أدى العنف العشائري في محافظة البصرة العراقية إلى مقتل وإصابة مئات المدنيين منذ مطلع العام الجاري، وسط غياب كامل لسلطة الدولة وعجزها عن السيطرة عليه. واعتبرت جهات سياسية أن هذا العنف يغذيه التدخل الإقليمي، في حين اتهمت أخرى الجهات الأمنية بتحقيق مكاسب مادية من خلافات العشائر.
وكشف مدير مكتب مجلس النواب في البصرة، محمد كاظم، عن بلوغ عدد القتلى في المحافظة من جراء النزاعات العشائرية نحو 133 قتيلا، وإصابة أكثر من 411 آخرين منذ بداية العام الجاري 2018.
وقال كاظم: "محافظة البصرة شهدت حوادث عديدة من جراء الصراعات العشائرية سقط خلالها ضحايا من المدنيين، ووثق المكتب سقوط 133 قتيلاً و411 جريحاً منذ مطلع 2018 ولغاية نوفمبر/تشرين الثاني الجاري"، داعياً الأجهزة الأمنية إلى "أخذ دورها، والعمل بحزم لإنهاء تلك الصراعات والقبض على كل من يرفع السلاح بوجه سلطة القانون".
من جهته، عبّر النائب عن البصرة، خالد الجشعمي، خلال حديثه مع "العربي الجديد"، أنّ "المحافظة تعاني انفلاتاً في الوضع الأمني، من جرّاء النزاعات العشائرية التي تستخدم فيها مختلف أنواع الأسلحة، بما فيها الصواريخ، فيما تجد قوات الأمن نفسها عاجزة أمام هذا الوضع المتردي الذي نعيشه".
وأكد أنّه "بفعل هذا العنف الذي يؤدي أحيانا إلى سقوط أبرياء وما يترتب عليه من عمليات ثأر، تقف القوات الأمنية على حياد خوفا من الانتقام".
وبالعادة، تكون المعارك تلك بسبب خلافات على الأراضي والمياه، أو ثارات قديمة كانت خامدة بسبب قوة الدولة قبل الاحتلال أو بسبب التنافس.
ورأى ناشطون أنّ هناك جهات إقليمية تعمل على إرباك وضع المحافظة. وقال الناشط المدني حسن المنصوري: "هناك سبب خارجي لاستمرار تلك المعارك القبلية كون بقاء التناحر القبلي يعني استمرار ضعف مؤسسات الدولة واستمرار سيطرة القوى السياسية والدينية عليها".
وأكد في حديثه لـ "العربي الجديد"، أنّ "الأحزاب شاهدت بالدليل ما يمكن أن تفعله العشيرة بالجنوب عندما دخلت على خط المظاهرات، لذا تحاول إضعافها بشتى الطرق، ولإيران دور واضح في إذكاء الخلافات القبلية"، لافتاً إلى أنّ "الدور الأبرز في البصرة هو دور إيران والحرس الثوري تحديدا".
وقال: "الخلافات العشائرية في المحافظة معناها زيادة كمية الأموال في جيوب القيادات الأمنية، التي باتت تغتني من هذه النزاعات مقابل السكوت عن هذا وعن ذاك، ومن ثم أصبحت النزاعات العشائرية في البصرة مصدر ربح للكثير من تلك القيادات في وزارتي الداخلية والدفاع، وأصبحت المناصب الأمنية في البصرة تباع وتشترى بملايين الدولارات".
واعتبر مسؤولون أنّ مشاكل المحافظة تؤشر على غياب واضح لسلطة الدولة. وقال النائب عن تيار الحكمة علي البديري في حديث لـ"العربي الجديد": "هناك غياب للقانون، وظهور للنزاعات العشائرية والقبلية والفئوية في هذه المنطقة، وكل مكان تخرج منه نزاعات وخلافات عشائرية وتؤدي إلى الاقتتال يعني عدم وجود حكومة وسيطرة القانون العشائري مكانها".
وشدد على أنّ "هذه الظاهرة تعطي للعالم انطباعاً سيئاً عن أهل العراق، بأنّ الذي يحكم ليس دولة ولا الحكومة، وإنما هناك سيطرة للعشائر، وهذه السيطرة غير خارجة عن قدرة الدولة".
وقال النائب عن البصرة حسن خلاطي في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "قضية النزاعات العشائرية في البصرة هي موضوع ليس جديداً بل قديم ومتأصل، نتيجة الخلافات التي تحصل، كما هو الحال في باقي المحافظات".
وأكد: "نسعى إلى تقليل المشاكل التي تحصل نتيجة الخلافات العشائرية، وهناك لجان تم تشكيلها لمتابعة ذلك، ونعتقد أنّ العشائر في البصرة قادرة على تجاوز الخلافات وحصرها الخلافات ومنع تطورها إلى الحدود المرعبة".