أينما توجهت في السويد ستلاحظ الانشغال منذ أواسط ديسمبر/ كانون الأول بالأعياد. الزينة التي تشكل الإنارة عمادها يربطها السكان بأيام "ظلام" العصور الوسطى، والانقلاب الشتوي في أساطير شعوب الشمال، وامتزاجها بتقاليد وثنية قديمة. وبالرغم من أنّ البعض يقول لـ"العربي الجديد" إنه لا يؤمن بالميلاد، في ظلّ نسبة ملحوظة من اللادينيين في السويد، فهو يعترف بالاحتفال به بوصفه "وقتاً العائلة".
أستاذة التاريخ المتقاعدة، إنغريد أندرسون (78 عاماً) تقف أمام واجهة محل ألبسة في أحد مراكز التسوق، محتمية من جوّ بارد في الخارج، وتقول لـ"العربي الجديد" إنّ "الميلاد انتقل إلى السويد لينضم إلى تقاليد وثنية قديمة فبات إرثاً مسيحياً لاحقاً. قبل أن يصبح عيد الميلاد مرتبطاً بميلاد المسيح في بيت لحم كان شعب السويد، وبقية الدول الإسكندنافية، يحتفلون في منتصف يناير/ كانون الثاني بما يشبه الميلاد، وكان يسمى احتفال منتصف الشتاء، لذا جرى المزج بينه وبين الميلاد وصار 24 ديسمبر، موعدنا مع عيد الميلاد الذي يعرف اليوم، ويرتبط بالمسيحية كعناصر كثيرة أخرى جرى تبنيها بالمزج بين الوثني والديني". تضيف: "أكثر ما نراه اليوم، من تقاليد الإنارة والاستهلاك والطعام، بدأ متأخراً في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر". حتى الشموع وإنارة شجرة الميلاد، حضرت متأخرة جداً إلى إسكندنافيا بشكلها الحالي: "الإنارة في الماضي كانت من الكماليات، إذ لا تتاح سوى للأثرياء. في مجتمعات الفلاحين كانت دهون الحيوانات التي تذبح تخزن وتستعمل كشحوم إنارة، ولم تكن رائحتها بالطبع جيدة. لكن، في عام 1839، بدأ السويدي لارس يوهان هيرتا، بإنتاج الشموع في معمل صغير في استوكهولم، وبالرغم من ذلك لم تكن أسعارها في متناول الفلاحين الذين استمروا في الإنارة من شحوم الحيوانات لفترة متأخرة من ذلك القرن. عام 1934 بدأت استوكهولم وغوتينبورغ (جنوب غرب) تشهد إنارة الميلاد بعدما بدأ السويدي أوسكار أندرسون إنتاجها وتوفيرها للجميع".
اقــرأ أيضاً
في الثالث عشر من ديسمبر تكون السويد على موعد مع أهم يوم يسبق الميلاد، وهو يوم القديسة لوسيا أو لوسي (المنيرة). والقديسة لوسيا من سيراكوزا الصقلية، شفيعة المكفوفين، التي اضطهدها الحاكم بسكاسيوس حتى موتها في 13 ديسمبر من عام 304 ميلادي، ويعتبرها السويديون، وعموم دول الشمال، في اليوم الأكثر ظلمة في الانقلاب الشتوي، في تقويم السويديين القديم، جالبة النور. وكما تبنى شعب السويد، وعموم دول الشمال الكثير من التقاليد المسيحية مزجاً بالتراث المحلي جاءت أسطورة لوسيا في هذا التصنيف.
في أيام السويد الجديدة، مع توافد عشرات آلاف المهاجرين، ليس غريباً أن يشترك معظم "المواطنين الجدد" في احتفالات المجتمع بالأعياد. وتقام احتفالات مشتركة بحضور مختلف الجنسيات مع طعامهم الوطني في قاعات مدارس المدن. وفي أوبسالا التي تضم عدداً كبيراً من مختلف الجاليات، بمن فيهم السوريون، تقول السورية منى عفريني المقيمة في أوبسالا منذ 5 أعوام والتي حصلت على الجنسية السويدية، لـ"العربي الجديد" على هامش احتفال جماعي بالأعياد، إنّ "مشاركة اللاجئين كلّ سنة في مثل هذه المناسبات تذيب الفوارق بينهم وبين المواطنين، وتخرج كثيرين من عزلتهم، وهي على الأقل طريقة عملية للتعرف إلى ثقافة وتقاليد هذه البلاد".
