يعاني السودان من أزمة دواء حادة تؤثّر بصورة كبيرة على القطاع الصحي عموماً وتهدد السكان، لا سيّما المرضى منهم. وتُسجّل محاولات خجولة للحدّ من تلك الأزم
منذ بداية العام الجاري الذي يوشك على نهايته، راحت أسعار الأدوية في السودان ترتفع بنسب عالية جداً بلغت 300 في المائة بالنسبة إلى بعض الأصناف، وذلك نتيجة سياسات اقتصادية اعتمدتها الحكومة أدّت إلى تراجع العملة الوطنية في مقابل العملات الأجنبية، خصوصاً الدولار الأميركي المعتمَد بشكل أساسي في استيراد الدواء. ومع بداية شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، توقّفت شركات كثيرة، وكذلك الأمر بالنسبة إلى عدد كبير من مستوردي الأدوية، عن بيع مخزون الأدوية لديها، نتيجة قرار حكومي جديد يقضي بإلغاء اعتماد سعر الدولار التشجيعي المحفّز على الاستيراد. ومنذ ذلك الحين، تُسجَّل في البلاد ندرة كبيرة في الأدوية، بما في ذلك ما هو منقذ للحياة.
تعتمد الحكومة السودانية على الصندوق القومي للإمدادات الطبية (حكومي) في توفير أصناف كثيرة من الأدوية، لكنّ الصندوق يركّز جهده أكثر على توفير الأدوية المنقذة للحياة مجاناً لأقسام الحوادث والطوارئ، بالإضافة إلى توفير الأمصال. في الوقت نفسه، تتيح الحكومة لشركات الأدوية استيراد بقيّة الأصناف، على أن تمنحها بعض التسهيلات. يُذكر أنّ البلاد تعتمد بنسبة 30 في المائة فقط على الإنتاج المحلي في استهلاكها للدواء.
وقبل أيام، استدعى البرلمان السوداني وزير الصحة محمد أبو زيد مصطفى لتقديم تقرير حول واقع الدواء في البلاد، وقد بدا الوزير صريحاً إذ عرض صورة سوداء لا تقل قتامة عن تلك التي رسمها الآخرون. وأوضح الوزير أنّ 34 صنفاً نفدت كلياً من مخازن الصندوق القومي للإمدادات الطبية، وكلها تُعَدّ من الأدوية المنقذة للحياة، مشيراً إلى أنّ 27 صنفاً تتوفّر في المخازن الحكومية وهي لا تكفي إلا لشهر واحد فقط بينما ثمّة 41 صنفاً يكفي مخزونها لمدّة شهرَين. وعزا مصطفى الأزمة كلها إلى عدم توفّر النقد الذي دفع 33 شركة أجنبية إلى التوقف عن التعامل مع الهيئة العامة للإمدادات الطبية المركزية إلى حين تسديد الديون السابقة البالغة 34 مليون يورو والتي تراكمت منذ بداية العام الجاري. وشكا للبرلمان، بصفته جهة رقابية، عدم التزام بنك السودان المركزي بتوفير المبالغ المطلوبة.
اقــرأ أيضاً
تبدو الصورة أكثر قتامة لدى الأطباء، ويقول الدكتور محمد ناجي لـ"العربي الجديد" إنّه "من
خلال الممارسة اليومية، نرصد ما وصلت إليه الحال من شحّ في أدوية لا يحتمل المرضى التأخّر في استهلاكها دقيقة واحدة، من قبيل أدوية القلب والأدوية الخاصة بارتفاع ضغط الدم التي توصَف للمريض في أقسام الحوادث (الطوارئ)". ويؤكد أنّ "وضع الدواء حالياً كارثي بكل ما تعني الكلمة"، مشيراً إلى "ارتفاع أسعار الأدوية المتوفّرة وبيعها في السوق السوداء".
يضيف ناجي أنّ "ثمّة مبادرات مجتمعية لمنظمات شبابية تنشط في مجال توفير الأدوية للفقراء، فشلت أخيراً في مهامها بسبب ندرة الدواء في الصيدليات. والمسؤولية تقع على الحكومة التي أصدرت قرارها برفع الدعم عن الدواء بعد تحرير سعر الدولار. فالحكومة تخلّت بتلك القرارات عن مسؤوليتها القانونية والدستورية القاضية بتوفير الأدوية المنقذة للحياة مجاناً للمواطنين وكذلك العلاجات المطلوبة لكل الأطفال دون الخامسة من عمرهم". ويلفت إلى أنّ "ثمّة مرضى يدخلون المستشفيات، وحينما يتفاجأون بسوء الخدمات الطبية وارتفاع تكلفة العلاج، يعودون إلى منازلهم من دون أن يُعرف مصيرهم".
من جهته، يطالب رئيس الجمعية السودانية لحماية المستهلك، الدكتور نصر الدين شلقامي، الحكومة بـ"التدخل لتدارك الموقف الراهن في قطاع الدواء. والتدخل يكون بدعم الدولة مباشرة للدواء، لا سيّما في ظل تفاقم الفقر في البلاد". يضيف شلقامي لـ"العربي الجديد" أنّ "الجمعية سوف تستمر في ضغطها على الحكومة من أجل الإيفاء بالتزاماتها، وهي أوصلت صوتها إلى داخل المجلس القومي للأدوية والسموم بصفتها عضوا فيه. ونحن نتوقع صدور قرارات في هذا الشأن بعد أيام قليلة".
