يبدو أنه سبعيني، نحيل الجسد، حفر الزمن في وجهه أخاديد عميقة، يركب دراجة هوائية ويجرّ خلفها عربة بدولابين صغيرين. يحمل عليها فراشاً وبطانية وحصيرة قديمة وكيسين أحدهما فيه بعض الملابس وآخر يحوي أواني منزلية، وإلى جانبه عبوة بلاستيكية يبدو أنه يستخدمها للماء. إنه الحاج أبو محمد، النازح من إحدى بلدات شرقي الغوطة.
قال وهو على عجلة من أمره، لـ"العربي الجديد": "دُمر البيت واحترق الشجر، وين حقوق الإنسان التي يتحدثون عنها، والأمم المتحدة تشوف حالتنا"، مضيفا "والله لا أدري إلى أين أذهب، تعبت من هذه الحياة، موت ونزوح وجوع، والله أخاف إن مت أن لا أجد من يدفنني".
الحاج أبو محمد ليس الوحيد القادم من مناطق الاشتباك وتلك التي تتقدم فيها القوات النظامية في الغوطة الشرقية، بل تبدو واضحة حركة النزوح الكبيرة. من النازحين من يحمل بعض الأغراض على كتفيه، ومنهم من يضعها على عربة يجرها شخص أو دابة، وآخرون يستقلون شاحنات صغيرة محلية الصنع، وقلة من يأتون مستقلين سيارات، لأن الأهالي يواجهون صعوبات كبيرة في تأمين الوقود، الذي إن توفر فأسعاره مرتفعة.
وأضاف "كانت الصعوبة الأخرى أن نجد قبواً فيه متسع لنلجأ إليه، أول يوم نمنا في منزل شبه مدمر. وفي اليوم التالي، دلّنا أحد الأهالي على قبو قريب منا، عندما ذهبنا إليه كانت فيه أربع عائلات، تعاطفوا معنا وأعطونا حيزا فرشناه بما جلبناه معنا من بطانيات، وتقاسمنا معهم بعض الحشائش التي استطعنا جلبها معنا من الأرض". وأشار إلى أن "القبو يقع تحت بناء مدمر جزئياً، الرمل والأتربة تغطي أرضه، ولا توجد فيه مرافق خدمية أو إنارة".
وكان أبو شوكت أكثر حظا من ابن بلدته أبو شاهين، الذي لم يجد بعد قبوا يحتمي به، فلجأ إلى منزل بلا أبواب أو شبابيك وبعض جدرانه مدمرة. حاول أبو شاهين أن يستصلح منه غرفة ريثما يجد قبواً يلجأ إليه، وقال: "يبقى القبو تحت الأرض أكثر أمانا، لكن الله أعلم بالوضع، خرجنا من منزلنا تحت القصف، لم نجلب معنا الكثير من احتياجاتنا، وأحاول تأمين ما يؤكل، فمنذ الأمس لم نتناول سوى الماء".
وقال عضو مجلس مدينة دوما مصعب بدران، في حديث مع "العربي الجديد": "نعمل على إحصاء عدد النازحين إلى مدينة دوما، كما نحاول ضمن الإمكانات المتاحة تقديم المساعدة لهم، وهناك مراكز إيواء تم تفعيلها لاستقبال النازحين".
يشار إلى أن تقارير إعلامية محلية تشير إلى أن عدد النازحين من المناطق القريبة من خطوط الاشتباك يراوح بين 7 إلى 10 آلاف شخص، في ظل ظروف إنسانية صعبة، في حين أن هناك حركة نزوح داخلية ضمن المدن جراء تركيز القصف على مناطق أكثر من مناطق أخرى.