بالرغم من أنّ كثيرين يعتبرون موسم الأعياد "فرصة استهلاكية لجذب جيوبك"، بحسب ما تقول لـ"العربي الجديد" في شارع مشاة في أوبسالا السيدة سوزانه، وهي تعاين ما يجب أن تشتريه لحفيدها فريدريك (10 سنوات) فإنّ البعض الآخر يذكر أنّ الهدايا لا ترتبط بموعد احتفال ديني بل "بتقليد ليس أكثر، انتقل إلى السويد ليمتزج بما كان يحتفل به الإسكندنافيون في فترة مبكرة من تاريخهم السابق لدخول التقاليد المسيحية إليهم". وتعود قصة تبادل الهدايا في موسم الميلاد في السويد إلى تاريخ يسبق انتشار المسيحية. كان معروفاً أن يقدم بعض الإقطاعيين وكبار ملّاك المزارع هدايا للخدم عندهم، وإن كانت لا تقارن بهدايا اليوم، وبعضها كان طعاماً وشموعاً، وامتدت العطاءات إلى الفقراء خارج أسوار الأملاك. في القرن التاسع عشر، بدأت ظاهرة منح الهدايا بشكلها الاستهلاكي تنتشر بين الأثرياء، لكنّ السويديين اليوم يربطون الهدايا بإبداء الكرم تجاه الفقراء.
يتفق أكثر المتحدثين لـ"العربي الجديد" من مختلف الأعمار، أنّ "الميلاد هو فترة اجتماع الأسرة والاستمتاع بألعاب الميلاد في الريف والالتقاء بالعائلة والأقارب" بحسب الشابّة فيرا فريدركسن، التي تستقبل خطيبها الأسترالي هذا العام ليقضي الميلاد عند عائلتها في ريف أوبسالا.
وتؤكد الشابّة صوفيا أنّ "اجتماع العائلة أمر مهم، ففي أيام الميلاد نلتقي أيضاً بجدّينا ونتبادل الهدايا ونلعب ألعاب الميلاد مع الأصدقاء، هو يوم عائلة ومقربين... الهدايا هي مسألة رمزية أساسية حتى لو لم تكن للاحتفال عادة بالميلاد".
الأم باتريسيا تقول، وهي مشغولة بتحضير الاحتفال: "اخترنا أن نحتفل وحدنا، أنا وزوجي وأولادي هذا العام، لأنّ الأسرة الكبيرة بعيدة جداً، وفي الوقت نفسه، نحتاج إلى وقت نكون فيه معاً، كاستراحة من التوتر اليومي، فهو وقت إجازة جيد لنا كأسرة صغيرة".
اقــرأ أيضاً
يختلف عشاء الميلاد من منطقة إلى أخرى، ومن أسرة لأسرة، فلدى البعض يعتبر سمك السلمون مع البطاطا طبقاً تقليدياً سويدياً للميلاد، فيما آخرون يقدمون اللحم مع الخضار والصلصة الخاصة. وحتى هؤلاء الذين لا يحبون "توتر" الأعياد يعترفون أنّهم "مضطرون لتناول عشاء الميلاد لأجل العائلة والأقارب".
أستاذة التاريخ المتقاعدة، إنغريد أندرسون (78 عاماً) تقف أمام واجهة محل ألبسة في أحد مراكز التسوق، محتمية من جوّ بارد في الخارج، وتقول لـ"العربي الجديد" إنّ "الميلاد انتقل إلى السويد لينضم إلى تقاليد وثنية قديمة فبات إرثاً مسيحياً لاحقاً. قبل أن يصبح عيد الميلاد مرتبطاً بميلاد المسيح في بيت لحم كان شعب السويد، وبقية الدول الإسكندنافية، يحتفلون في منتصف يناير/ كانون الثاني بما يشبه الميلاد، وكان يسمى احتفال منتصف الشتاء، لذا جرى المزج بينه وبين الميلاد وصار 24 ديسمبر، موعدنا مع عيد الميلاد الذي يعرف اليوم، ويرتبط بالمسيحية كعناصر كثيرة أخرى جرى تبنيها بالمزج بين الوثني والديني". تضيف: "أكثر ما نراه اليوم، من تقاليد الإنارة والاستهلاك والطعام، بدأ متأخراً في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر". حتى الشموع وإنارة شجرة الميلاد، حضرت متأخرة جداً إلى إسكندنافيا بشكلها الحالي: "الإنارة في الماضي كانت من الكماليات، إذ لا تتاح سوى للأثرياء. في مجتمعات الفلاحين كانت دهون الحيوانات التي تذبح تخزن وتستعمل كشحوم إنارة، ولم تكن رائحتها بالطبع جيدة. لكن، في عام 1839، بدأ السويدي لارس يوهان هيرتا، بإنتاج الشموع في معمل صغير في استوكهولم، وبالرغم من ذلك لم تكن أسعارها في متناول الفلاحين الذين استمروا في الإنارة من شحوم الحيوانات لفترة متأخرة من ذلك القرن. عام 1934 بدأت استوكهولم وغوتينبورغ (جنوب غرب) تشهد إنارة الميلاد بعدما بدأ السويدي أوسكار أندرسون إنتاجها وتوفيرها للجميع".
