تعدّ الألغام المنتشرة في أحياء بنغازي في ليبيا مشكلة كبيرة تهدّد حياة الأهالي. وقد اضطرّ بعض النازحين الذين عادوا إلى أحيائهم للمغادرة مجدداً، بعد سقوط ضحايا. واللافت أن المدنيين يشاركون في نزع الألغام.
197 قتيلاً بين مدنيّين وعسكريّين هي حصيلة ضحايا الألغام في بنغازي خلال العام الماضي، بحسب مديرية أمن بنغازي. ويقول آمر كتيبة الهندسة العسكرية في المدينة، عبد السلام المسماري، إنّ 170 منهم مدنيون سقطوا من جراء انفجار الألغام المنتشرة في المنازل والأحياء والساحات العامة.
ويوضح المسماري أن الربع الأول من العام الجاري شارف على الانتهاء، ونتوقع أن يكون إجمالي قتلى الألغام 17 خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة، مضيفاً لـ"العربي الجديد"، أن "النداءات المتكررة للجهات الأمنية وكتيبة الهندسة التي تحاول منع الأهالي من العودة إلى أحيائهم المحررة أخيراً قبل تمشيطها، لم تلق قبولاً في الأغلب من الناس، ما تسبب في ارتفاع مضطرد في الإصابات والوفيات". ويتابع أن "أحياء القوراشة وسوق الحوت والصابري ووسط البلاد كلّها غير آمنة. وما زالت مخلفات الحرب التي لم تنته إلا أخيراً منتشرة بشكل كبير، في مقابل إمكانيات كتيبة الهندسة الضعيفة، التي تكاد تعمل بجهود ذاتية".
ولا يُخفي أحد سكان الصابري، خالد البركي، انزعاجه من قرارات السياسيين "الذين يُتاجرون بمآسينا". ويقول: "نزحنا بسبب الحرب التي حوّلت أحياءنا إلى ساحات قتال. فجأة، أعلنوا السيطرة على المناطق وطلب من العسكريين والمقاتلين الاحتفال، لكنّنا اكتشفنا أن الموت في انتظارنا". ويقول إن "عدداً كبيراً من شباب الأحياء المتطوعين يعملون في فرق نزع الألغام".
وعن عدد الأسر التي ما زالت نازحة، يقول مسؤول في لجنة الأزمة في بلدية بنغازي، طلب عدم الكشف عن اسمه، إن عددها 14 ألف أسرة. يضيف لـ"العربي الجديد"، أن "لجنة الأزمة ما زالت تقدم إعانات مادية وصحية وغيرها لنحو 200 أسرة أصرت على الدخول إلى الأحياء في مناسبات متفرقة. إلا أن وقوع إصابات ووفيات نتيجة انفجار الألغام أرغم الغالبية على العودة إلى مقار النازحين". يتابع أن بعض الأسر ما زالت تتردد على الأحياء لتفقد منازلها أو لمعرفة موعد العودة، ما يؤدي إلى استمرار الإصابات والوفيات .
وفي الثاني والعشرين من فبراير/ شباط الماضي، أعلن مستشفى الجلاء في المدينة عن إصابة مدنيَين من جراء انفجار لغم أثناء جمعهما معادن قرب عمارة السفينة في منطقة وسط البلاد. وعن جهود كتيبة الهندسة العسكرية، الجهة المكلفة بتفكيك الألغام والمفخخات، يقول المسماري: "نعمل بجهود تكاد تكون ذاتية، وفقدنا منذ عام 2016 وحتى اليوم أكثر من 50 عنصراً من الكتيبة، منهم 27 خلال العام الماضي. وهناك أكثر من ستين مصاباً من عناصر الكتيبة".
ويؤكد المسماري أن بعض عناصر الكتيبة متطوعون، إذ تم إحياؤها من العدم. يضيف: "لم يبق من الكتيبة غير الاسم خلال سنوات الثورة الأولى. صحيح أن بعض عناصرها من ذوي الخبرة، لكن اتساع رقعة المناطق التي تنتشر فيها الألغام أرغمنا على القبول بمدنيين خضعوا لدورات في هذا المجال". ويشير إلى أن تمشيط أحياء الصابري والقوارشة ووسط البلاد اقتصر على ما نسبته 30 في المائة.
ويتابع المسماري: "وجهنا نداءات إلى المنظمات الدولية، وقد زارنا العشرات، لكنها لم تقدم شيئاً باستثناء حقائب وصلت من إحدى الدول الأوروبية. واكتشفنا أن معدات كثيرة غير متوفرة". ويوضح أن إحدى المنظمات الدولية قدمت خدمة إلكترونية عبر الهواتف الذكية، يصور من خلالها المواطن اللغم أو القنبلة، ويرسل الصورة بهدف تحديد مكان اللغم. إلا أن شبكة الإنترنت ضعيفة".
من جهته، يقول الناشط المدني من بنغازي، حميد الغندور، إنه وعدد من ناشطي مؤسسات المجتمع المدني حاولوا تنظيم ندوات وحملات توعية عن مخاطر الألغام، وشرح كيفية التعامل معها في حال العثور عليها. ويتحدّث لـ"العربي الجديد"، عن معاناة الأهالي الذين اضطر بعضهم إلى الدفع بأبنائهم للمشاركة في نزع الألغام، قائلاً إن عائلات شاركت في نزع الألغام، "هؤلاء قرروا عدم انتظار الدولة، إذ إنهم يرغبون في العودة إلى منازلهم". ويشير إلى زيادة معاناة هذه العائلات، "بسبب تعرّض بعض أبنائها لإصابات خطيرة، وكانت النتيجة بتر أطرافهم".
ويؤكّد الغندور أن غالبية المصابين من هؤلاء الشباب وأفراد كتيبة الهندسة لم تتوفر لهم فرص العلاج في الخارج، لا سيما فاقدي الأطراف، لافتاً إلى أن معاناتهم مستمرة، بعيداً عن اهتمام الرأي العام والسلطات. ويفيد الغندور بأن حملات التوعية التي أطلقوها كانت تركز على أشكال الألغام التي لا تكون شبيهة بأشكال قنابل مألوفة. يضيف: "هناك مسميات محلية تعارف عليها الناس، منها لغم خيط الحرير ولغم المسطرة. لكنّ هناك ألغاماً أخرى تشبه في شكلها مواسير المياه البلاستيكية، منها ما هو مصنّع يدوياً". يضيف أن "بعض أنواع الألغام يمكنه تحمل الحرارة والرطوبة والمياه، لكنه ينفجر مع أول حركة".
ويرى الغندور أن "المشكلة معقدة. الأهالي مرغمون على العودة بسبب سوء أحوالهم كنازحين. من جهة أخرى، كتيبة الهندسة لا تملك القدرة على مواجهة هذا الخطر وتجنيب المواطن ويلاته، بسبب اتساع رقعة المناطق المفخخة وتنوع أشكال الألغام، في ظل إمكانيات محدودة جداً. وفي مراحل سابقة، كان اللغم يفكّك بواسطة كماشة ومفك وينقل في ظروف سيئة جداً إلى مقرات بعيداً عن المدينة".