الأزمات في ليبيا لا تنتهي، فمع كلّ يوم جديد أزمة جديدة، لكنّ المتفق عليه بين الليبيين أنّ أسبابها كلّها تعود إلى الحروب الجارية منذ سنوات. العنوسة بين الفتيات الليبيات واحدة من هذه الأزمات المرتبطة
العنوسة وارتفاع معدلاتها بين الفتيات أحد الوجوه المخفية للحرب في ليبيا، وقد ساهمت تقاليد المجتمع المحافظ في تغييبها عن الأنظار. كذلك، تخلو الساحات العلمية نفسها من أيّ دراسة تضطلع بالكشف عن هذه الأزمة. وباستثناء إشارة في دراسة للأكاديمي الأردني إسماعيل الزيود عن العنوسة في العالم العربي أصدرها عام 2010 لم يتطرق أيّ باحث أو جهة متخصصة إلى العنوسة في ليبيا. التقارير الإعلامية غالباً ما تستقي أرقامها من دراسة الزيود تلك، وتصل فيها نسبة العنوسة إلى 30 في المائة من الإناث أي 300 ألف عانس تقريباً.
لكنّ الحرب المستمرة التي راح ضحيتها آلاف الشبان على مدار السنوات الماضية ضاعفت بكلّ تأكيد هذه النسبة في أعقاب عام 2010. ويبدو أنّ قرارات مسؤولي سلطات ليبيا الجدد بإنشاء "صندوق دعم الزواج" يعكس تنبههم إلى تفاقم هذه الظاهرة، ولو بشكل غير مباشر.
بحسب مدير البرنامج الليبي للإدماج والتنمية بوزارة الشؤون الاجتماعية في الحكومة المؤقتة السابقة، إبراهيم البرغثي فإنّ الحكومة أصدرت عام 2012 قراراً رسمياً بإنشاء صندوق تابع للبرنامج بذمة مالية مستقلة، لكنّ الأموال التي صرفت له لم تتجاوز بضعة آلاف فقط.
يقول البرغثي لـ"العربي الجديد": "الصندوق بقي حبراً على ورق وكان من الممكن أن يساهم في الحد من تنامي العنوسة" التي لا تملك الوزارة حتى اليوم تمويلاً لها ولا سبلاً لحلّها كما يقول. يضيف: "كان قرار إنشاء الصندوق ولوائحه كارثياً، فقد اشترطت تلك اللوائح حتى على الجهات الأهلية الخيرية التنسيق معه، وبذلك حدّ من نشاط الخيّرين في هذا المجال بسبب توقف الصندوق عن العمل وبقاء قوانينه وتشريعاته عقبة أمام أيّ ساعٍ للخير".
يشار إلى أنّ حكومة البرلمان أضافت تشريعاً جديداً إلى الصندوق تمثل في ضرورة أن يدفع كلّ ليبي يريد الزواج من ليبية 50 ديناراً ليبياً (37 دولاراً أميركياً)، وكلّ ليبي يريد الزواج من أجنبية 5000 دينار (3700 دولار)، أما الأجنبي الذي يريد الزواج بليبية فعليه أن يدفع مبلغ 3000 دينار (3200 دولار)". يلفت البرغثي إلى أنّ الحكومة عللت قرارها بأنّ هذه الضريبة هي لتمويل الصندوق وإعادة إحيائه، لكنّه يعلق: "القرار ظالم إذ زاد تكاليف الزواج ولا سيما أنّ أغلب الشبان يعيشون ظروفاً معيشية صعبة جداً".
اقــرأ أيضاً
العنوسة وارتفاع معدلاتها بين الفتيات أحد الوجوه المخفية للحرب في ليبيا، وقد ساهمت تقاليد المجتمع المحافظ في تغييبها عن الأنظار. كذلك، تخلو الساحات العلمية نفسها من أيّ دراسة تضطلع بالكشف عن هذه الأزمة. وباستثناء إشارة في دراسة للأكاديمي الأردني إسماعيل الزيود عن العنوسة في العالم العربي أصدرها عام 2010 لم يتطرق أيّ باحث أو جهة متخصصة إلى العنوسة في ليبيا. التقارير الإعلامية غالباً ما تستقي أرقامها من دراسة الزيود تلك، وتصل فيها نسبة العنوسة إلى 30 في المائة من الإناث أي 300 ألف عانس تقريباً.
لكنّ الحرب المستمرة التي راح ضحيتها آلاف الشبان على مدار السنوات الماضية ضاعفت بكلّ تأكيد هذه النسبة في أعقاب عام 2010. ويبدو أنّ قرارات مسؤولي سلطات ليبيا الجدد بإنشاء "صندوق دعم الزواج" يعكس تنبههم إلى تفاقم هذه الظاهرة، ولو بشكل غير مباشر.
