متاعب الأوكرانيين في روسيا

15 يناير 2018
الأوكرانيون ثالث أكبر قومية في روسيا (سافا كاراسان/ الأناضول)
+ الخط -
ما كان للأزمة في العلاقات الروسية الأوكرانية التي تفاقمت منذ إقدام موسكو على ضم شبه جزيرة القرم وتصاعد أعمال القتال شرق أوكرانيا في عام 2014، أن تمرّ من دون أن تؤثر على الحياة اليومية لملايين الأوكرانيين المقيمين في روسيا، فتزيد من صعوبة سفرهم إلى وطنهم لرؤية أقاربهم.

في غياب إحصاءات دقيقة، يقدر عضو مجلس العلاقات بين القوميات التابع للرئاسة الروسية، بوغدان بيزبالكو، عدد الأوكرانيين المقيمين في روسيا بما بين 5 ملايين و6 ملايين، مليونان منهم مواطنون روس من أصل أوكراني. يقول بيزبالكو لـ"العربي الجديد": "أظهر تعداد السكان الأخير أنّ مليونين من سكان روسيا لهم أصول أوكرانية، وهم بذلك يشكلون ثالث أكبر قومية في روسيا بعد الروس والتتار. أضف إلى ذلك أنّه يجري تسجيل ما بين 5 و7 ملايين حالة عبور على الحدود بين البلدين سنوياً، ما يعني أنّ نحو ثلاثة أو أربعة ملايين أوكراني يقيمون في روسيا بصفة مؤقتة بهدف العمل في ظل تردي الأوضاع الاقتصادية في بلادهم".
حول دوافع الأوكرانيين للسفر إلى روسيا بدلاً من بلدان الاتحاد الأوروبي، يضيف: "يمكنهم العمل في روسيا بمجرد استخراج ترخيص العمل وتسجيل أنفسهم بمحل الإقامة، وهذه

الإجراءات أقل تعقيداً من البلدان الأوروبية، بالإضافة إلى عاملي الاندماج واللغة في ظل إجادة الأوكرانيين اللغة الروسية، بينما يشعرون في بولندا، مثلاً، أنّهم مهاجرون من درجة ثانية".
مع احتدام الأزمة في العلاقات وإطالة أمدها، توجهت السلطات الجديدة في كييف لقطع الصلات مع روسيا تدريجياً، مما تمثل في وقف حركة الطيران بين البلدين وتشديد التفتيش على المعابر الحدودية، وإلزام الرعايا الروس باستخراج جوازات السفر لعبور الحدود، بينما كان يمكنهم سابقاً السفر بأوراق الهوية الداخلية.

يلخص بيزبالكو تداعيات ذلك: "شكل وقف حركة الطيران ضربة كبيرة لأبناء الجالية الأوكرانية في روسيا، إلا أنّهم وجدوا طريقة بديلة للسفر بالقطار أو على متن الرحلات غير المباشرة عبر العاصمة البيلاروسية مينسك، مما زاد من مدة الرحلة وتكلفتها. يزيد ذلك من صعوبة سفر الأوكرانيين إلى وطنهم بعدما كانوا يتنقلون بين البلدين وكأنّهم يسافرون من مدينة إلى أخرى داخل البلد الواحد".



إلاّ أنّ ذلك، لا يمنع الأوكرانيين من الاستمرار في إقامتهم وأعمالهم في روسيا. مارينا، شابة أوكرانية في الـ28 من عمرها، واحدة من هؤلاء، تعمل في أحد مكاتب المحاماة في موسكو منذ عام 2012، تشكو من كثرة الإجراءات البيروقراطية لاستمرار إقامتها في روسيا. تقول لـ"العربي الجديد": "لم أشعر بأيّ تضييق من المواطنين العاديين، لكنّ قواعد الهجرة تجعل الإقامة القانونية للأوكرانيين هنا بالغة الصعوبة، على عكس وضع البيلاروس والقرغيز وحتى الأرمن".

وفي ظل عضوية بلدانهم في الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، يستفيد مواطنو بيلاروسيا وكازاخستان وأرمينيا وقرغيزيا من تسهيل إجراءات الإقامة والعمل في روسيا، على عكس الأوكرانيين الذين توجهت بلادهم نحو التقارب مع الاتحاد الأوروبي منذ الثورة البرتقالية في عام 2004، قبل أن يزداد هذا التوجه بعد سقوط الرئيس الموالي لروسيا، فيكتور يانوكوفيتش، في فبراير/ شباط 2014. 

وحول طبيعة النقاشات مع الروس حول الأوضاع في أوكرانيا، تقول مارينا: "في بعض الأحيان، أضطر للدفاع عن وجهة نظري، لأنني كنت وسأظل دائما أشعر بالوطنية تجاه بلادي. هناك أشخاص كثيرون ينظرون إلى الأحداث بشكل أحادي الجانب، بينما تفرض وسائل الإعلام، الخاضعة للرقابة، وجهة النظر الرسمية للدولة عليهم. أغلبهم لم يزوروا أوكرانيا خارج القرم، ويعتبرون أنّ الجميع يتخذ موقفا سلبياً تجاههم، لكنّ الوضع ليس كذلك".
منذ تطبيق حظر الطيران بين البلدين في عام 2015، تضطر مارينا للسفر إلى وطنها بالقطار، وتؤكد أنّ تعليق الرحلات الجوية لن يثنيها عن زيارة بلادها.

من جهتها، تشير يكاتيرينا، وهي امرأة تعود أصولها إلى غرب أوكرانيا، وتعمل في موسكو منذ ثلاث سنوات، أي بعد اندلاع الأزمة في العلاقات، إلى أنّها تلاقي معاملة حسنة، تقول لـ"العربي الجديد": "أنا شخصياً، أعامل معاملة جيدة بالرغم من أنّي من غرب أوكرانيا". وتوضح يكاتيرينا أنّ حظر الطيران لم يؤثر على وضعها، في ظل عدم تشغيل الرحلات المباشرة بين روسيا والمناطق الغربية في أوكرانيا حتى قبل تصاعد الأزمة في العلاقات، إذ تسافر على متن حافلة أو قطار، كما اعتادت.

يعاني المجتمع الأوكراني من انقسامات حادة في ظل انتماء سكان المناطق الشرقية للغة والثقافة الروسيتين، على عكس غرب البلاد الذي يتحدث سكانه اللغة الأوكرانية ويرون مستقبلهم مع الاتحاد الأوروبي.