ضحايا السيول... الطقس السيئ يزيد آلام الأردن

11 نوفمبر 2018
البحث جارٍ عن طفلة مفقودة (خليل مزرعاوي/ فرانس برس)
+ الخط -

في أسبوعين لا أكثر، تسببت السيول في الأردن في وفاة أكثر من ثلاثين شخصاً. فبعد كارثة البحر الميت في أواخر أكتوبر الماضي، كان الأردنيون على موعد مع كارثة جديدة في محافظة مادبا، أمس الأول.

قالت إدارة الإعلام في الدفاع المدني الأردني إنّ حصيلة الوفيات بسبب الأحوال الجوية في المملكة، وصلت إلى 12 شخصاً والبحث جارٍ عن طفلة مفقودة، فيما أشارت وزارة شؤون الإعلام إلى فقدان الاتصال بإسرائيليين اثنين.

وأضافت المديرية، ظهر أمس السبت، أنّه نقل آلاف المواطنين إلى أماكن آمنة وجرى إسعاف 12 شخصاً وصفت حالتهم بين المتوسطة والبسيطة، مشيرة إلى أنّ وعورة المنطقة وغزارة الأمطار وتشكل السيول وما رافقها من طمي وأتربة وانهيارات تسببت في إعاقة عمليات البحث.

عمليات الإنقاذ نفذتها فرق الغطاسين وفريق البحث والإنقاذ الأردني، وعدد كبير من الآليات والمعدات المتخصصة، بمشاركة الجيش والأمن العام والدرك ووزارة الأشغال العامة ووزارة البلديات، بالإضافة إلى عدد من المروحيات العمودية التابعة لسلاح الجو الملكي.

من جهتها، قالت وزيرة الدولة لشؤون الإعلام، الناطقة الرسمية باسم الحكومة الأردنية، جمانة غنيمات، إنّ مجلس إدارة المركز الوطني للأمن وإدارة الأزمات، قرر أن يكون في انعقاد دائم لمتابعة الحالة الجوية السائدة وعمليات الإخلاء والبحث عن المفقودين. أضافت غنيمات، أنّ الاجتماع الذي يرأسه رئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز بحضور عدد من الوزراء وقادة الأجهزة المعنية "يتابع الإجراءات التي تجري على أرض الواقع في البحث عن بقية المفقودين، وجهود الإخلاء والإيواء"، مؤكدة أن الجهود التي تقوم بها مختلف الوزارات والمؤسسات والأجهزة مستمرة في مختلف مناطق المملكة. تابعت أنّ عمليات البحث عن الطفلة الأخيرة المفقودة في منطقة وادي الهيدان بمحافظة مادبا (وسط)، الأكثر تضرراً، مستمرة.



احتياطات
من جهته، يقول عضو مجلس النواب الأردني عن محافظة مادبا، نبيل غيشان، لـ"العربي الجديد" إنّ مناطق البحث وعرة، ولا خدمات فيها، ما يجعلها عرضة أكثر من غيرها لأضرار، مشيراً إلى أنّ أكبر منتجع وفندق في منطقة ماعين، معرض لخطر كبير. يطالب بإيجاد نظام إنذار مبكر في المنطقة، مشيراً إلى أنّ هذه المنطقة باتت خطرة، وخلال أسبوعين شهدت فقدان عشرات المواطنين بسبب السيول، كما يطالب بوضع إرشادات تحذيرية هناك، وعلى المدى الطويل إنشاء سدود للتخفيف من أثر السيول وتجمع المياه.