بحسب مدير البرنامج الليبي للإدماج والتنمية بوزارة الشؤون الاجتماعية في الحكومة المؤقتة السابقة، إبراهيم البرغثي فإنّ الحكومة أصدرت عام 2012 قراراً رسمياً بإنشاء صندوق تابع للبرنامج بذمة مالية مستقلة، لكنّ الأموال التي صرفت له لم تتجاوز بضعة آلاف فقط.
يقول البرغثي لـ"العربي الجديد": "الصندوق بقي حبراً على ورق وكان من الممكن أن يساهم في الحد من تنامي العنوسة" التي لا تملك الوزارة حتى اليوم تمويلاً لها ولا سبلاً لحلّها كما يقول. يضيف: "كان قرار إنشاء الصندوق ولوائحه كارثياً، فقد اشترطت تلك اللوائح حتى على الجهات الأهلية الخيرية التنسيق معه، وبذلك حدّ من نشاط الخيّرين في هذا المجال بسبب توقف الصندوق عن العمل وبقاء قوانينه وتشريعاته عقبة أمام أيّ ساعٍ للخير".
يشار إلى أنّ حكومة البرلمان أضافت تشريعاً جديداً إلى الصندوق تمثل في ضرورة أن يدفع كلّ ليبي يريد الزواج من ليبية 50 ديناراً ليبياً (37 دولاراً أميركياً)، وكلّ ليبي يريد الزواج من أجنبية 5000 دينار (3700 دولار)، أما الأجنبي الذي يريد الزواج بليبية فعليه أن يدفع مبلغ 3000 دينار (3200 دولار)". يلفت البرغثي إلى أنّ الحكومة عللت قرارها بأنّ هذه الضريبة هي لتمويل الصندوق وإعادة إحيائه، لكنّه يعلق: "القرار ظالم إذ زاد تكاليف الزواج ولا سيما أنّ أغلب الشبان يعيشون ظروفاً معيشية صعبة جداً".
بعيداً عن تعقيدات الجانب الرسمي والسياسيين المشغولين بالحروب والمناصب، فإنّ الآلام التي تعكسها أحاديث بعض الفتيات تكشف عن معاناة كبيرة. أحلام موسى (37 عاماً) ما زالت تأمل في خبر قد يرجع إليها زوجها المفقود منذ عام 2012. تقول أحلام من مصراته إنّ زوجها الذي عقد قرانه عليها مطلع عام 2012 ذهب ليشارك الثوار في تحرير مناطق بجنوب ليبيا لكنّه لم يعد بعد، فسجلته الدوائر الرسمية في عداد المفقودين. تؤكد أنّ رفاقه لم يؤكدوا وفاته أو بقاءه على قيد الحياة.
أما سالمة جنين (35 عاماً) من طرابلس فقد انضم خطيبها وهو ابن عمها إلى جبهات قتال عملية فجر ليبيا نهاية عام 2014 ليصل خبر وفاته بعد ثلاثة أيام. تقول سالمة: "انقلبت آمال ثورة فبراير إلى ذكرى حزينة لديّ فقد كان من المقرر أن نتزوج". تعبر عن حزنها وهي تتحدث بأسى عن فقدانها الأمل في الزواج: "تقدم بي السن ومن الصعب أن يتقدم لخطبتي من يعوض عليّ ذكرى ابن عمي الذي كانت يكبرني بسنة واحدة، ومنذ الصغر اتفقت الأسرتان على تزويجنا" مشيرة إلى أنّ حزنها مضاعف فحتى لو تزوجها غيره سيكون الأمر صعباً على الأسرتين.
مرت ليبيا خلال الأعوام السبعة الماضية بحروب ضروس، فمن حروب التحرير عام 2011 إلى حروب مدينة أوباري عام 2013، إلى حرب فجر ليبيا نهاية عام 2014 التي تلتها حرب عملية الشروق مطلع عام 2014، ليصل الأمر إلى عملية الكرامة التي أطلقها اللواء المتقاعد خليفة حفتر في شرق البلاد منتصف العام نفسه والتي لم تضع أوزارها بعد.
آلاف الشبان راحوا ضحية هذه الحروب، وتشير بعض التقديرات إلى أنّ أغلبهم من العزّاب. وبالرغم من ذلك، فقد تضافرت أسباب أخرى لتزيد من معاناة الفتيات، أبرزها الظروف المعيشية التي تدهورت بشكل كبير، فكثير من الشبان تعسر عليه الحصول على مأوى ليتزوج فيه وربما اضطره ذلك بعد طول انتظار إلى ترك خطيبته.
