انعدام الخدمات الأساسية أو قلّتها، وأزمة السكن، وارتفاع نسب الاعتقال، وغيرها من العوامل تجعل المواطنين العراقيّين عاجزين عن العودة إلى مدنهم التي نزحوا منها، على الرغم من تحريرها منذ أشهر عدة.
في مدينة أربيل التابعة لإقليم كردستان (شمال العراق)، رحّب سكان أكراد بعودة عائلة إلى مدينتهم نازحة من مدينة الأنبار (غرب البلاد) مرة جديدة، بعدما كانت قد استقرّت فيها نحو ثلاثة أعوام، وقد أجبرتها سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" على النزوح صيف 2014.
في أربيل، وجد حميد هليل (48 عاماً) ترحيباً كبيراً من قبل السكان الأكراد الذين ساعدوه في تأمين الأثاث لبيته، بعدما علموا أنه هو وأفراد عائلته هربوا بأرواحهم وتركوا منزلهم ومصدر رزقهم.
أمّن جيرانه الجدد في أربيل عملاً له في مزرعة دواجن، ما جعله قادراً على توفير احتياجات عائلته وتعليم أبنائه. يقول لـ "العربي الجديد" إنّ جيرانه ساعدوه في توفير أثاث المنزل، كما ساعدوا عائلته في أمور كثيرة. "كانوا أهلاً لنا. العديد من العائلات نزحت إلى كردستان ووجدت ترحيباً ومساعدة من السكان".
اقــرأ أيضاً
بعد انتهاء المعارك وإعلان القوات العراقية تحرير الأنبار بالكامل في ديسمبر/ كانون الثاني الماضي، قرر حميد العودة إلى منزله وبناء حياته من جديد، بعدما فقد جراره الزراعي وسيارة النقل. كان قد عرف من جاره الذي عاد إلى الأنبار أن بيته دمّر جزئياً بفعل المعارك، وقد اخترقت قذيفة الطابق السفلي.
"كلّ ذلك ليس مهماً"، يقول حميد، مضيفاً أنه "في الإمكان ترميم هذا الخراب. لدي خبرة في هذا المجال، ولن يكلّفني الأمر الكثير من المال". ولدى عودته، نجح في ترميم المنزل خلال أسبوع، وعادت عائلته. "قرّرنا أن نبدأ من جديد ونحاول التغلب على المشاكل الموجودة التي نتوقع أنها مرحليّة، بعدما تعرضت مدينتنا لمعارك أدت إلى حدوث دمار كبير".
حميد يقول إنه أعاد ترميم منزله من ماله الخاص. لكن "من غير الممكن أن أُعيد ترميم شوارع حيّنا والمستشفى وأساعد الأطباء في إعادة افتتاح عياداتهم"، موضحاً أنّ "الأحزاب والسياسيين لا يوفرون الخدمات للعائلات التي عادت إلى المدينة". المستشفيات لا تقدّم الخدمات الصحية اللازمة، ما اضطره في مرّات عدة إلى الذهاب إلى بغداد من أجل الطبابة.
"في محافظتنا، لم تُرمّم المستشفيات بعد". في النتيجة، اختار حميد العودة إلى أربيل ليرحب به جيرانه مرة أخرى. يقول: "كلّ شيء متوفر هنا في أربيل. إضافة إلى الأمان، المستشفيات تستقبل المرضى في أي وقت. لن أعود إلى بيتي في الأنبار قبل أن تستعيد المحافظة عافيتها بالكامل، وتؤمن الخدمات الأساسية لأهلها".
بدوره، لا يفكّر ميثاق عجيل، وهو شاب في الثلاثين من العمر، في العودة إلى منزله وسط الرمادي (مركز محافظة الأنبار)، وقد وجد في كربلاء ما هو ليس متوفراً في مدينته. كان قد تزوج قبل نزوحه من الأنبار في عام 2014. يقول إنه خسر الكثير وليس مستعداً لخسارات جديدة. يُبين أنه كان يملك مخزناً كبيراً فيه أجهزة كهربائية منزلية تفوق قيمتها المائة ألف دولار. لم يستطع نقلها أو بيعها بعد دخول "داعش" وسيطرته على مدينتهم. هرب مع عائلته نازحاً إلى كربلاء، حيث يقطن أصدقاء له.
