في حجة، شمال غرب اليمن، مشيراً إلى أن الضحايا، وبينهم أطفال، نقلوا إلى المستشفى الجمهوري، وأدخل سبعة مصابين إلى العناية المركزة وحالاتهم خطيرة. ويلفت إلى أن الوضع الصحي للضحايا دفع إدارة المستشفى والسلطات الصحية في المحافظة لإعلان حالة الطوارئ.



إلى ذلك، أعربت فرنسا عن أسفها الشديد بعد مقتل أكثر من ثلاثين شخصاً وإصابة العديد من الأشخاص. وقال نائب الناطقة الرسمية باسم الخارجية الفرنسية، ألكسندر جيورجيني، في بيان رسمي، إن فرنسا تأسف للحصيلة الكبيرة للضحايا نتيجة قصف في منطقة حجة، شمال غرب صنعاء. وأشار إلى أن فرنسا تدعو جميع الأطراف إلى "احترام القانون الدولي الإنساني الذي يمنع الأعمال العسكرية التي تستهدف المدنيين والبنى التحتية المدنية، والذي يفرض على الأطراف اتخاذ كل الاحتياطات اللازمة في هذا الشأن".

ويعد قصف التحالف حفل زفاف بني قيس في محافظة حجة السابع ضمن غارات استهدفت أعراساً عدة في اليمن، أبرزها قصف عرس في قرية الواحجة في المخا، وقصف عرس في سنبان في محافظة ذمار، وعرس في اليتمة في محافظة الجوف، وعرس في السواد في صنعاء، وقصف نساء يحتفلن بعرس في حريب القراميش، إضافة إلى قصف سيارة فيها عروسين في نهم في محافظة صنعاء، وفقاً لما ذكرته مصادر تابعة لجماعة أنصار الله (الحوثيين).