لم يكن العراقيون قبل الاحتلال الأميركي عام 2003 يقصدون محال بيع الملابس المستعملة أو ما يطلق عليها "البالة". وكانت معامل وشركات الإنتاج المحلية تصنع ما يحتاجه السوق، وكان هناك اكتفاء ذاتي حتى في ظل الحصار الاقتصادي الذي فرضه قرار الأمم المتحدة عام 1990، نتيجة اقتحام القوات العسكرية العراقية الكويت. وتتوزّع محال بيع الملابس المصنوعة محلياً على ما أطلق عليه "الأورزديات"، التي توفّر للعراقيين كل الاحتياجات وبأسعار مناسبة. إلّا أنّ ارتفاع نسبة الفقر في البلاد، وهشاشة الوضع الاقتصادي، والتدهور المعيشي خلال السنوات العشر الماضية، وسقوط مدن عراقية بيد تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، دفع الكثير من التجار إلى استيراد ملابس مستعملة أوروبية وأميركية.
وتتوزّع أسواق البالة في غالبيّة محافظات العراق، وتكثر في بغداد، خصوصاً في البياع والكاظمية والباب الشرقي والباب المعظم، إضافة إلى أخرى في المنصور والكرادة. والمدينتان الأخيرتان تبيعان أنواعاً يعتبرها المواطنون فاخرة ومستعملة، ما يعني أنّ "البالة" في العراق ليست على مستوى واحد. فما يباع على أرصفة حي فضوة عرب في العاصمة هو الأكثر رداءة. أما محال بالة الكرادة، فهي أغلى ثمناً كونها أفضل. ومع بدء فصل الشتاء، باشر الفقراء التوجّه إلى هذه الأسواق، وتأمين مختلف أنواع الملابس من جوارب وبناطيل ومعاطف، ولكلا الجنسين.
والفقر هو السبب الرئيسي لانتشار أسواق البالة في العراق. وبحسب تقرير لوزارة التخطيط العراقية أصدرته في وقت سابق هذا العام، بيّنت أنّ نسب الفقر ارتفعت في المدن التي احتلها تنظيم "داعش" إلى 41 في المائة، علماً أنها لم تكن قبل ذلك تتجاوز 20 في المائة.
اقــرأ أيضاً
وأوضحت أنّ نسبة الفقر في محافظات جنوب العراق بلغت 31.5 في المائة، وفي محافظات الوسط 17 في المائة، وفي بغداد 13 في المائة، في حين ارتفعت في إقليم كردستان العراق إلى 12.5 في المائة بعدما كانت ثلاثة في المائة قبل عام 2014.
في سوق الباب الشرقي، يقول محمد الرفاعي، وهو مواطن من بغداد: "بعض الناس مجبرون على التوجّه إلى سوق البالة بسبب الفقر". ويبيّن لـ "العربي الجديد" أن "الملابس التي يبيعها أصحاب البسطات تعدّ رخيصة بالمقارنة مع البضائع المستوردة التي تباع في المحال. المواطن الفقير ليس قادراً على شراء معطف بسعر 40 ألف دينار عراقي (نحو 30 دولاراً أميركياً)، ولا بنطال بسعر 20 ألف دينار (15 دولاراً أميركياً). لكن من خلال البالة، يمكنه شراء ما يريد بأسعار بسيطة جداً. البنطال الجيّد ذو القماش السميك الذي يساعد على تحمل البرد يمكن الحصول عليه بأقل من 5 آلاف دينار (ثلاثة دولارات أميركية)".
ويشير إلى أنّ "البالة ليست سيئة، وتحتوي على ما هو جيّد ونظيف إضافة إلى ماركات عالمية. أحياناً، نجد فيها قطعاً لم تستخدم نهائياً"، موضحاً أن "ملابس البالة التي تدخل العراق تخضع إلى رقابة حكومية للتأكد من عدم حملها للأمراض. كما نسمع من أصحاب محال البالة أن الملابس تمر بمراحل عدة قبل نزولها إلى السوق، وتعرض على لجان تجارية وصحية وبيئية، وقد تُسحب وتُتلف إذا اكتشف أنها تسبّب أمراضاً جلدية".