يقول عجيل إن أصدقاءه ساعدوه لبدء حياته من جديد، وافتتح محلاً لبيع الأجهزة الكهربائية، في وقت افتتحت زوجته محلاً لبيع ملابس الأطفال. يقول: "أملك خبرة جيدة في التجارة. على الرغم من خساراتي الكبيرة السابقة، نجحت في عملي الجديد هنا بمساعدة زوجتي. في كربلاء أمان وحركة تجارية نشطة، ما يدفعني إلى البقاء".
قبل نحو ستة أشهر، حاول عجيل العودة إلى مدينته، بعدما بدأت عائلات نازحة العودة إلى المدينة عقب تطهيرها بالكامل من "داعش". لكنه أدرك أن استئناف عمله لن يكون بالأمر السهل. ويوضح: "على الرغم من أنني بدأت عملي في كربلاء من الصفر، قررت العودة إلى مدينتي لأشارك في إعادة الحياة إليها. لكن ما رأيته هناك لم يكن مشجعاً للمضي قدماً. للأسف، فإن المسؤولين في الحكومة المحلية لا يهتمون إلا بالمنفعة المادية. سمعنا عن مشاريع ومبالغ مرصودة لتأهيل المدينة التي خرّبتها المعارك، لكننا لم نشهد أي شيء". يضيف: "ما من أمان يمنحني القوة لأبدأ مشروعاً. القوات الأمنية لا تسيطر على الوضع الأمني بشكل مناسب، عدا عن الاغتيالات والخلايا الإرهابية النائمة". قضى مشتاق نحو شهر في مدينته ليقرر مع زوجته العودة مجدداً إلى كربلاء". ويوضح: "لا أستطيع المغامرة مرة أخرى بحياتي ومالي. مدينتي ليست آمنة".
ومن بين أكثر المدن المحررة التي يصعب العيش فيها بعدما تحررت من سيطرة "داعش" الموصل (شمال). تضرر شطر المدينة الأيمن بنسبة تصل إلى أكثر من 90 في المائة، فيما الشطر الأيسر، وهو الأفضل حالاً، تضرر بشكل جزئي جراء المعارك. وقد عاد غالبية سكانها بعدما نزحوا إلى مناطق مختلفة.
هذه المدينة، كما يؤكد عدد كبير من سكانها، تعيش الحال نفسه الذي سبق ظهور تنظيم "داعش". يشكو أهلها من مضايقات أمنية من قبل القوات العسكرية الرسمية ومليشيا الحشد الشعبي. يتحدثون عن مداهمات تؤدي إلى اعتقال رجال وشباب بحجة أنهم خلايا نائمة تتبع تنظيم "داعش"، أو أنهم عملوا مع التنظيم عندما كان يسيطر على المدينة. أمر يرفضه السكان ويقولون إنها حجج واهية تهدف إلى ترهيب الناس.
اقــرأ أيضاً
تلك المعوقات أجبرت محمد عثمان (29 عاماً) على الهرب مرة أخرى، تاركاً خلفه مشروعاً كان ينوي الشروع فيه في مدينته الموصل. يقول لـ "العربي الجديد": "كنت أنوي بدء مشروعي وهو معهد لتعليم اللغات الأجنبية وتعليم الموسيقى للصغار والحفاظ على التراث الموسيقي الموصلي. لكنه رأى أن المضي في مثل هذا المشروع لن يتم في الوقت الحالي".
في يناير/ كانون الثاني في عام 2017، هربت عائلة محمد عثمان أثناء المعارك التي أطلقتها القوات العراقية لتحرير الموصل، ولجأت إلى مخيم للنازحين. وبعد سبعة أشهر من النزوح، عادت إلى منزلها الذي تعرض لأضرار جزئية. يقول إنه شارك مع شباب الموصل في تنظيف وإعادة تأهيل العديد من الأماكن، منها جامعة الموصل. "كل ذلك يحدث بشكل طوعي. ما زال الشباب في الموصل يعملون بشكل تطوعي لتأهيل المباني والشوارع والأحياء السكنية. لكن لا نستطيع العيش في مكان غير آمن. اليوم، الوضع في الموصل شبيه بما كان عليه قبل ظهور داعش. هناك استفزاز من قبل الأجهزة الأمنية، وطائفية من قبل المليشيات. يعتبروننا إرهابيين، فقررنا النزوح مرة ثانية".
