أمطار غزيرة هطلت على محافظات عراقية عدّة في خلال شهر نوفمبر/ تشرين الثاني المنصرم وأوائل شهر ديسمبر/ كانون الأول الجاري، مخلّفة سيولاً استدعت حالة طوارئ في قرى ومدن تعاني في الأساس من دمار خلّفته الحرب على تنظيم "داعش". وأتت الأضرار مادية وبشرية، إلى جانب نفوق آلاف من رؤوس الماشية وتضرّر مئات المزارع، وذلك خصوصاً في ناحية الشرقاط الواقعة غربيّ قضاء الحويجة في محافظة صلاح الدين (وسط)، والقيارة في محافظة نينوى (شمال)، وناحيتَي مندلي وقزانية في محافظة ديالى (شرق)، وأجزاء من مدينة عانة في محافظة الأنبار (غرب)، وقرى ومدن عدّة من محافظات وسط البلاد وجنوبها، لا سيّما محافظات واسط وبابل والبصرة.
أمّ أيمن من قرية الحورية في ناحية الشرقاط، ظلّت تحتضن ولدَيها حتى بلغتهم السيول شأنهم شأن مواطنين آخرين. تخبر الناشطة بان الصميدعي لـ"العربي الجديد" أنّه "في خلال زيارتي لناحية الشرقاط، كان السكان يتحدّثون عن أمّ أيمن وهي أرملة توفي زوجها قبل سبعة أعوام، تاركاً لها طفلَين صغيرَين وبيتاً متواضعاً ووضعاً معيشياً صعباً". تضيف أنّه "عندما غمرت السيول القرية وأيقن السكان أنّهم غارقون، كانت أمّ أيمن من جهتها تخشى على ولدَيها من الغرق. وأتت السيول أسرع من سكان القرية، فجرفت كثيراً ممّا يملكون وأرواحاً عدّة". وتتابع الصميدعي أنّ "كلّ من كان حول أمّ أيمن انشغل بالمياه التي غمرت البيوت. وبعد انخفاض مستوى المياه، عُثِر على المرأة وهي تحتضن أحد الولدَين، وقد فارقا الحياة غرقاً. وقبل أيام قليلة، عُثِر على ابنها الثاني مدينة سامراء القريبة من قرية الحورية، بعدما جرفته السيول إليها". يُذكر أنّ الأوضاع هناك مأساوية جداً... بيوت تضرّرت من جرّاء الفيضان وعائلات شُرّدت بينما المساعدات قليلة لأنّ حجم الكارثة كبير.
يقدّر ناشطون الخسائر المادية بالمليارات، ويتساءلون عمّن يعوّض ضحايا الكوارث الطبيعية عن خسائرهم. يقول الناشط إبراهيم محمود لـ"العربي الجديد" إنّ "آلاف العائلات تضررت من جرّاء السيول في مختلف المدن العراقية، لكنّ الحلول لا تصل إلى مستوى الكارثة في الغالب. كل ما يحدث هو إرسال فرق لتحديد الأضرار والاحتياجات، بينما تحضر لجان دولية أو محلية مع قليل من المساعدات من دون أن يتوفّر تعويض حقيقي للخسائر الفادحة التي خلّفتها السيول". يضيف محمود الذي يعمل في منظمة دولية في مدينة كلار بمحافظة السليمانية، أنّ "سكان القرى والمدن المتضررة من السيول نزحوا تاركين كل ما يملكون. وثمّة 300 منزل في الشرقاط مثلاً لم تعد تصلح للسكن، وبعضها مهدّد بالانهيار، في حين أنّ أكثر من ألف رأس من الأغنام والأبقار والماعز في القرية نفقت". ويتابع أنّ "الشرقاط التي يصل عدد سكانها إلى خمسة آلاف نسمة، صارت منكوبة وأهلها بمعظمهم في حاجة إلى مساعدات حقيقية وعاجلة وليس إلى حلول ترقيعية. خمسة آلاف شخص فقدوا كل ما يملكون، وقد مُنِحوا أغطية وملابس وبعض الطعام. لا بدّ من توفّر خطة عاجلة لتعويضهم سريعاً". تجدر الإشارة إلى أنّ تلك السيول الجارفة لم تتوقف عند ناحية الشرقاط، فقد أغرقت مخيّم حمام العليل للنازحين في مدينة الموصل وكل ما يمتلكه النازحون في خيامهم، بينما تسبب عدم توفّر شبكات تصريف مياه في كارثة إنسانية.