يضيف غيشان أنّ على المواطنين أن يكونوا أكثر حذراً، وتصديقاً للنشرات الصادرة عن دائرة الأرصاد الجوية، حتى يتجنبوا المخاطر التي تسببها مثل هذه الأحوال الجوية. وحول رد فعل الحكومة، يقول إنّها أصبحت أكثر استجابة: "الأداء الحكومي خلال السيول الأخيرة كان مواكباً للحدث، وكنا على اتصال دائم مع رئيس الوزراء عمر الرزاز ومختلف الجهات المعنية". تابع أنّ حادث الأمس مختلف عن فاجعة تلاميذ البحر الميت، ففي المرة السابقة هناك من جاء إلى مناطق الخطر، أما في الأمس، فالسيول داهمت المواطنين في أماكن سكنهم، مشيراً إلى أنّ التعامل مع السيول في البتراء كان جيداً، وهذه التجربة للإنذار المبكر يجب أن تعمم.

بدوره، يقول الكاتب الصحافي، زياد الرباعي، لـ"العربي الجديد" إنّ ارتفاع عدد الضحايا مرتبط بالتقصير، وتهالك البنية التحتية، مطالباً بأن تكون أولويات الإنفاق الحكومي مرتبطة بالمحافظة على حياة المواطنين. يضيف أنّ الناس يتحملون جزءاً من المسؤولية، فهناك تحذيرات من خطر تشكل السيول قبل عدة أيام، ومجاري السيول معروفة، لكنّهم يغامرون أحياناً بالذهاب إلى أماكن الخطر.

يتابع أنّ هناك مؤشرات على التغير المناخي، الذي بات يشكل خطراً على السلامة العامة، وعلى الجميع التنبه وأخذ الاحتياطات وفق ما يوصي به الخبراء والدراسات العلمية. ويقول إنّ تعامل الحكومة مع الظروف الجوية السائدة حالياً كان أفضل من تعاملها، وقت فاجعة البحر الميت، لكنّه يطالب أن تتولى وزارة الداخلية إدارة عمليات الإنقاذ حتى تتحمل المسؤولية المباشرة عن الأداء، بدلاً من مركز إدارة الأزمات.




تغير مناخي
تقول الخبيرة في مجال البيئة، صفاء الجيوسي، لـ"العربي الجديد" حول التغير المناخي وأثره على الأردن، إنّ ما يحدث ليس مفاجئا، ابتداء من كارثة البحر الميت حتى ما يحدث الآن بجنوب الأردن، فأصحاب القرار يعرفون به، مشيرة إلى أنّ تقريراً من "اللجنة الدولية للتغيرات المناخية (IPCC)" عام 2018 أكد أنّ عدد الأيام الماطرة في الأردن سوف يقلّ، لكنّ حدّة الأمطار ستزيد، كما في دول أخرى في هذه المنطقة.

تضيف: "بحسب تقرير التواصل الوطني الثالث للأردن عام 2014 حول تغير المناخ الذي قدمته الحكومة للأمم المتحدة، فإنّ الأردن ستعاني من الفيضانات والأمطار الغزيرة المفاجئة، ولن تأتي حدة الطقس بسبب التغير المناخي في شكل جفاف شديد، فقط، بل أيضاً في شكل أمطار وفيضانات. الحكومة على علم بذلك منذ سنوات، لكنّنا لم نشهد على أيّ إصلاح للبنية التحتية يأخذ في الاعتبار التغيّر المناخي ويحترم أرواحنا".

بدورها، حذرت دائرة الأرصاد الجوية من الحالة الجوية ليوم السبت، مشيرة إلى أنّ حالة الطقس تبقى غير مستقرة، وتسقط زخات من المطر بين الحين والآخر في أنحاء متفرقة من المملكة، خصوصاً الأجزاء الشرقية والشمالية والوسطى، تكون غزيرة أحياناً يصحبها البرق والرعد في بعض الأحيان، مما يؤدي إلى تشكل السيول في الأودية والمناطق المنخفضة ومناطق تجمع المياه، كما يتوقع أن يرافق الهطولات المطرية تساقط زخات من البرد في بعض المناطق.

وكانت مناطق لواء ذيبان تعرضت لأمطار غزيرة بعد عصر الجمعة شكلت سيولاً جارفة تسببت في انهيارات محدودة في وادي الوالة وفيضان السد. وشيع الآلاف ظهر السبت، جثمان الوكيل الغطاس، حارث ناصر الجبور، في مسقط رأسه ببلدة أم بطمة في سحاب، وكان قد توفي، الجمعة، أثناء عملية البحث عن مفقودين في منطقة ضبعة.