في الثالث عشر من ديسمبر تكون السويد على موعد مع أهم يوم يسبق الميلاد، وهو يوم القديسة لوسيا أو لوسي (المنيرة). والقديسة لوسيا من سيراكوزا الصقلية، شفيعة المكفوفين، التي اضطهدها الحاكم بسكاسيوس حتى موتها في 13 ديسمبر من عام 304 ميلادي، ويعتبرها السويديون، وعموم دول الشمال، في اليوم الأكثر ظلمة في الانقلاب الشتوي، في تقويم السويديين القديم، جالبة النور. وكما تبنى شعب السويد، وعموم دول الشمال الكثير من التقاليد المسيحية مزجاً بالتراث المحلي جاءت أسطورة لوسيا في هذا التصنيف.
في أيام السويد الجديدة، مع توافد عشرات آلاف المهاجرين، ليس غريباً أن يشترك معظم "المواطنين الجدد" في احتفالات المجتمع بالأعياد. وتقام احتفالات مشتركة بحضور مختلف الجنسيات مع طعامهم الوطني في قاعات مدارس المدن. وفي أوبسالا التي تضم عدداً كبيراً من مختلف الجاليات، بمن فيهم السوريون، تقول السورية منى عفريني المقيمة في أوبسالا منذ 5 أعوام والتي حصلت على الجنسية السويدية، لـ"العربي الجديد" على هامش احتفال جماعي بالأعياد، إنّ "مشاركة اللاجئين كلّ سنة في مثل هذه المناسبات تذيب الفوارق بينهم وبين المواطنين، وتخرج كثيرين من عزلتهم، وهي على الأقل طريقة عملية للتعرف إلى ثقافة وتقاليد هذه البلاد".
بالرغم من أنّ كثيرين يعتبرون موسم الأعياد "فرصة استهلاكية لجذب جيوبك"، بحسب ما تقول لـ"العربي الجديد" في شارع مشاة في أوبسالا السيدة سوزانه، وهي تعاين ما يجب أن تشتريه لحفيدها فريدريك (10 سنوات) فإنّ البعض الآخر يذكر أنّ الهدايا لا ترتبط بموعد احتفال ديني بل "بتقليد ليس أكثر، انتقل إلى السويد ليمتزج بما كان يحتفل به الإسكندنافيون في فترة مبكرة من تاريخهم السابق لدخول التقاليد المسيحية إليهم". وتعود قصة تبادل الهدايا في موسم الميلاد في السويد إلى تاريخ يسبق انتشار المسيحية. كان معروفاً أن يقدم بعض الإقطاعيين وكبار ملّاك المزارع هدايا للخدم عندهم، وإن كانت لا تقارن بهدايا اليوم، وبعضها كان طعاماً وشموعاً، وامتدت العطاءات إلى الفقراء خارج أسوار الأملاك. في القرن التاسع عشر، بدأت ظاهرة منح الهدايا بشكلها الاستهلاكي تنتشر بين الأثرياء، لكنّ السويديين اليوم يربطون الهدايا بإبداء الكرم تجاه الفقراء.
يتفق أكثر المتحدثين لـ"العربي الجديد" من مختلف الأعمار، أنّ "الميلاد هو فترة اجتماع الأسرة والاستمتاع بألعاب الميلاد في الريف والالتقاء بالعائلة والأقارب" بحسب الشابّة فيرا فريدركسن، التي تستقبل خطيبها الأسترالي هذا العام ليقضي الميلاد عند عائلتها في ريف أوبسالا.
وتؤكد الشابّة صوفيا أنّ "اجتماع العائلة أمر مهم، ففي أيام الميلاد نلتقي أيضاً بجدّينا ونتبادل الهدايا ونلعب ألعاب الميلاد مع الأصدقاء، هو يوم عائلة ومقربين... الهدايا هي مسألة رمزية أساسية حتى لو لم تكن للاحتفال عادة بالميلاد".
الأم باتريسيا تقول، وهي مشغولة بتحضير الاحتفال: "اخترنا أن نحتفل وحدنا، أنا وزوجي وأولادي هذا العام، لأنّ الأسرة الكبيرة بعيدة جداً، وفي الوقت نفسه، نحتاج إلى وقت نكون فيه معاً، كاستراحة من التوتر اليومي، فهو وقت إجازة جيد لنا كأسرة صغيرة".
يختلف عشاء الميلاد من منطقة إلى أخرى، ومن أسرة لأسرة، فلدى البعض يعتبر سمك السلمون مع البطاطا طبقاً تقليدياً سويدياً للميلاد، فيما آخرون يقدمون اللحم مع الخضار والصلصة الخاصة. وحتى هؤلاء الذين لا يحبون "توتر" الأعياد يعترفون أنّهم "مضطرون لتناول عشاء الميلاد لأجل العائلة والأقارب".