حرق مبيتات المدارس في تونس

03 مارس 2018
تتوجهان إلى الصف (فتحي بلعيد/ فرانس برس)
+ الخط -

تتكرّر حوادث حرق مبيتات التلاميذ في معاهد ومدارس تونس. أكثر ما يُقلق المعنيّين أنّ معظمها لا يحصل نتيجة حوادث بل بفعل فاعل، وإن كانت نسبة الإهمال فيها كبيرة.

"حين وصلت إلى مبيت المعهد الثانوي حي الشباب في قفصة في الجنوب الغربي التونسي، وجدت أن أكثر من 90 في المائة من محتوياته قد أحرقت، حتّى أن أجزاء من السقف كانت متشقّقة وتكاد تسقط، كما أتلفت الأسرّة والأغطية وغيرها، ولم يبق منها إلا رماد. كان المشهد رهيباً ولا يمكن تصديقه، وقد أمضيت أيام دراستي في هذا المبيت. لم أتخيّل يوماً أن تأتي أياد عابثة وتحرقه، وكأنها تحاول استهداف المنظومة التربوية الحكومية في تونس". هذا ما يقوله عضو المكتب الجهوي لاتحاد الشغل في قفصة، علي عبد الله، لـ "العربي الجديد" ، مضيفاً أن مبيت حي الشباب في قفصة يضم 75 سريراً. ويشير إلى أنّ حرق مبيتات تلاميذ الابتدائي والثانوي تحوّل إلى ظاهرة غير مفهومة في تونس، خصوصاً بعدما وصل عدد المبيتات المستهدفة إلى أكثر من 6. ويدعو وزارة التربية إلى تحمل المسؤولية لحماية المؤسسات التربوية، ووضع كاميرات مراقبة أو حراس إضافيين، خصوصاً أن عمليات الحرق باتت ممنهجة.

يضيف عبد الله أن الكارثة ربّما تكون أكبر لو أُحرق المبيت في يوم آخر غير الأحد، اليوم الذي تغادر فيه غالبية التلاميذ إلى قراها، مؤكداً أن "في المعهد مبيتاً آخر للفتيات، ولحسن الحظ أن الحريق لم يصل إليه". ويلفت إلى أن "أول ما فكّرنا فيه بعد الحادثة هو تأمين أسرّة وفضاء جديد في المعهد لاستقبال التلاميذ، وقد حصل ذلك في وقت قياسي، بعدما تضافرت الجهود لتأمين مبيت للتلاميذ القادمين من مسافات بعيدة ومناطق معزولة".

وتُرجّح مصادر أمنيّة من الشرطة العدلية في منطقة الأمن الوطني في قفصة أن يكون حرق مبيت المعهد الثانوي في حي الشباب في مدينة قفصة بفعل فاعل، خصوصاً أن الحريق لم ينتج عن تماس كهربائي أو غير ذلك.

من جهته، يكشف كاتب عام نقابة التعليم الثانوي في سيدي بوزيد، جمال العبادي، لـ "العربي الجديد"، أنّه في بداية الأسبوع الجاري، أُحبطت عملية حرق مبيت المعهد الثانوي في مدينة بئر الحفي في سيدي بوزيد، موضحاً أن تلميذة مقيمة في المبيت دعت عدداً من زميلاتها إلى مشاركتها في حرق المبيت، مستعرضة سيناريو تماس كهربائي في الغرفة أو حرقه من خلال ولاعة، وقد جهزت صحفاً وكمية من الورق.

ويُبين العبادي أنّ إحدى التلميذات لم تستسغ الفكرة، وصارحت المسؤولة عن المعهد التي سارعت إلى إيقافها قبل إقدامها على فعلتها. وفي الوقت الحالي، هناك تحقيقات حول ملابسات التخطيط للحرق ومحاولة معرفة ما إذا كانت هناك جهات دفعتها إلى القيام بذلك أم لا، لافتاً إلى إحالتها على مجلس التأديب.