يضيف: "لم ننزح هذه المرة إلى المخيم بل إلى بغداد، حيث سأعطي دروساً خصوصية لتلاميذ الثانوية. وستمارس شقيقتي المحاماة، فهي تحمل شهادة في القانون منذ عام 2012، ما يمكننا من توفير معيشة جيدة لعائلتنا".
في مدينة أربيل التابعة لإقليم كردستان (شمال العراق)، رحّب سكان أكراد بعودة عائلة إلى مدينتهم نازحة من مدينة الأنبار (غرب البلاد) مرة جديدة، بعدما كانت قد استقرّت فيها نحو ثلاثة أعوام، وقد أجبرتها سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" على النزوح صيف 2014.
في أربيل، وجد حميد هليل (48 عاماً) ترحيباً كبيراً من قبل السكان الأكراد الذين ساعدوه في تأمين الأثاث لبيته، بعدما علموا أنه هو وأفراد عائلته هربوا بأرواحهم وتركوا منزلهم ومصدر رزقهم.
أمّن جيرانه الجدد في أربيل عملاً له في مزرعة دواجن، ما جعله قادراً على توفير احتياجات عائلته وتعليم أبنائه. يقول لـ "العربي الجديد" إنّ جيرانه ساعدوه في توفير أثاث المنزل، كما ساعدوا عائلته في أمور كثيرة. "كانوا أهلاً لنا. العديد من العائلات نزحت إلى كردستان ووجدت ترحيباً ومساعدة من السكان".
بعد انتهاء المعارك وإعلان القوات العراقية تحرير الأنبار بالكامل في ديسمبر/ كانون الثاني الماضي، قرر حميد العودة إلى منزله وبناء حياته من جديد، بعدما فقد جراره الزراعي وسيارة النقل. كان قد عرف من جاره الذي عاد إلى الأنبار أن بيته دمّر جزئياً بفعل المعارك، وقد اخترقت قذيفة الطابق السفلي.
"كلّ ذلك ليس مهماً"، يقول حميد، مضيفاً أنه "في الإمكان ترميم هذا الخراب. لدي خبرة في هذا المجال، ولن يكلّفني الأمر الكثير من المال". ولدى عودته، نجح في ترميم المنزل خلال أسبوع، وعادت عائلته. "قرّرنا أن نبدأ من جديد ونحاول التغلب على المشاكل الموجودة التي نتوقع أنها مرحليّة، بعدما تعرضت مدينتنا لمعارك أدت إلى حدوث دمار كبير".
حميد يقول إنه أعاد ترميم منزله من ماله الخاص. لكن "من غير الممكن أن أُعيد ترميم شوارع حيّنا والمستشفى وأساعد الأطباء في إعادة افتتاح عياداتهم"، موضحاً أنّ "الأحزاب والسياسيين لا يوفرون الخدمات للعائلات التي عادت إلى المدينة". المستشفيات لا تقدّم الخدمات الصحية اللازمة، ما اضطره في مرّات عدة إلى الذهاب إلى بغداد من أجل الطبابة.
"في محافظتنا، لم تُرمّم المستشفيات بعد". في النتيجة، اختار حميد العودة إلى أربيل ليرحب به جيرانه مرة أخرى. يقول: "كلّ شيء متوفر هنا في أربيل. إضافة إلى الأمان، المستشفيات تستقبل المرضى في أي وقت. لن أعود إلى بيتي في الأنبار قبل أن تستعيد المحافظة عافيتها بالكامل، وتؤمن الخدمات الأساسية لأهلها".
بدوره، لا يفكّر ميثاق عجيل، وهو شاب في الثلاثين من العمر، في العودة إلى منزله وسط الرمادي (مركز محافظة الأنبار)، وقد وجد في كربلاء ما هو ليس متوفراً في مدينته. كان قد تزوج قبل نزوحه من الأنبار في عام 2014. يقول إنه خسر الكثير وليس مستعداً لخسارات جديدة. يُبين أنه كان يملك مخزناً كبيراً فيه أجهزة كهربائية منزلية تفوق قيمتها المائة ألف دولار. لم يستطع نقلها أو بيعها بعد دخول "داعش" وسيطرته على مدينتهم. هرب مع عائلته نازحاً إلى كربلاء، حيث يقطن أصدقاء له.
يقول عجيل إن أصدقاءه ساعدوه لبدء حياته من جديد، وافتتح محلاً لبيع الأجهزة الكهربائية، في وقت افتتحت زوجته محلاً لبيع ملابس الأطفال. يقول: "أملك خبرة جيدة في التجارة. على الرغم من خساراتي الكبيرة السابقة، نجحت في عملي الجديد هنا بمساعدة زوجتي. في كربلاء أمان وحركة تجارية نشطة، ما يدفعني إلى البقاء".