وقال محافظ معان، أحمد العموش إنّه جرى إجلاء 4072 شخصاً في عدد من مناطق المحافظة بمن فيهم سائحون في مدينة البتراء، كانوا محاصرين بسبب مياه الأمطار والسيول المتدفقة، فجرى تأمينهم، وتقديم الخدمات اللازمة لهم.

وأعلنت القوات المسلحة الأردنية أنّها آوت 18 عائلة أردنية وسورية في مدرسة أذرح العسكرية بمحافظة معان مكونة من 109 أشخاص حاصرتهم السيول.



طائرات وقوارب
من جهته، قال مدير التوجيه المعنوي في القيادة العامة للقوات المسلحة الأردنية، عودة شديفات، إنّ القوات المسلحة حركت طائرات وقوارب وناقلات جند ووحدات مدفعية للإنقاذ وتوفير الإنارة لإجراء عمليات البحث في المناطق التي داهمتها السيول. وقامت مجموعات نقطة شرطة أذرح ومجموعات الأمن الوقائي بإجلاء 11 عائلة مكونة من 55 شخصاً من الجنسية السورية إلى مدرسة أذرح الثانوية للبنات. وكانت الأسر في بيوت الشعر والخيم في مجاري الأودية. كما جرى نقل 10 أسر أردنية في منطقة المريغة تقطن في خيم إلى منازل في البلدة.

بدوره، قال رئيس سلطة إقليم البتراء التنموي السياحي بالإنابة، سليمان الفرجات، إنّ كوادر السلطة وآلياتها تعمل على مدار الساعة على صيانة عدد من المواقع التي تضررت من جراء السيول والانجرافات التي نتجت من تساقط الأمطار، الجمعة، مشيراً إلى تعليق الدخول إلى المحمية الأثرية أمس، بسبب أعمال الصيانة. وقال إنّ كوادر السلطة قامت بصيانة وتهيئة عدد من المواقع داخل المحمية الأثرية وتنظيف مجاري السيول إلى جانب صيانة المواقع المتضررة داخل وادي موسى.

من جانبه، قال وزير المياه والري، رائد أبو السعود، إنّ سدود المملكة الرئيسية الـ14 خزنت نحو 9 ملايين متر مكعب خلال 48 ساعة، من كامل سعتها التخزينية البالغة 336 مليون متر مكعب، وبنسبة تزيد على 26 في المائة، من الطاقة التخزينية الكاملة لها. وأوضح أنّ كميات الهطول على جميع مناطق المملكة خلال المنخفض الأخير بلغت 512 مليون متر مكعب، مشكّلة ما نسبته 6 في المائة من المعدل السنوي، الطويل الأمد، مشيراً إلى أنّ محافظة مادبا سجلت أعلى نسبة هطول، إذ بلغ في منطقة الوالة 25.6 مليمترا خلال الـ48 ساعة الماضية.

وتسببت السيول العارمة التي داهمت منطقة البحر الميت قبل أسبوعين، بسقوط 21 قتيلاً و43 مصاباً، جلّهم من الأطفال، الذين كانوا في رحلة مدرسية في منطقة زرقاء ماعين القريبة من البحر الميت. مما يرفع عدد ضحايا السيول في الأردن خلال العام الحالي إلى 33 قتيلاً، ونحو 55 مصاباً.




على صعيد متصل، قالت غنيمات، إنّ "سفارتنا في تل أبيب تواصلت مع وزارة الخارجية الإسرائيلية بهدف التأكد من فقدان إسرائيليين وطلب أسمائهم، وأوضحت أنّه لغاية اللحظة، تواصل 4 إسرائيليين مع أسرهم، وما زالت المعلومات بشأن اثنين آخرين غير مؤكدة".
المساهمون