من جهته، يبيّن الشاب أمير يحيى أن عائلات عراقية كثيرة من ذوي الدخل المحدود والمتوسط، تتوجّه إلى البالة بسبب رخص أسعار الملابس أولاً، ونوعيّتها الجيّدة ثانياً، إضافة إلى توفّر أنواع مختلفة قد لا تكون موجودة في الأسواق التجارية التي تبيع الملابس الجديدة. ويوضح لـ "العربي الجديد" أنّه "تتوفّر في البالة ملابس غالية الثمن، ويصل سعر بعض الأحذية إلى 100 دولار أميركي كونها من ماركات عالمية".
يضيف: "الأمر الجيد في البالة أنّها تتوفّر على ملابس رخيصة ومتنوعة. هناك محال بالة تبيع الملابس الرياضية والعسكرية أو الخاصة بالعمل. وهناك محال تبيع ملابس نسائية أو رجالية وأخرى للأطفال". وليس غريباً أن ينادي صاحب محل بيع ملابس البالة: "ثلاثة بسعر معين والرابعة هدية"، ما يعني أن الذي يشتري ثلاث قطع متفرقة سيحصل على قطعة رابعة مجاناً.
اقــرأ أيضاً
ولا تقتصر البالة على الملابس والحقائب، بل هناك أسواق جديدة لعرض المستلزمات المنزلية والأجهزة الإلكترونية. في هذا الإطار، يقول صاحب مجمع التسوق السريع في منطقة الكرادة صهيب مزهر، لـ "العربي الجديد": "المحال التي أعمل فيها تبيع الأجهزة الكهربائية المستعملة المستوردة من الخارج. وحين تصل إلى هنا، يكون فيها خلل كهربائي بسيط نُصلحه ثم نبيع السلعة بسعر مناسب". ويشير إلى أن "بيوتاً كاملة أُثّثت من خلال محالنا التجارية، إذ إن زبائننا ليسوا من الفقراء فقط، بل أيضاً من ذوي الدخل المتوسط. هؤلاء يعمدون إلى التسوق من محالنا لأن البضاعة أصلية مقارنة بتلك الصينية المتوفرة بأسعار غالية، فضلاً عن وجود تحف ذات طابع غربي تستهوي الكثير من البغداديين".
ويعزو مُتابعون للشأن المحلّي العراقي انتشار أسواق البالة في العراق إلى سوء إدارة الطبقة السياسية الحاكمة للبلاد منذ عام 2003 وحتى اليوم. والشخصيات التي تولّت مناصب رفيعة في الحكومة لها ولاءاتها الخارجية، وتنفّذ أوامر تفرضها دول خارجية، علماً أن العراق يملك موارد اقتصادية متنوعة. لكن الفشل في إدارتها أدى إلى ارتفاع نسبة الفقر في البلاد.
وتتوزّع أسواق البالة في غالبيّة محافظات العراق، وتكثر في بغداد، خصوصاً في البياع والكاظمية والباب الشرقي والباب المعظم، إضافة إلى أخرى في المنصور والكرادة. والمدينتان الأخيرتان تبيعان أنواعاً يعتبرها المواطنون فاخرة ومستعملة، ما يعني أنّ "البالة" في العراق ليست على مستوى واحد. فما يباع على أرصفة حي فضوة عرب في العاصمة هو الأكثر رداءة. أما محال بالة الكرادة، فهي أغلى ثمناً كونها أفضل. ومع بدء فصل الشتاء، باشر الفقراء التوجّه إلى هذه الأسواق، وتأمين مختلف أنواع الملابس من جوارب وبناطيل ومعاطف، ولكلا الجنسين.
والفقر هو السبب الرئيسي لانتشار أسواق البالة في العراق. وبحسب تقرير لوزارة التخطيط العراقية أصدرته في وقت سابق هذا العام، بيّنت أنّ نسب الفقر ارتفعت في المدن التي احتلها تنظيم "داعش" إلى 41 في المائة، علماً أنها لم تكن قبل ذلك تتجاوز 20 في المائة.
وأوضحت أنّ نسبة الفقر في محافظات جنوب العراق بلغت 31.5 في المائة، وفي محافظات الوسط 17 في المائة، وفي بغداد 13 في المائة، في حين ارتفعت في إقليم كردستان العراق إلى 12.5 في المائة بعدما كانت ثلاثة في المائة قبل عام 2014.