قبل نحو ستة أشهر، حاول عجيل العودة إلى مدينته، بعدما بدأت عائلات نازحة العودة إلى المدينة عقب تطهيرها بالكامل من "داعش". لكنه أدرك أن استئناف عمله لن يكون بالأمر السهل. ويوضح: "على الرغم من أنني بدأت عملي في كربلاء من الصفر، قررت العودة إلى مدينتي لأشارك في إعادة الحياة إليها. لكن ما رأيته هناك لم يكن مشجعاً للمضي قدماً. للأسف، فإن المسؤولين في الحكومة المحلية لا يهتمون إلا بالمنفعة المادية. سمعنا عن مشاريع ومبالغ مرصودة لتأهيل المدينة التي خرّبتها المعارك، لكننا لم نشهد أي شيء". يضيف: "ما من أمان يمنحني القوة لأبدأ مشروعاً. القوات الأمنية لا تسيطر على الوضع الأمني بشكل مناسب، عدا عن الاغتيالات والخلايا الإرهابية النائمة". قضى مشتاق نحو شهر في مدينته ليقرر مع زوجته العودة مجدداً إلى كربلاء". ويوضح: "لا أستطيع المغامرة مرة أخرى بحياتي ومالي. مدينتي ليست آمنة".
ومن بين أكثر المدن المحررة التي يصعب العيش فيها بعدما تحررت من سيطرة "داعش" الموصل (شمال). تضرر شطر المدينة الأيمن بنسبة تصل إلى أكثر من 90 في المائة، فيما الشطر الأيسر، وهو الأفضل حالاً، تضرر بشكل جزئي جراء المعارك. وقد عاد غالبية سكانها بعدما نزحوا إلى مناطق مختلفة.
هذه المدينة، كما يؤكد عدد كبير من سكانها، تعيش الحال نفسه الذي سبق ظهور تنظيم "داعش". يشكو أهلها من مضايقات أمنية من قبل القوات العسكرية الرسمية ومليشيا الحشد الشعبي. يتحدثون عن مداهمات تؤدي إلى اعتقال رجال وشباب بحجة أنهم خلايا نائمة تتبع تنظيم "داعش"، أو أنهم عملوا مع التنظيم عندما كان يسيطر على المدينة. أمر يرفضه السكان ويقولون إنها حجج واهية تهدف إلى ترهيب الناس.
تلك المعوقات أجبرت محمد عثمان (29 عاماً) على الهرب مرة أخرى، تاركاً خلفه مشروعاً كان ينوي الشروع فيه في مدينته الموصل. يقول لـ "العربي الجديد": "كنت أنوي بدء مشروعي وهو معهد لتعليم اللغات الأجنبية وتعليم الموسيقى للصغار والحفاظ على التراث الموسيقي الموصلي. لكنه رأى أن المضي في مثل هذا المشروع لن يتم في الوقت الحالي".
في يناير/ كانون الثاني في عام 2017، هربت عائلة محمد عثمان أثناء المعارك التي أطلقتها القوات العراقية لتحرير الموصل، ولجأت إلى مخيم للنازحين. وبعد سبعة أشهر من النزوح، عادت إلى منزلها الذي تعرض لأضرار جزئية. يقول إنه شارك مع شباب الموصل في تنظيف وإعادة تأهيل العديد من الأماكن، منها جامعة الموصل. "كل ذلك يحدث بشكل طوعي. ما زال الشباب في الموصل يعملون بشكل تطوعي لتأهيل المباني والشوارع والأحياء السكنية. لكن لا نستطيع العيش في مكان غير آمن. اليوم، الوضع في الموصل شبيه بما كان عليه قبل ظهور داعش. هناك استفزاز من قبل الأجهزة الأمنية، وطائفية من قبل المليشيات. يعتبروننا إرهابيين، فقررنا النزوح مرة ثانية".
يضيف: "لم ننزح هذه المرة إلى المخيم بل إلى بغداد، حيث سأعطي دروساً خصوصية لتلاميذ الثانوية. وستمارس شقيقتي المحاماة، فهي تحمل شهادة في القانون منذ عام 2012، ما يمكننا من توفير معيشة جيدة لعائلتنا".