في السياق، يشير الصحافي الطاهر ساتي المهتم بموضوع الأدوية، إلى أنّ "الحكومة بدأت تستدرك المشكلة الراهنة من خلال تخصيص 10 ملايين يورو لصندوق الإمدادات الطبية بغرض استيراد أدوية جديدة من شأنها أن تخلّف بعضاً من الطمأنينة. لكنّ ذلك ليس العلاج الناجع، لا سيّما مع بقاء ديون الشركات الأجنبية على حالها والتي تُقدَّر بـ 34 مليون يورو".
اقــرأ أيضاً
ويؤكد لـ "العربي الجديد" أنّ "الحل الجذري يكمن في توفير النقد الأجنبي، خصوصاً أنّ المخزون لن يكفي أكثر من شهرَين". يضيف ساتي أنّ "استمرار الوضع على هذا الحال سوف يؤدّي إلى دخول أدوية مهربة ومغشوشة، وكذلك إلى ارتفاع أسعار الدواء حتى تكون بمتناول المقتدرين فقط". ويقترح "توسيع مظلة التأمين الصحي لجهة زيادة عدد المشتركين، خصوصاً أنّ العدد الحالي لا يتناسب مع حجم السكان ونسب الفقر، بالإضافة إلى زيادة عدد الأصناف الدوائية التي يوفّرها التأمين الصحي لأنّ الأصناف الحالية قليلة جداً". ويشدد على "ضرورة دعم الأدوية التي يستهلكها المرضى مدى الحياة مثل أدوية السكري وارتفاع ضغط الدم والأمراض النفسية والعقلية"، مطالباً أن "يكون الدواء في مقدّمة السلع التي تدعمها الحكومة قبل الوقود والكهرباء".
وكان مجلس الوزراء السوداني قد أجاز في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي خطة حول الصناعات الدوائية تستهدف إنتاج 80 في المائة من قائمة الأدوية الأساسية بحلول عام 2020. وفي السياق، قال رئيس الوزراء، معتز موسى، إنّ قضية الدواء من أولويات حكومته الحريصة على توفير الدواء للمواطن بالسعر المناسب، متعهداً بالاستمرار في التكفل بالعلاج المجاني للطوارئ والأطفال دون الخامسة ومرضى السرطان والكلى، بالإضافة إلى الالتزام بإتاحة خدمة التأمين الصحي لكل السكان.
منذ بداية العام الجاري الذي يوشك على نهايته، راحت أسعار الأدوية في السودان ترتفع بنسب عالية جداً بلغت 300 في المائة بالنسبة إلى بعض الأصناف، وذلك نتيجة سياسات اقتصادية اعتمدتها الحكومة أدّت إلى تراجع العملة الوطنية في مقابل العملات الأجنبية، خصوصاً الدولار الأميركي المعتمَد بشكل أساسي في استيراد الدواء. ومع بداية شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، توقّفت شركات كثيرة، وكذلك الأمر بالنسبة إلى عدد كبير من مستوردي الأدوية، عن بيع مخزون الأدوية لديها، نتيجة قرار حكومي جديد يقضي بإلغاء اعتماد سعر الدولار التشجيعي المحفّز على الاستيراد. ومنذ ذلك الحين، تُسجَّل في البلاد ندرة كبيرة في الأدوية، بما في ذلك ما هو منقذ للحياة.
تعتمد الحكومة السودانية على الصندوق القومي للإمدادات الطبية (حكومي) في توفير أصناف كثيرة من الأدوية، لكنّ الصندوق يركّز جهده أكثر على توفير الأدوية المنقذة للحياة مجاناً لأقسام الحوادث والطوارئ، بالإضافة إلى توفير الأمصال. في الوقت نفسه، تتيح الحكومة لشركات الأدوية استيراد بقيّة الأصناف، على أن تمنحها بعض التسهيلات. يُذكر أنّ البلاد تعتمد بنسبة 30 في المائة فقط على الإنتاج المحلي في استهلاكها للدواء.
وقبل أيام، استدعى البرلمان السوداني وزير الصحة محمد أبو زيد مصطفى لتقديم تقرير حول واقع الدواء في البلاد، وقد بدا الوزير صريحاً إذ عرض صورة سوداء لا تقل قتامة عن تلك التي رسمها الآخرون. وأوضح الوزير أنّ 34 صنفاً نفدت كلياً من مخازن الصندوق القومي للإمدادات الطبية، وكلها تُعَدّ من الأدوية المنقذة للحياة، مشيراً إلى أنّ 27 صنفاً تتوفّر في المخازن الحكومية وهي لا تكفي إلا لشهر واحد فقط بينما ثمّة 41 صنفاً يكفي مخزونها لمدّة شهرَين. وعزا مصطفى الأزمة كلها إلى عدم توفّر النقد الذي دفع 33 شركة أجنبية إلى التوقف عن التعامل مع الهيئة العامة للإمدادات الطبية المركزية إلى حين تسديد الديون السابقة البالغة 34 مليون يورو والتي تراكمت منذ بداية العام الجاري. وشكا للبرلمان، بصفته جهة رقابية، عدم التزام بنك السودان المركزي بتوفير المبالغ المطلوبة.
