الحكم بالصلب عقوبة لا شكّ في أنّها تثير الاستغراب بين الناس في القرن الواحد والعشرين، غير أنّها ما زالت قائمة في السودان وإن في حالات نادرة. ويُعاد اليوم طرح الموضوع في البلاد.
تحاول المستشارة القانونية في وزارة العدل السودانية، مناهل جعفر، إنقاذ محمد إسحق آدم أحد المتمرّدين السودانيين من حبل المشنقة ومن الصلب، بعدما أصدرت محكمة في الخرطوم في حقّه حكماً بالإعدام شنقاً حتى الموت مع الصلب، في 22 يناير/ كانون الثاني الماضي.
وجعفر التي كُلّفت، من قبل إدارة العون القانوني في الوزارة، تمثيل الدفاع بعد فشل المتهم في تكليف محام، كانت قد أودعت المحكمة العليا في الخرطوم طعناً بقرار محكمة الموضوع التي أصدرت الحكم المثير للجدل، خلال الأيام الأخيرة. وهي تأمل بالحصول على حكم بالبراءة كاحتمال أوّل، أو إدانة مع السجن كاحتمال ثان، أو الإبقاء على حكم الإعدام من دون صلب كاحتمال ثالث.
وكان محمد إسحق آدم، البالغ من العمر 30 عاماً، قد شغل منصب نائب رئيس حركة مسلحة، نشطت في دارفور وفي ولاية غرب كردفان، قبل أن يُقبض عليه قبل نحو ثلاثة أعوام بواسطة قوات الدعم السريع. وبعد تقديمه للمحاكمة، أدانه القاضي عابدين حمد ضاحي بقيادة تنظيم مسلح والهجوم على حقل نفطي غربي البلاد مع مجموعة مؤلفة من نحو 50 فرداً، والتورّط خلال الهجوم في قتل أربعة أعضاء في جهاز الأمن الوطني، ونهب سيارة تحمل أسلحة، واختطاف جزائريّين اثنَين وصينيَين اثنَين يعملون في الحقل النفطي وطلب فدية مالية في مقابل إطلاق سراحهم، فضلاً عن قطع الطريق أمام سيارة تابعة لشركة النيل للبترول ونهبها، وكذلك تعذيب أحد الأشخاص حتى الموت ورمي جثته في العراء.
قبل إصدار العقوبة، طلبت هيئة الاتهام من المحكمة إنزال أشد العقوبات على المدان لأنّه - بحسب قولها - يتبع حركة مسلحة هدّدت أمن المواطنين واستقرارهم ونهبت ممتلكاتهم، مشيرة إلى أنّ المدان ومَن معه تجرّدوا من إنسانيتهم إذ إنّهم عذّبوا شخصاً حتى لفظ أنفاسه الأخيرة تحت وطأة التعذيب. وقد جاء في مرافعتها الختامية، إنّ قيام المتهم بأسْر مهندسين أجانب يعملون في الحقل النفطي ومعهم سودانيون وطلب فدية مقابل إطلاق سراحهم، أمر يضرّ بسمعة البلاد دولياً ومحلياً. من هنا، جاء حكم القاضي بالإعدام شنقاً حتى الموت والصلب بموجب المادة 27 من القانون الجنائي السوداني. يُذكر أنّ المادة نفسها لم تجز الحكم بالإعدام مع الصلب إلا في حالة جرائم الحرابة، وهو الاستثناء الذي استندت إليه المحكمة بحسب ما يبدو في حكمها بالصلب، إذ اعتبرت أنّ الجرائم التي نفذها المتهم تقع في إطار جرائم الحرابة. يُذكر أنّ الحرابة التي كانت منتشرة في شبه الجزيرة العربية، تعني قطع الطريق للسرقة والنهب وتترافق مع قتل وسفك الدماء وسبي النساء وجرائم أخرى.
ويُعدّ الحكم بالصلب نادراً في المحاكم السودانية. وحتى عند إصداره من محكمة ابتدائية، فإنّه يُلغى في الغالب في مرحلة لاحقة، عبر الطعن إمّا لدى محكمة الاستئناف أو المحكمة العليا، مثلما حدث في أحكام الإعدام والصلب الأخيرة التي صدرت في العام الماضي في حقّ 14 شخصاً أدينوا على خلفية نزاع قبلي في وسط السودان. فقد ألغت محكمة الاستئناف عقوبة الإعدام بالنسبة إلى عدد منهم، في حين ألغت عقوبة الصلب عن جميعهم.
