يكاد يكون الأشخاص ذوو الإعاقة في تونس منسيين، هم الذين لم يتمكنوا من الحصول على أبسط حقوقهم بعد، على الرغم من الوعود.
أحيت تونس كسائر دول العالم، اليوم العالمي للأشخاص ذوي الإعاقة. وعلى الرغم من مصادقتها على الاتفاقيات الدولية لحماية هؤلاء، بدا الاحتفال باهتاً وبروتوكولياً. ولولا صرخات الأشخاص ذوي الإعاقة المطالبين بالحق في العمل والرعاية الصحية والاجتماعية، لمرّ اليوم من دون أن ينتبه إليه أحد.
لعل الأمر لم يكن مناسباً للفكاهة، فعمق المأساة لا يدع مجالاً لذلك. لكنْ محمد شاب راح يتحدث عن إنجازات بلاده، قائلاً: "الدولة جازاها الله كل خير وضعت طابعاً بريدياً للعصا البيضاء وملصقات عن المكفوفين. وهذا إنجاز عظيم. حتى إنه يباع بطريقة أقرب إلى التسول، ويرميه المشترون ما إن يبتعدون عن المكفوف". عبارات محمد أخفت جرحاً يعكس استهتار الدولة ولا مبالاة الناس.
سرعان ما نسي التونسيون الفيديوات المسرّبة من أحد مراكز إدماج الأشخاص ذوي الإعاقة، التي أظهرت سوء معاملة تربوي، ليس من أصحاب الاختصاص وغير إنساني، لأطفال من ذوي الإعاقة. سريعاً، غابت عن ذاكرتهم معركة الأمعاء الخاوية التي قادها مالك دبوني منذ سنتين أمام وزارة التكوين المهني والتشغيل، هو الذي أضرب عن الطعام دفاعاً عن حقه في العمل، وقد توفرت فيه شروط الانتداب، وحرم من العمل بسبب إعاقته. كما نسوا حادثة الشاب الكفيف الذي سقط في بالوعة صرف صحي، وكاد أن يقضي نحبه.
استناداً إلى آخر إحصائية صادرة عام 2014، يقدّر عدد الأشخاص ذوي الإعاقة بـ 241 ألفاً، 0.71 في المئة منهم أطفال دون سن الرابعة عشرة، وترتفع النسبة لدى الشباب والكهول. واللافت أنّ مسح وزارة الشؤون الاجتماعية الذي يعود إلى سنوات كثيرة خلت، يجمع أصحاب الأمراض المزمنة مع ذوي الإعاقة، ما يجعلها غير دقيقة. وفي عام 2017، أعلنت الوزارة عزمها إنجاز قاعدة بيانات خاصة بهم، من دون أن يتحقق شيء حتى الآن.
مجموعة القوانين الموضوعة لصالح الأشخاص المعوقين، والمؤسسات الرسمية العاملة في هذا المجال، كافية لأن تجعل حياتهم في تونس مريحة ومرفهة. إلا أنها مجرد حبر على ورق، تقدّمها الدولة للهيئات الأممية لتبرز أنها قطعت أشواطاً في مجال حمايتهم وضمان حقوقهم، كما فعلت أمام اللجنة المعنية بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في جنيف في فبراير/ شباط عام 2011.
وينصّ الدستور التونسي في فصله الثامن والأربعين، على أن "تحمي الدولة الأشخاص ذوي الإعاقة من كل تمييز. ولكلّ شخص من ذوي الإعاقة الحق في الانتفاع بما يضمن له الاندماج الكامل في المجتمع. وعلى الدولة اتخاذ كلّ الإجراءات الضرورية لتحقيق ذلك.
وأخرج النص الدستوري الجديد قضية الأشخاص ذوي الإعاقة، من المقاربة الإنسانية الاجتماعية إلى المقاربة الحقوقية، ليلزم الدولة باتخاذ كل الإجراءات والتدابير اللازمة لحصول الأشخاص ذوي الإعاقة على حقوقهم من تعليم وصحة وخدمات وتشغيل وتغطية اجتماعية. وينص قانون 29 مايو/ أيار 1981 على أنه للأشخاص ذوي الإعاقة الحق في التربية والتكوين المهني الملائم. ولا يمكن أن تكون الإعاقة سبباً في حرمانهم من العمل. وفي قانون لاحق، منحت الشركات الخاصة امتيازات في حال توظيف أشخاص من ذوي الإعاقة. وفي اتفاقية مع الجمعيات عام 2013، تعهدت بأن تستعين المؤسسات الحكومية بأشخاص من ذوي الإعاقة بنسبة 2 في المئة.
وما زال التقدم في تطبيق هذه النصوص بطيئاً، ما دام صوت ذوي الإعاقة خافتاً. وتواجه الجمعيات، وعددها 300، صعوبات مادّية أدت إلى حل بعضها أو توقف أنشطتها.
تقول بوراوية عقربي، رئيسة منظمة الدفاع عن الأشخاص ذوي الإعاقة، لـ "العربي الجديد": "عدد ذوي الإعاقة الذين يتمتعون بالخدمات التي تتيحها بطاقة معوق ضئيل، بالمقارنة مع العدد الإجمالي. كما أنّ الخدمات ليست بالجودة المطلوبة. مثلاً، وسائل النقل غير مجهزة وملائمة لذوي الإعاقات الحركية والحسّية. كما لم تجهّز مؤسسات التعليم العالي بالمدارج الخاصة بذوي الإعاقة. ورفعت شعار "يا سياسي فيق على روحك منيش نساسي"، أي على السياسيين أن يعوا أن ذوي الإعاقة لا يتسولون حقوقهم من الدولة، في إطار الاحتجاج على تلكؤ الدولة في تطبيق اتفاقية تشغيل اثنين في المئة من ذوي الإعاقة في مؤسساتها.
في السياق، تقول فايزة بريك عن جمعية الدفاع عن المعوقين لـ "العربي الجديد": "معاناة شخص من ذوي الإعاقة في تونس لا تقتصر عليه فقط، بل تشمل العائلة والجمعيات والإطار العامل لدمجه". وفي حين يعدّ البعض أن الاتفاقية الخاصة بإدماج الأشخاص ذوي الإعاقة إنجاز، توضح بريك أن هذه الاتفاقية "مجرّد مخدّر في مقابل صمتهم". وتشرح أن الاتفاق جمع وزارة الشؤون الاجتماعية عبر أحد هياكلها، وهو الاتحاد التونسي للتضامن الاجتماعي والاتحاد العام التونسي للشغل وكونفدرالية المؤسسات، ما جعل الأشخاص ذوي الإعاقة يجهلون إلى أي هيكل ينتمون. وعند دفع الرواتب والتغطية الاجتماعية، يتبرأ الجميع منهم.
وتشير وزيرة التكوين المهني والتشغيل السيدة الونيسي، خلال حديثها لـ "العربي الجديد"، إلى تعثّر مسار إسناد حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، ولم تنف الوضع الصعب الذي يعيشه كثيرون. وتأمل أن يساهم تخصيص اعتمادات لانتدابات استثنائية لذوي الإعاقة في تحقيق نسبة 2 في المئة، التي ينص عليها القانون. وتلفت إلى أن الآليات التشغيلية التي وضعت خلال السنوات الماضية، من بينها عقد الكرامة، خصصت منها حصة لتشغيل ذوي الإعاقة.