تبدو الصورة أكثر قتامة لدى الأطباء، ويقول الدكتور محمد ناجي لـ"العربي الجديد" إنّه "من
خلال الممارسة اليومية، نرصد ما وصلت إليه الحال من شحّ في أدوية لا يحتمل المرضى التأخّر في استهلاكها دقيقة واحدة، من قبيل أدوية القلب والأدوية الخاصة بارتفاع ضغط الدم التي توصَف للمريض في أقسام الحوادث (الطوارئ)". ويؤكد أنّ "وضع الدواء حالياً كارثي بكل ما تعني الكلمة"، مشيراً إلى "ارتفاع أسعار الأدوية المتوفّرة وبيعها في السوق السوداء".
يضيف ناجي أنّ "ثمّة مبادرات مجتمعية لمنظمات شبابية تنشط في مجال توفير الأدوية للفقراء، فشلت أخيراً في مهامها بسبب ندرة الدواء في الصيدليات. والمسؤولية تقع على الحكومة التي أصدرت قرارها برفع الدعم عن الدواء بعد تحرير سعر الدولار. فالحكومة تخلّت بتلك القرارات عن مسؤوليتها القانونية والدستورية القاضية بتوفير الأدوية المنقذة للحياة مجاناً للمواطنين وكذلك العلاجات المطلوبة لكل الأطفال دون الخامسة من عمرهم". ويلفت إلى أنّ "ثمّة مرضى يدخلون المستشفيات، وحينما يتفاجأون بسوء الخدمات الطبية وارتفاع تكلفة العلاج، يعودون إلى منازلهم من دون أن يُعرف مصيرهم".
من جهته، يطالب رئيس الجمعية السودانية لحماية المستهلك، الدكتور نصر الدين شلقامي، الحكومة بـ"التدخل لتدارك الموقف الراهن في قطاع الدواء. والتدخل يكون بدعم الدولة مباشرة للدواء، لا سيّما في ظل تفاقم الفقر في البلاد". يضيف شلقامي لـ"العربي الجديد" أنّ "الجمعية سوف تستمر في ضغطها على الحكومة من أجل الإيفاء بالتزاماتها، وهي أوصلت صوتها إلى داخل المجلس القومي للأدوية والسموم بصفتها عضوا فيه. ونحن نتوقع صدور قرارات في هذا الشأن بعد أيام قليلة".
في السياق، يشير الصحافي الطاهر ساتي المهتم بموضوع الأدوية، إلى أنّ "الحكومة بدأت تستدرك المشكلة الراهنة من خلال تخصيص 10 ملايين يورو لصندوق الإمدادات الطبية بغرض استيراد أدوية جديدة من شأنها أن تخلّف بعضاً من الطمأنينة. لكنّ ذلك ليس العلاج الناجع، لا سيّما مع بقاء ديون الشركات الأجنبية على حالها والتي تُقدَّر بـ 34 مليون يورو".
ويؤكد لـ "العربي الجديد" أنّ "الحل الجذري يكمن في توفير النقد الأجنبي، خصوصاً أنّ المخزون لن يكفي أكثر من شهرَين". يضيف ساتي أنّ "استمرار الوضع على هذا الحال سوف يؤدّي إلى دخول أدوية مهربة ومغشوشة، وكذلك إلى ارتفاع أسعار الدواء حتى تكون بمتناول المقتدرين فقط". ويقترح "توسيع مظلة التأمين الصحي لجهة زيادة عدد المشتركين، خصوصاً أنّ العدد الحالي لا يتناسب مع حجم السكان ونسب الفقر، بالإضافة إلى زيادة عدد الأصناف الدوائية التي يوفّرها التأمين الصحي لأنّ الأصناف الحالية قليلة جداً". ويشدد على "ضرورة دعم الأدوية التي يستهلكها المرضى مدى الحياة مثل أدوية السكري وارتفاع ضغط الدم والأمراض النفسية والعقلية"، مطالباً أن "يكون الدواء في مقدّمة السلع التي تدعمها الحكومة قبل الوقود والكهرباء".
وكان مجلس الوزراء السوداني قد أجاز في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي خطة حول الصناعات الدوائية تستهدف إنتاج 80 في المائة من قائمة الأدوية الأساسية بحلول عام 2020. وفي السياق، قال رئيس الوزراء، معتز موسى، إنّ قضية الدواء من أولويات حكومته الحريصة على توفير الدواء للمواطن بالسعر المناسب، متعهداً بالاستمرار في التكفل بالعلاج المجاني للطوارئ والأطفال دون الخامسة ومرضى السرطان والكلى، بالإضافة إلى الالتزام بإتاحة خدمة التأمين الصحي لكل السكان.