يعرف المقدسيون رحاب جيدا، والعابرون في الطريق إلى الأقصى لا بد أن يمروا بها لتستوقفهم جرأتها وهي تنهر الجنود وعناصر شرطة الاحتلال الإسرائيلي كلما اقتربوا من بسطتها أو تعمدوا مضايقتها ومضايقة زبائنها.
كانت رحاب، واحدة من وجوه رباط نصرة الأقصى، وتقرب منها كثيرون يدركون نفوذها وسطوتها حيث تجلس، وحيث حولت مكانها إلى ما يشبه موقع الرصد، ليس لمراقبة الجنود فقط وهم يستفزون الفتية أو يستوقفون النساء للتفتيش، بل أيضا تراقب سلوك المارين إلى الصلاة في المسجد الأقصى.
ولها في السياسة رأي يعجب سكان الحي ويتندرون به، فهي لا تنفك تدلي بدلوها، ولا يعجبها العجب حين يأتي ذكر بعض الزعماء، وفي المقدمة منهم الرئيس الفلسطيني محمود عباس أبو مازن، والذي انتقدت في الأسبوع الأول من أحداث الأقصى انشغاله بالسفر إلى الخارج.
تثق رحاب فقط بشباب القدس، "الله يحييهم ويرحم اللي استشهدوا.."، وهي لا تتوانى عن الصراخ في وجه جنود الاحتلال ومجنداته كلما قمعوا بالقوة المرابطين أو اعتدوا على المسنين، وكأنها تقف لهم بالمرصاد، كما لا تتوانى عن تحفيز المرابطين والمرابطات على الصمود والثبات. تقول: "الأقصى إلنا وبس. شو دخل اليهود فيه؟ أصلا هم ما إلهم فيه ولا حجر".
ما شاهدته رحاب من تكافل المقدسيين وتعاضدهم، مسلمين ومسيحيين، "والله برفع الراس.." على حد قولها. تضيف: "الكل كان ييجي لباب المجلس مسلمين ومسيحيين، والناس ما قصرت بالأكل والميّ. والتجار اللي الواحد منهم ما ببيع في اليوم بخمسين شيقل (عملة إسرائيلية) كان يجيب مونة ويتبرع".
أما أبو جون قاقيش، فهو مقدسي مسيحيّ لم يغادر باب المجلس مرابطا مع إخوانه المسلمين. تقول رحاب لـ"العربي الجديد": "الله محيّي أصله. هذا هو شعبنا الفلسطيني. ما في فرق بين مسيحي ومسلم. كلنا شعب واحد. الأقصى متل القيامة، ولو، لا سمح الله، اعتدوا على كنيسة القيامة إحنا أول من يدافع عنها".
لا يخفي أبو جون، في المقابل، تقديره لرحاب الرمونية التي تشكل معلما من معالم الحي الأفريقي، وهو يرى أنّ وجودها حيث هي يضفي على المكان حيوية رغم وجود الاحتلال الذي ينغّص على الجميع حياتهم اليومية.
يواصل أبو جون الحديث عن الأقصى، ويفخر بمشاركة إخوانه المسلمين الدفاع عن المسجد، حيث كان يرابط يوميا قرب باب المجلس داعما ومساندا. ويقول لـ"العربي الجديد": "اللي بصير على الأقصى اليوم ممكن يصير على كنيسة القيامة كمان. لهيك أنا هون. وأنا بشوف إنه من واجبي الدفاع عن الأقصى لأن مقدساتنا أغلى ما نملك، وهي آخر تعبير عن وجودنا".
في فترة رباطه، كان أبو جون منشغلا على نجله الذي صدر حكم بسجنه أحد عشر عاما بعد أن اتهم بطعن مستوطنين اثنين في حي الجبشة بالبلدة القديمة من القدس، حيث تقطن العائلة، وهمّه ما ستقرّه جلسة المحكمة في الاستئناف المقدم من مخابرات الاحتلال ضد الحكم على نجله، حيث يطالب الاستئناف بزيادة فترة الحكم. مع ذلك لم يفقد الأمل بحريّة جون، أو كما قال: "عمر السجن ما بسكر أبوابه".