ولا تعدّ هذه المبيتات الوحيدة المستهدفة، فقد حُرق مبيت إعدادية أبو بكر القمودي في سيدي بوزيد، وأوقف تلميذ يبلغ من العمر 15 عاماً، بعد الاشتباه بقيامه بالحرق. ومثل التلميذ أمام المحكمة الابتدائية في الجهة مساء الثلاثاء، في انتظار استكمال التحقيقات. ويوضح الناطق الرسمي باسم المحكمة الابتدائية في سيدي بوزيد، ووكيل الجمهورية حسين الجربي، أن الشبهة تتجه حالياً نحو هذا التلميذ، وقد أكدت التحقيقات أنّ الحريق كان بفعل فاعل.


من جهته، يقول كاتب عام نقابة التعليم الثانوي، لسعد اليعقوبي، لـ "العربي الجديد"، إنّ الحرائق التي استهدفت مبيتات المدارس والثانويات تلت حادثة حرق مبيت تالة الذي أودى بحياة تلميذتين، مبيّناً أنّ هناك اليوم أكثر من سؤال حول حرق المبيتات، وقد طالبنا الحكومة ومجلس النواب ورئاسة الجمهورية فتح تحقيق قضائي محايد ومستقل، خصوصاً أن تقرير وزارة التربية في حادثة تالة لم يصدر بعد. ويوضح أن الاتجاه العام يؤكد أن غالبية الحرائق تحصل بفعل فاعل، مؤكداً أن هناك تحقيقاً قضائياً، ولا بد من مصارحة الشعب التونسي ومعرفة حقيقة هذه الحرائق والجرائم التي تستهدف مبيتات تونس، حتى يتحمل كل من أخطأ في حق التلاميذ والمؤسسات التربوية المسؤولية.

ويكشف أنّ النقابة عاينت مبيت تالة ومبيتات أخرى في بوحجلة وقفصة شهدت حرائق، وما لفت نظرها هو حجم الإهمال وغياب الصيانة، ما يؤكّد عدم توفّر أبسط مقومات الحماية في غالبية المبيتات التي أحرقت. ويرى أن وزارة التربية تتحمل المسؤولية لغياب الحد الأدنى من السلامة. ويبيّن أن هذه الحرائق ليست أمراً عادياً ولا يمكن أن تكون محض صدفة، لافتاً إلى أن أياد خططت لتلك الحوادث التي تكررت بشكل منظم. يضيف أنّه لا بد من الكشف عمن يقف وراءها، ومشيراً إلى أنهم سيدخلون كنقابات في إضراب عام في الشهر الجاري لأن وزارة التربية لم تبذل أي جهد في الإنصات إليهم، سواء في ما يتعلق بالوضع التربوي المتردي في عدد من المؤسسات وضعف ميزانياتها، أو تردي البنية الأساسية.


واكتفت الوزارة بإصدار بيان أدانت فيه تكرّر حوادث الحرق في المبيتات المدرسية، من دون تقديم أية توضيحات حول برامجها لحماية المؤسسات التربوية، لافتة إلى تسجيل ما لا يقل عن ست حوادث خلال الأسابيع الثلاثة الأخيرة، بدءاً من شهر فبراير/ شباط الماضي، في جهات القصرين وسليانة وسيدي بوزيد والقيروان وقفصة. أضافت أنها في صدد التنسيق التام مع مصالح وزارتي العدل والداخلية، والسلطات الجهوية لتحديد المسؤوليات، والتحقيق في ملابسات اندلاع هذه الحرائق، فضلاً عن اتخاذ التدابير الكفيلة لتأمين مبيتات وتعزيز شروط السلامة بها وتشكيل خلايا أزمة للمتابعة والوقاية من تكرر حدوثها. وتؤكد أنها تحتفظ بحقها كاملاً في التتبع الجزائي والقانوني لكل من يثبت تورطه في الضلوع في ارتكاب هذه الجرائم.
دلالات