الطلاق يحرم أطفال تونس من آبائهم

18 فبراير 2018
ما زالت العائلة متماسكة (فتحي بلعيد/ فرانس برس)
+ الخط -
ليس سرّاً أن الطلاق يؤثّر على نفسية الأطفال بشكل أو بآخر، خصوصاً في حال حرم الأطفال من آبائهم أو أمهاتهم. وفي تونس، قد يعيش الأطفال من دون والد نتيجة الطلاق

لا يعرف باديس (17 عاماً) والده. والسبب هو طلاق والديه حين كان عمره عامين فقط. ومنذ ذلك الوقت، لم يلتق باديس والده، مؤكداً أن الأخير كان عاجزاً عن زيارته واصطحابه إلى منزله في العطل، في وقت رفضت والدته أي لقاء بينهما، حتى أنها هددت طليقها هو الذي كان يتوجب عليه دفع نحو 4 آلاف دولار لها، مخيرة إياه بين دفع المبلغ أو دخول السجن في حال طالب يوماً برؤية ابنه.

التلميذة أنس الجويني التي تستعد لامتحانات الباكالوريا هذا العام، تقول إنها تعرف والدها، على عكس باديس. يمرّ يومياً أمام منزلها كونه يقطن في الحيّ الذي تسكنه، إلا أنه لا يتحدث إليها. وتوضح لـ "العربي الجديد" أنها ضحية طلاق والديها عندما كانت جنيناً في بطن أمها. "إنه لأمر صعب أن يمر والدي من أمامي ولا يكلف نفسه عناء الحديث إلي"، مبينة أن الخلافات بينه وبين والدتها دفعته إلى التخلي عنها.

يتشارك باديس وأنس المعاناة، إلا أنهما ليسا الوحيدان، وقد أجبرت الظروف أطفالاً كثيرين على العيش من دون آباء، في ظل ارتفاع نسب الطلاق في تونس، واستخدام الأهل للأطفال وقوداً لخلافاتهم. وتشهد البلاد 41 حالة طلاق يومياً، و12 ألف حالة سنوياً، بحسب آخر إحصائيات رسمية أصدرتها وزارة العدل، وشملت عامي 2014 و2015.



ويشير المعهد الوطني للإحصاء (حكومي) إلى أن نسب الطلاق في تونس ارتفعت من 1251 في عام 2011 إلى 14 ألفاً و982 في عام 2015، وذلك استناداً إلى المحاكم الابتدائية. ويصف متخصّصون هذه الأرقام بـ "المرتفعة جداً"، لافتين إلى أنها تجعل البلاد في المراتب الأولى عربياً. ويعزو البعض الأسباب إلى عوامل اجتماعية واقتصادية، لكن تبقى التداعيات الأخطر على الأطفال.

في هذا السياق، يقول أستاذ علم الاجتماع أمين سليمان لـ "العربي الجديد" إنّ الطلاق عادة ما يُحدث شرخاً في نفسية الطفل، ويؤثّر على نموه من الناحية النفسية، لافتاً إلى أن حرمان الطفل من أحد والديه في مرحلة الطفولة المبكّرة يؤدي إلى مخاطر عدة، في ظل غياب عنصر أساسي يفترض أن يكون مصدر الرعاية العاطفية والتهيئة للمراحل التالية. وهذا الغياب قد يجعل الطفل لا يشعر بتوازن، بل ربّما يزداد لديه الإحساس بالذنب ويصبح أكثر عدوانية، نتيجة الفراغ الذي يحدثه انسحاب أحد الطرفين ومغادرته البيت تحت أي موجب.

يضيف سليمان أن الطلاق قد يكون منطلقاً لمشاكل عدة تواجه الأطفال، خصوصاً أولئك الذين لا يتسنى لهم التعرف على أحد والديهم، ويحرمون من العيش في بيئة أسرية ملائمة، إضافة إلى ما ينتج عن ذلك من غياب القدوة والمرشد في سنوات التنشئة الأولى التي تحدد شخصية الطفل. ويبيّن أن الأطفال في حالات الطلاق غالباً ما تظهر لديهم بعض الأعراض، منها التأخر في النمو، أو السعي إلى تعويض المشاعر، ما قد يدفع بعضهم إلى الانحراف.

ويرى رئيس الجمعية التونسية للنهوض بالرجل والأسرة، والمحامي المتخصص في قضايا الطلاق حاتم المنياوي، أن بعض الزوجات يتعسفن في استعمال الحقوق الممنوحة لهن، كالحق في الحضانة، ويساومن الآباء بحرمانهم من حقهم في رؤية أبنائهم. يضيف لـ "العربي الجديد" أنّه حرم من رؤية ابنه، ورفع دعاوى عدة مطالباً برؤيته. كما واجه صعوبات كثيرة، لافتاً إلى أنه كان يضطر إلى قطع عشرات الكيلومترات لزيارة ابنه في محافظة نائية شمال غرب تونس. ورغم كل محاولات التقرب، سواء من خلال حمل الهدايا أو الاتصال به هاتفياً، إلا أن طليقته تحاول دائماً إبعاد طفله عنه.

ويشير المنياوي إلى أنّه اطلع على قصص حرم فيها الآباء من أبنائهم، وهناك من أجبروا على التخلي عن فلذات أكبادهم بعدما وجدوا أنفسهم ضحايا الخلافات الزوجية وتهديدات شركاء الحياة السابقين. يؤكد أنيس بن عياد، تونسي مقيم في أميركا، أنه حرم منذ عامين من رؤية ابنته الوحيدة لينا، بسبب خلافات نشبت بينه وبين زوجته التي تقيم حالياً في تونس، والتي رفعت دعاوى بحقه، حتى بات يخشى المجيء إلى تونس والمطالبة برؤية ابنته. ويبيّن أنه لا يمكنه المخاطرة بمستقبله المهني. يضيف لـ" العربي الجديد" أنه يشتاق كثيراً لابنته الوحيدة ويتمنى أن يحضنها مجدداً. لكن بسبب الخلافات بينه وبين زوجته، فإن ذلك قد لا يكون ممكناً.



من جهته، يؤكد الباحث الاجتماعي، سامي نصر، أنه في حالات الطلاق، يشعر أحد الزوجين أو كلاهما بمشاعر سلبية تجاه الطرف الآخر، ما يؤدي إلى غياب التواصل بينهما. ويرى أن مثل هذه الأمور قد تؤدي إلى فقدان الحوار وتمسك كل طرف برأيه من دون الاستماع إلى الطرف الآخر. ويشير إلى أن الضغوط المادية كثيراً ما تؤدي إلى ردود فعل سلبية من قبل أحد الطرفين، مع عدم مراعاة ظروف الطرف الآخر نتيجة تراكمات ومشاكل لم تحل. ويرى أن الطفل الذي ينشأ بعيداً عن أحد والديه يشعر بالنقص والوحدة، خصوصاً حين يقارن بين أسرته المفككة وغيرها من الأسر.