مواشي تونس تُسرق نهاراً

03 فبراير 2018
مربو الماشية في تونس 274 ألفاً (العربي الجديد)
+ الخط -
بعد يومَين فقط من المصادقة على قانون يحكم قضايا السرقات المتعلقة بالمحاصيل والآلات والمعدات الزراعية والمواشي، تعرّض سعيد بن صالح إلى عملية سرقة طاولت مواشيه من ضيعته الزراعية في الروحية الواقعة في محافظة سليانة، فخسر 15 رأس غنم. وقد عجز سعيد عن حماية ممتلكاته بحسب ما يقول "على الرغم من أنّني تنبّهت في ساعة متأخرة من الليل إلى عملية السرقة. فأنا لا أملك وسيلة للدفاع عن نفسي، خصوصاً أنّ عمليات السرقة تلك تقوم بها عصابات تكون غالباً مسلحة".

هذه ليست المرّة الأولى التي يتعرّض سعيد فيها إلى السرقة، علماً أنّه لم يسترجع في أيّ مرّة ما سُرق منه. ويشرح أنّه "في الغالب، لا يمكن القبض على السارقين الذين يمرّون في مسالك زراعية وجبلية بعيداً عن مواقع تمركز الوحدات الأمنية. كذلك، فإنّ هؤلاء يبيعون ما سرقوه في مناطق غير تلك التي وقعت فيها عملية السرقة أو يهرّبونها إلى الجزائر".

وكان البرلمان التونسي قد صادق خلال الأسبوع الماضي على قانون يتعلّق بمعاقبة مرتكبي السرقات التي تطاول القطاع الفلاحي، وتشمل كل ما يتعلق بالأنشطة الزراعية على غرار الجرارات والشاحنات المخصصة لنقل المنتجات وآلات الري والمولدات ومضخات المياه، بالإضافة إلى سرقة المحاصيل والمواشي. والأخيرة بحسب هذا القانون الخيل والإبل والأبقار والأغنام والماعز. ووفقاً للقانون المقرّ "يعاقب بالسجن لمدة 10 سنوات كل من يتولى سرقة الآلات المذكورة. ويعاقب بالعقوبة نفسها كل من يتولى سرقة المواشي سواء انفردت أو تعددت. كما لا يمنع هذا القانون من تطبيق أحكام المجلة الجزائية المتعلقة بظروف التشديد". يُذكر أنّ القانون القديم كان ينصّ على إطلاق سراح السارق بعد انقضاء مدّة ستّة أو ثمانية أشهر فقط.


وسرقة المواشي لم تعد حدثاً عابراً بل ظاهرة طاولت كل الأرياف التونسية. وبحسب آخر بيانات وزارة الداخلية، فإنّ الشكاوى المتعلقة بسرقات المواشي بلغت 1876 شكوى في عام 2016، ونحو 778 شكوى في النصف الأوّل من عام 2017. من جهتها، لطالما نبّهت المنظمات الزراعية إلى الخطر الذي بات يهدد قطاع تربية الماشية والفلاحين، وما يتعرّض له هؤلاء من اعتداءات مستمرة من قبل تلك العصابات التي تنفذ عمليات سرقتها حتى في وضح النهار.

إلى ذلك، أعلنت فرق الأبحاث والتفتيش والأجهزة الأمنية في البلاد عن إحباط عمليات سرقة ليلية لا تُستثنى منها ضيعة أو منطقة، بالإضافة إلى القبض على عصابة متخصصة في سرقة المواشي في جهات عدّة، خصوصاً في المناطق الداخلية والمناطق الحدودية، إذ يُصار إلى تهريبها إمّا إلى الجزائر أو إلى ليبيا. وعلى الرغم من تمكّن وحدات أمنيّة من القبض على عشرات عصابات سرقة المواشي في مناطق مختلفة في تونس، فإنّه ما زال من الصعب الكشف عن عصابات أخرى كثيرة.



وعمليات السرقة التي تتكرر أسبوعياً دفعت مئات الفلاحين إلى تنظيم وقفات احتجاجية في جهات عدّة في المناطق الداخلية وأمام الولايات للمطالبة بتوفير حماية أمنية لهم في كل المسالك الزراعية، لحماية محاصيلهم ومواشيهم بالأساس، لا سيّما بعد تسجيل إصابات طاولت بعضهم خلال محاولتهم التصدي للعصابات. يُذكر أنّ عدد مربي الماشية يبلغ بحسب بيانات وزارة الفلاحة 274 ألفاً، مع الإشارة إلى أنّ عددهم تراجع تدريجياً خلال السنوات الأخيرة.

في السياق نفسه، يوضح مدير وحدة الإنتاج الحيواني في اتحاد الفلاحين، منور الصغيري، لـ"العربي الجديد" أنّ "تلك السرقات أثرت على قطاع تربية الماشية، ما أدى إلى تراجع الاستثمار في القطاع بنسبة 7.3 في خلال خمسة أعوام". ويحذّر من "العزوف عن العمل الفلاحي مخافة السرقات وتكبّد الخسائر"، مشدداً على "أهمية القانون الذي جرت المصادقة عليه أخيراً". ويرى الصغيري "ضرورة توفير الرقابة اللازمة على عمل الدوريات الأمنية في مختلف المحافظات ودعمها بوسائل العمل اللازمة، بالإضافة إلى تمركزها في أغلب المسالك الزراعية".

على الرغم من القانون الجديد، فإنّ فلاحين كثيرين لا يرونه ناجعاً في غياب أيّ جهاز أمني تقضي مهمته بحماية المحاصيل الزراعية والمواشي، وينتشر بالأساس في المسالك الزراعية والجبلية. ويقول بشير وهو فلاح تعرّض للسرقة أكثر من أربع مرات، إنّ "القانون لن يفيد بشيء إذا لم يتوفّر جهاز أمني قوي مجنّد للتصدي لتلك العصابات مثلما يتوفّر جهاز أمني يتصدى للعناصر الإرهابية في الجبال". ويشير إلى أنّ "تركّز العناصر الأمنية في المسالك الرئيسية لا يعوّق عصابات السرقة التي تتبع مسالك صحراوية أو جبلية بعيداً عن تمركز الأمن".




من جهة أخرى، يرى بشير "ضرورة اعتماد الترقيم الإلكتروني للمواشي ومساعدة الفلاحين على توفير قاعدة بيانات دقيقة للمواشي، بالإضافة إلى اعتماد نظام تأمين ضد السرقات". إلى سرقة المواشي، تنشط عصابات في سرقة المحاصيل الزراعية من زيتون وقوارص (حمضيات) وتمور، وقد بلغ الأمر حد اقتلاع أشجار زيتون بكاملها. وقد كشفت جهات أمنية أخيراً تعمّد نحو 300 شخص مداهمة ضيعة زراعية في محافظة القصرين بالقرب من الحدود الجزائرية وجني كميات كبيرة من الزيتون. وهو الأمر الذي دفع فلاحين كثيرين إلى توظيف حراس لحماية محاصيلهم، على الرغم من إمكاناتهم المتواضعة.
دلالات
المساهمون