في سوق الباب الشرقي، يقول محمد الرفاعي، وهو مواطن من بغداد: "بعض الناس مجبرون على التوجّه إلى سوق البالة بسبب الفقر". ويبيّن لـ "العربي الجديد" أن "الملابس التي يبيعها أصحاب البسطات تعدّ رخيصة بالمقارنة مع البضائع المستوردة التي تباع في المحال. المواطن الفقير ليس قادراً على شراء معطف بسعر 40 ألف دينار عراقي (نحو 30 دولاراً أميركياً)، ولا بنطال بسعر 20 ألف دينار (15 دولاراً أميركياً). لكن من خلال البالة، يمكنه شراء ما يريد بأسعار بسيطة جداً. البنطال الجيّد ذو القماش السميك الذي يساعد على تحمل البرد يمكن الحصول عليه بأقل من 5 آلاف دينار (ثلاثة دولارات أميركية)".
ويشير إلى أنّ "البالة ليست سيئة، وتحتوي على ما هو جيّد ونظيف إضافة إلى ماركات عالمية. أحياناً، نجد فيها قطعاً لم تستخدم نهائياً"، موضحاً أن "ملابس البالة التي تدخل العراق تخضع إلى رقابة حكومية للتأكد من عدم حملها للأمراض. كما نسمع من أصحاب محال البالة أن الملابس تمر بمراحل عدة قبل نزولها إلى السوق، وتعرض على لجان تجارية وصحية وبيئية، وقد تُسحب وتُتلف إذا اكتشف أنها تسبّب أمراضاً جلدية".
من جهته، يبيّن الشاب أمير يحيى أن عائلات عراقية كثيرة من ذوي الدخل المحدود والمتوسط، تتوجّه إلى البالة بسبب رخص أسعار الملابس أولاً، ونوعيّتها الجيّدة ثانياً، إضافة إلى توفّر أنواع مختلفة قد لا تكون موجودة في الأسواق التجارية التي تبيع الملابس الجديدة. ويوضح لـ "العربي الجديد" أنّه "تتوفّر في البالة ملابس غالية الثمن، ويصل سعر بعض الأحذية إلى 100 دولار أميركي كونها من ماركات عالمية".
يضيف: "الأمر الجيد في البالة أنّها تتوفّر على ملابس رخيصة ومتنوعة. هناك محال بالة تبيع الملابس الرياضية والعسكرية أو الخاصة بالعمل. وهناك محال تبيع ملابس نسائية أو رجالية وأخرى للأطفال". وليس غريباً أن ينادي صاحب محل بيع ملابس البالة: "ثلاثة بسعر معين والرابعة هدية"، ما يعني أن الذي يشتري ثلاث قطع متفرقة سيحصل على قطعة رابعة مجاناً.
ولا تقتصر البالة على الملابس والحقائب، بل هناك أسواق جديدة لعرض المستلزمات المنزلية والأجهزة الإلكترونية. في هذا الإطار، يقول صاحب مجمع التسوق السريع في منطقة الكرادة صهيب مزهر، لـ "العربي الجديد": "المحال التي أعمل فيها تبيع الأجهزة الكهربائية المستعملة المستوردة من الخارج. وحين تصل إلى هنا، يكون فيها خلل كهربائي بسيط نُصلحه ثم نبيع السلعة بسعر مناسب". ويشير إلى أن "بيوتاً كاملة أُثّثت من خلال محالنا التجارية، إذ إن زبائننا ليسوا من الفقراء فقط، بل أيضاً من ذوي الدخل المتوسط. هؤلاء يعمدون إلى التسوق من محالنا لأن البضاعة أصلية مقارنة بتلك الصينية المتوفرة بأسعار غالية، فضلاً عن وجود تحف ذات طابع غربي تستهوي الكثير من البغداديين".
ويعزو مُتابعون للشأن المحلّي العراقي انتشار أسواق البالة في العراق إلى سوء إدارة الطبقة السياسية الحاكمة للبلاد منذ عام 2003 وحتى اليوم. والشخصيات التي تولّت مناصب رفيعة في الحكومة لها ولاءاتها الخارجية، وتنفّذ أوامر تفرضها دول خارجية، علماً أن العراق يملك موارد اقتصادية متنوعة. لكن الفشل في إدارتها أدى إلى ارتفاع نسبة الفقر في البلاد.