من جهته، فقد المزارع قحطان يعرب من سكان ناحية مندلي في ديالى أكثر من 150 رأس غنم. يخبر "العربي الجديد": "عدت بأغنامي إلى القرية باكراً، بينما كانت السحب تغطّي السماء. لكن بعد أقل من 15 دقيقة، انقلبت الحال وراحت السماء تمطر بغزارة، ثم داهمتنا السيول. لم أتمكّن من إخراج الأغنام والدواجن، كل ما نجحت فيه هو حماية عائلتي من الغرق". يضيف يعرب: "لم أعد أملك شيئاً. غرق منزلنا بالأثاث الذي فيه مع منازل القرية الأخرى، ولا تتوفّر أيّ تعويضات لما فقدناه من ممتلكات وأموال. المنظمات التي تزورنا تقيّم الوضع وبعضها يمنحنا مساعدات بسيطة، لا تغطّي الخسائر الفادحة... فالمزارع دُمّرت والمواشي نفقت والبيوت غرقت".
في السياق، كان محافظ ديالى مثنى التميمي قد كشف في 11 نوفمبر/ تشرين الثاني المنصرم عن عدم وجود مخصصات مالية تغطي الأضرار الجسيمة للسيول التي ضربت أجزاء من المحافظة، مشيراً إلى أنّ السيول عزلت قزانية عن نحو 20 قرية، فصارت من دون كهرباء، بينما لم تحرّك الحكومة الاتحادية ساكناً لمساعدة ديالى. أضاف التميمي في تصريح صحافي أنّ الحكومة الاتحادية لم تستجب للمناشدات، في حين لا تتوفّر ميزانية خاصة في المحافظة لمعالجة الأضرار التي وقعت في مندلي وقزانية من جرّاء السيول التي لم تشهد مثلها المنطقة منذ أكثر من خمسين عاماً، لافتاً إلى أنّ حجم المياه الذي ذهب هدراً قُدّر بأكثر من مليار متر مكعب، بينما الطاقة الاستيعابية لسدّ حمرين الذي يغذّي ديالى تقلّ عن مليار متر مكعب. من جهته، صرّح محافظ نينوى نوفل العاكوب بأنّ نحو 700 من خيم النازحين في مخيّمَي الجدعة والمدرج تعرّضت للغرق مجدداً من جرّاء الأمطار على مناطق جنوب الموصل، خصوصاً القيارة، وبأنّ العائلات التي تسكن المخيمات بمعظمها لجأت إلى مدينة الموصل وناحية حمام العليل.
وكانت الأمم المتحدة قد أشارت إلى أنّ الأمطار الغزيرة التي شهدها العراق في 23 نوفمبر/ تشرين الثاني المنصرم تسببت في سيول جارفة ألحقت أضراراً بالممتلكات والثروة الحيوانية والبنى التحتية في محافظات نينوى وصلاح الدين وبعض محافظات الجنوب، بما في ذلك ميسان وواسط والبصرة. أضافت أنّ الفيضانات أدّت إلى غمر عدد من الجسور والطرقات والقرى بالمياه، وتركت أكثر من 10 آلاف شخص في محافظة صلاح الدين و15 ألف شخص في محافظة نينوى في حاجة ماسة إلى المساعدة، بما في ذلك آلاف الأسر التي تعيش في مخيمات النازحين.