تضامن بعد فيضانات نابل

03 أكتوبر 2018
أحياء منكوبة (ياسين قايدي/ الأناضول)
+ الخط -
بالرغم من أنّ الفيضانات التي اجتاحت محافظة نابل عرّت الواقع المرير للبنية التحتية في تونس، إلّا أنّ مشهد تضامن التونسيين مع بعضهم البعض، لا يمكن لأي كان نسيانه، إذ هبّ كثيرون لإغاثة غيرهم. من بينهم من أمسك حبلاً لنجدة عابري الطريق، وهناك من ارتمى في المياه المتدفقة التي وصلت إلى عمق مترين لنجدة المستغيثين وإنقاذ أرواح بشرية ما كانت لتنقذ لولا هذه الروح التضامنية التي كثيراً ما ميزت التونسيين في أوقات الأزمات.

يقول رئيس جمعية "متحدون من أجل الإنسانية" فرع بن عروس، عمر هارون، لـ"العربي الجديد": "نتلقى حتى اللحظة اتصالات لمساعدة منكوبي فيضانات محافظة نابل، إذ مع وقوع الكارثة تجندنا لجمع التبرعات وتلقي المساعدات بعدما قسمنا أنفسنا إلى مجموعات. كان لا بد من همزة وصل بين الراغبين في المساعدة وأشخاص يتولون إيصالها إلى المتضررين". يتابع: "صحيح أنّ الأمر كان صعباً في البداية، إذ تعيّن علينا الانتقال إلى مناطق عدة من إقليم تونس الكبرى وأخذ المساعدات من المتبرعين ثم وضعها في شاحنات لنتمكن من إيصالها إلى مستحقيها من العائلات".




يضيف هارون أنّ من بين المتطوعين التلميذ والطالب والموظف، جميعهم كرّسوا وقتهم للعمل الإنساني، إذ سبقت لهم المشاركة في أنشطة إنسانية عدة. وبمجرد وقوع كارثة نابل أطلقوا نداءات عدة للتضامن مع المتضررين فكان التفاعل سريعاً، مبيناً أنّهم سيركزون في الأيام المقبلة على بقية معتمديات محافظة نابل التي لم تصل إليها المساعدات بعد.



لم تكن المساعي الوحيدة في محافظة نابل، فيوم السبت 29 سبتمبر/ أيلول، حلّ ألف شاب تونسي من مختلف المناطق التونسية في المنطقة، وانتشروا في الشوارع والساحات والبيوت والمحلات، وعملوا طوال اليوم على تنظيف المدنية من الوحل والطين والمياه الراكدة، ونشطوا طوال اليوم ضمن مبادرة تطوعية تضامنية هي الأولى من نوعها في تونس حملت شعار "شباب سفراء التطوع". يقول مدير دار الشباب ومنسق مبادرة "شباب سفراء التطوع" بدار شعبان الفهري بنابل، وسام عبد اللطيف، لـ"العربي الجديد" إنّ المدّ التضامني لصالح نابل ما زال متواصلاً، فقد خصصوا مركزاً لجمع الأحذية والملابس المستعملة، وستتولى لجانٌ فرزها وتوزيعها على المتضررين، مبيناً أنّه جرى أيضاً تخصيص مركز لجمع التبرعات والمساعدات وتسليمها إلى الهلال الأحمر لتقديمها إلى الأهالي.



يوضح عبد اللطيف أنّ مبادرة "شباب سفراء التطوع" شملت شباباً، من الجنسين، من مختلف المحافظات التونسية ممن قدموا يد المساعدة لأهالي نابل. يوضح أنّ هذه المبادرة جاءت إثر مجلس وزاري عُقد بالمناسبة، وأنّ وزارة الشباب والرياضة هي التي تبنت الفكرة وبادرت بالتنسيق مع دور الشباب بمختلف المناطق التونسية إلى تقديم يد المساعدة للمتضررين من الفيضانات، مضيفاً أنّ المتطوعين توزعوا على سبع معتمديات، هي دار شعبان الفهري وبني خلاد وبوعرقوب وتاكلسة وسليمان ومنزل بوزلفة والحمامات، ما أثار استحسان أهالي نابل، خصوصاً أنّ الشباب بدوا متحمسين جداً للعمل التطوعي ولمساندة المتضررين.



يتابع عبد اللطيف أنّ حجم الأضرار كان كبيراً، وبالرغم من نقص التجهيزات لتنظيف الأحياء والشوارع، فإنّ حماسة هؤلاء الشباب ساهمت في إنجاح المبادرة، وفي تغيير وضع العديد من الأحياء المنكوبة، مؤكداً أنّ هذه المبادرة دفعت عدداً من أهالي نابل إلى أخذ تنظيف أحيائهم على عاتقهم أيضاً. يلفت إلى أنّ الفيضانات مست العائلات في أحياء عدة كسيدي عمر والتقدم وبرج حفيظ، لكنّ أصحاب المنازل التي كانت أقل تضرراً من غيرها فتحوا مساكنهم لإيواء جيرانهم ولمساعدة بعضهم البعض بالرغم من المحنة والظروف الصعبة، وهو ما كشف عن أهمية المد التضامني، والروح التي ما زالت تميز التونسي، بالرغم من الأضرار، وهو ما خفف العبء عن المتضررين.




وفي الوقت الذي ما زالت فيه محافظة نابل تحصي خسائرها ويلملم السكان أوضاعهم، تواصل عشرات الجمعيات ومن ناشطي المجتمع المدني جمع التبرعات وتقديم المساعدات لإغاثة الأهالي ومنكوبي الفيضانات. بالتوازي مع ذلك، أطلقت التلفزة التونسية (التلفزيون الرسمي) حملة "تليتون" لجمع التبرعات المالية لولاية نابل، وقد حصد، حتى أول من أمس الإثنين، نحو 9 ملايين دولار أميركي. وأعلنت أنّها مددت الحملة حتى السبت المقبل الذي سيكون يوماً تضامنياً مع ولاية نابل، مبينة أنّ بثاً من 14 ساعة سينطلق من الساعة العاشرة صباحاً حتى منتصف الليل يوم السبت، لجمع التبرعات لصالح منكوبي الفيضانات. أضافت أنّ عملية جمع التبرعات ستجرى تحت رقابة دائرة المحاسبات، وتوزيعها سيكون عن طريق مراكز الاتحاد التونسي للتضامن الاجتماعي، ويمكن للمنظمات وللمواطنين، بمن فيهم التونسيون المقيمون بالخارج، إيداع تبرعاتهم في الحساب البريدي 18 - 18.