مكتبة في سيارة بجنوب لبنان

26 أكتوبر 2018
يبلغ من العمر 77 عاماً (العربي الجديد)
+ الخط -
أمام مباني الجامعة اللبنانية (الجامعة الرسمية) في مدينة صيدا، جنوب لبنان، كتب متنوعة تفترش أحد الأرصفة وتحتل الجهة الخلفية لإحدى السيارات بينما يجلس البائع أمامها. ليست هذه الكتب من ضمن المناهج الجامعية المقررة، فاحتشاد الطلاب أمامها ليس مألوفاً في ظلّ ابتعاد كثيرين عن القراءة.

لكنّ تلك الكتب المتنوعة ما بين الأدب، والعلوم، والسياسة، والاجتماع، تغري كثيرين من المارة، ومن بينهم بعض الطلاب. من جهته، يقول صاحب البسطة، عبد الجليل ضاهر، السبعيني الذي عاصر حروباً وتغيرات سياسية، ودولية، ومحلية، وقاتل في صفوف المقاومة الفلسطينية ضد المحتل الصهيوني، إنّ ما دعاه لنشر كتبه هنا هو وجود المثقفين في المنطقة.

تنقل ضاهر، وهو من بلدة عربصاليم، قضاء النبطية، من عمل إلى آخر، ومن بلد إلى آخر، سعياً وراء الرزق، حتى حطّ رحاله أخيراً في المكان الأحبّ إليه، في الجنوب اللبناني الذي ولد فيه، وترعرع، وقاتل من أجل الدفاع عنه. يتنقل بمكتبته التي يقلها بسيارته من منطقة جنوبية إلى أخرى، ولا تمنعه عن ذلك صعوبة المشي على قدميه إذ يستخدم عكازاً. حبّه للكتاب، يحفّزه على المضيّ في عمله. في الكتاب يرى نفسه، يدرك أنّه الصديق الذي لا غنى عنه، فهو يجمع العلم، والمعرفة، والوفاء.



وبالانتقال إلى النشاط التجاري لضاهر، وخصائصه، في ما يتعلق بالمبيعات والأرباح، فإنّ أسعار الكتب لديه أقرب إلى المجاني. لكنّه يؤكد أنّ مبيعات الكتب لديه، باختلاف أنواعها، مرتفعة جداً. تلك الأسعار تدفع عدداً من طلاب الجامعة وأساتذتها للإقبال عليه، خصوصاً أنّه يأتيهم بكتب غير متوافرة في المكتبات، إذ إنّها ذات طبعات قديمة فقدت من السوق منذ وقت طويل لكنّه يحصل عليها من مصادر متنوعة كالمكتبات المنزلية التي يتخلى عنها أصحابها مثلاً.

طوال أيام العمل الأسبوعية، تجد ضاهر في مكانه المعتاد، إذ يركن سيارته بما تحمله من كتب إلى جانب حائط قريب من مباني الجامعة بكلياتها العديدة التابعة للفرع الخامس، مثل كلية الآداب والعلوم الإنسانية، وكلية الصحة، والمعهد الجامعي للتكنولوجيا، بالإضافة إلى الجامعة اللبنانية - الدولية. ويرتب الكتب على الرصيف، مستخدماً صناديق بلاستيكية كطاولات أحياناً.

ولد عبد الجليل ضاهر، عام 1941. سنوات عمره طويلة ومديدة، لكنّ مكتبته المتنقلة أكبر، إذ يملك خزينة من 50 ألف كتاب تقريباً، ويحصل على المزيد دائماً. يقول لـ"العربي الجديد": "أحب الكتب، لذلك أعمل فيها. قبل فترة كنت أبيعها في بلدة البرج الشمالي، في صور (جنوب) بالإضافة إلى انتقالي بها إلى بلدة الخيام (في النبطية) أيضاً". كذلك، يشير إلى أنّه في أيام إجازة الجامعة اللبنانية في صيدا، يذهب بكتبه إلى مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين، في صيدا، وينشرها على أحد جوانب الشارع التحتاني.

يضيف: "حكايتي مع الكتب طويلة. في مراحل حياتي الأولى كنت سائقاً لباص، ومعي شريك فيه. وعام 1967، بينما كان شريكي يقل عدداً من الركاب في الجنوب، تعرض لحادث، فاحترق الباص، ومات كلّ من كان فيه. بعدها عملت في خياطة البرادي الخارجية وتركيبها، كما كنت أملك مشتلاً في النبطية، فيه شتلات ليمون وزيتون. بعد ذلك تركت العمل في لبنان، وانتقلت إلى الكويت، لأعمل في دار للنشر، فبدأت علاقتي مع الكتب عند تلك النقطة، وصرت أعشق العمل في هذا المجال".



يتابع: "قبل 13 عاماً، عدت إلى لبنان لأستقر فيه، ومنذ ذلك الحين أعمل في بيع الكتب. في البداية كانت لديّ مكتبة تجارية، لكنّ البيع فيها كان خفيفاً، ولا يجدي نفعاً، فقررت أن أبيع الكتب من خلال البسطات، فوجدت ذلك أفضل في المبيعات، لأنّ الناس عندما يرون الكتب في أماكن مرورهم، تنفتح شهيتهم للاطلاع عليها ويقبلون على شرائها، خصوصاً إذا علموا أنّ الأسعار رخيصة جداً، فالكتاب لا يتعدى ثمنه خمسة آلاف ليرة لبنانية (3.33 دولارات أميركية) وهناك كتب بثلاثة آلاف (دولارين)". يقول ضاهر: "اهتمامي بالكتب امتد إلى جمع كلّ ما هو متوافر منها، ولديّ مخطوطات ذات قيمة مرتفعة، ودائماً أبحث عمّن يود التخلص من كتبه فأشتريها منه".

أما عن الإقبال على شراء الكتب، والقراءة، في ظل هيمنة الإنترنت، فيقول: "ليس للمرء غنى عن الكتاب، فالإنترنت لا يوفر كلّ ما يرغب القارئ فيه، كما أنّ الكتاب هو الوسيلة الأساسية التي من خلالها يصل الباحث إلى مبتغاه، إذ لا يُنشر كثير من الكتب على الإنترنت".