تجدر الإشارة إلى أنّ قضية تنفيذ الإعدام والصلب في حق شاب يدعى الواثق صباح الخير في عهد الرئيس الأسبق، جعفر محمد النميري، هي الأشهر من بين كلّ القضايا، إذ تُعَدّ الأولى في تاريخ الصلب في السودان. وكان صباح الخير قد أدين بتهمة الحرابة وهو في الثانية والعشرين من عمره، على خلفية جرائم ارتكبها داخل العاصمة الخرطوم. وقضيته ما زالت حتى اليوم محلّ نقاش، مع انتقاد للمحاكمة التي جرت في ظل قانون الطوارئ الذي أصدره النميري في عام 1984.
وتفيد السلطات العدلية في السودان، أنّ حالات تطبيق مجمل أحكام الحدود الواردة في الشريعة الإسلامية بما فيها عقوبة الصلب، نادرة جداً. وهي تعيد ذلك إلى أنّ القضاة يدرأون الحدود بالشبهات وتُترَك الخيارات للقاضي حتى يطبّق ما يراه مناسباً من عقوبات وفقاً لطبيعية الجريمة.
في السياق، فإنّ مجرّد إدراج عقوبة الصلب من ضمن مواد القانون الجنائي، لا يلقى توافقاً بين فقهاء الدين والقانون. ويقول المحامي علي محمود حسنين لـ"العربي الجديد" إنّ "إقحام مادة الصلب باعتبارها من الدين الإسلامي خطأ كبير ومخالف للشريعة الإسلامية نفسها"، مشيراً إلى أنّ "ذلك الخطأ وقع فيه نظام النميري ومن بعده النظام الحالي". ويبيّن حسنين أنّ "الآية القرآنية التي يرد فيها الصلب تتضمّن أكثر من خيار، إمّا الإعدام أو السجن أو صلب المدان من دون إعدامه"، مشدداً على أنّ "الصلب بعد الموت يُعدّ تمثيلاً بالجثّة، وهو أمر في حدّ ذاته منهيّ عنه في الإسلام". يضيف أنّ "الذين يفعلون ذلك يقتدون بالحجاج بن يوسف الثقفي في التاريخ البعيد وبجعفر النميري في التاريخ الحديث".
ويوضح حسنين أنّ "القانون الجنائي السوداني ينطوي على مفهوم خاطئ للحرابة التي يُصار إلى إصدار أحكام الإعدام على خلفيتها"، مؤكداً أنّ "ما يحدث اليوم ليس حرابة بل شكل من أشكال النهب المسلح بحسب أوّل قانون سوداني صدر في عام 1925".
من جهته، يقول الأمين العام لهيئة علماء السودان، الدكتور إبراهيم الكاروري، لـ"العربي الجديد"، إنّ "الحكم بعقوبة الصلب جزء أصيل من الشريعة الإسلامية مثلما ورد في القرآن الكريم"، مشيراً إلى أنّ "ثمّة خيارات عدّة أمام القاضي يُقدّر ما يراه مناسباً منها، بموجب البينات وطبيعة الجُرم وتأثيره على أمن الناس". ويؤكد الكاروري أنّ "خيار الصلب، عندما يختاره القاضي، سوف يكون عبرة للآخرين. والذين يعترضون على ذلك من منطلقات إنسانية ليسوا أكثر رحمة من الخالق بعباده الذي حدد تلك العقوبات". ويسخر الكاروري من "اعتراض ما يسمّى بالمجتمع الدولي والمنظمات الدولية على حدّ الصلب بحجّة أنّه عقوبة غير إنسانية"، مضيفاً أنّ "الدول التي تعترض على تلك العقوبات هي التي تقتل الآلاف في أنحاء كثيرة من العالم بدم بارد، ومن دون أن يطرف لها جفن على الرغم من تذرّعها بحقوق الإنسان".