تؤكد زكية سليمان (40 عاماً) من بنغازي أنّ خطيبها صارحها أنّه عاجز تماماً عن توفير مصاريف العيش لأسرته المستقبلية فضلاً عن توفير سكن إذا ما عزم على إتمام الزواج: "أبلغني خطيبي بهذا القرار بعد ثماني سنوات من خطبتنا وبعدما عجز عن الحصول على وظيفة". تضيف أنّه رفض الانضمام إلى المليشيات التي تعتبر المنفذ الوحيد للحصول على راتب شهري بعدما أقفلت أبواب التوظيف الرسمية في الجهات الحكومية، وتلفت إلى أنّ سنها الحالي يفقدها الأمل في تكوين أسرة.
من جهته، يشير الدكتور عبد الله سويدان، العضو في جمعية "تكافل" الخيرية في طرابلس، إلى انعكاسات الحروب: "العزوف كبير بين الشبان عن فكرة الزواج، فهناك من تجاوز الثلاثين ولم يحصل على فرصة عمل، كما أنّ التدهور الاقتصادي في البلاد أفقد كثيرين أمل العمل في القطاع الخاص". يلفت إلى أنّ بعض الشبان قرر الهجرة بطريقة غير شرعية عبر قوارب الموت إلى بلدان أوروبية في مؤشر يعكس يأسهم من إمكانية تأمين المستقبل في بلادهم. ويذكر سويدان أنّ "انخفاض أعداد الرجال في البلاد والتدهور الاقتصادي سيكون لهما انعكاس خطير على ارتفاع نسبة العنوسة وغلبة نسبة الإناث في البلاد".
أما سالمة جنين (35 عاماً) من طرابلس فقد انضم خطيبها وهو ابن عمها إلى جبهات قتال عملية فجر ليبيا نهاية عام 2014 ليصل خبر وفاته بعد ثلاثة أيام. تقول سالمة: "انقلبت آمال ثورة فبراير إلى ذكرى حزينة لديّ فقد كان من المقرر أن نتزوج". تعبر عن حزنها وهي تتحدث بأسى عن فقدانها الأمل في الزواج: "تقدم بي السن ومن الصعب أن يتقدم لخطبتي من يعوض عليّ ذكرى ابن عمي الذي كانت يكبرني بسنة واحدة، ومنذ الصغر اتفقت الأسرتان على تزويجنا" مشيرة إلى أنّ حزنها مضاعف فحتى لو تزوجها غيره سيكون الأمر صعباً على الأسرتين.
مرت ليبيا خلال الأعوام السبعة الماضية بحروب ضروس، فمن حروب التحرير عام 2011 إلى حروب مدينة أوباري عام 2013، إلى حرب فجر ليبيا نهاية عام 2014 التي تلتها حرب عملية الشروق مطلع عام 2014، ليصل الأمر إلى عملية الكرامة التي أطلقها اللواء المتقاعد خليفة حفتر في شرق البلاد منتصف العام نفسه والتي لم تضع أوزارها بعد.
آلاف الشبان راحوا ضحية هذه الحروب، وتشير بعض التقديرات إلى أنّ أغلبهم من العزّاب. وبالرغم من ذلك، فقد تضافرت أسباب أخرى لتزيد من معاناة الفتيات، أبرزها الظروف المعيشية التي تدهورت بشكل كبير، فكثير من الشبان تعسر عليه الحصول على مأوى ليتزوج فيه وربما اضطره ذلك بعد طول انتظار إلى ترك خطيبته.
تؤكد زكية سليمان (40 عاماً) من بنغازي أنّ خطيبها صارحها أنّه عاجز تماماً عن توفير مصاريف العيش لأسرته المستقبلية فضلاً عن توفير سكن إذا ما عزم على إتمام الزواج: "أبلغني خطيبي بهذا القرار بعد ثماني سنوات من خطبتنا وبعدما عجز عن الحصول على وظيفة". تضيف أنّه رفض الانضمام إلى المليشيات التي تعتبر المنفذ الوحيد للحصول على راتب شهري بعدما أقفلت أبواب التوظيف الرسمية في الجهات الحكومية، وتلفت إلى أنّ سنها الحالي يفقدها الأمل في تكوين أسرة.
من جهته، يشير الدكتور عبد الله سويدان، العضو في جمعية "تكافل" الخيرية في طرابلس، إلى انعكاسات الحروب: "العزوف كبير بين الشبان عن فكرة الزواج، فهناك من تجاوز الثلاثين ولم يحصل على فرصة عمل، كما أنّ التدهور الاقتصادي في البلاد أفقد كثيرين أمل العمل في القطاع الخاص". يلفت إلى أنّ بعض الشبان قرر الهجرة بطريقة غير شرعية عبر قوارب الموت إلى بلدان أوروبية في مؤشر يعكس يأسهم من إمكانية تأمين المستقبل في بلادهم. ويذكر سويدان أنّ "انخفاض أعداد الرجال في البلاد والتدهور الاقتصادي سيكون لهما انعكاس خطير على ارتفاع نسبة العنوسة وغلبة نسبة الإناث في البلاد".