خاطبات المغرب في خدمة "الحلال"

30 يوليو 2017
لأجل اليوم المنشود (عبد الحق سنّا/ فرانس برس)
+ الخط -
الخاطبة في المغرب ما زالت على رأس عملها، إذ تستعين بها العائلات لاختيار العروس أو العريس المناسبين. جيل عصري من الخاطبات يظهر، لكنّ عمله يصبّ في الخانة نفسها: جمع رؤوس في الحلال

تغيّرت مهام وطرق عمل الخاطبة في المجتمع المغربي، مواكبة للتحولات السريعة الجارية، ما سمح لها بالاستمرار على الرغم من تبدّل العادات والعقليات. الخاطبة امرأة قد تكون صغيرة في السن أو كبيرة، لكنّ الأهم في مهنتها هو أن يكون لديها إلمام بطبائع الناس والأزواج، وتمتلك، سواء بالتجربة أو الفطرة، خاصية التواصل والإقناع، وكثيراً من فن الوساطة.

على الرغم من حفاظ الخاطبات التقليديات على أدوارهن وأهميتهن، خصوصاً لدى الفئات الفقيرة من المجتمع وذوي التعليم المحدود، فإنّ الخاطبة العصرية تستفيد من ثورة الاتصالات. "أم البنين" لقب سيدة مغربية خمسينية تقطن في مدينة الرباط. تصرّ في حديثها إلى "العربي الجديد" على أنّها خاطبة تقليدية، وأنّ النجاح ما زال يرافق مهنتها منذ سنوات. تشير إلى أن عدد الراغبين في خدماتها من طرف الأسر التي ترغب في تزويج أبنائها وبناتها بات أقل مقارنة بسنوات سابقة، لكنّ التمسك بخدماتها وتجربتها "ما زال حديث الألسن" وفق تعبيرها. تقول إنّ مهنة "جمع الرؤوس في الحلال" ليست يسيرة كما تبدو للبعض، بل تحتاج إلى مهارات وتجربة لأنّ المسؤولية كبيرة تتعلق بمصير أسرة بالكامل. تتابع أم البنين أنّه باستثناء حالة واحدة لزواج لم يصمد سوى بضعة أشهر بسبب خلافات مادية بين زوجين كانت هي وراء ارتباطهما، فإنّ مئات الزيجات الأخرى فلحت في أن تمتد مدة طويلة على يدها.

خاطبة أخرى تروي لـ"العربي الجديد" طريقة عملها خاطبة تقليدية في أحد الأحياء الشعبية في ضواحي الرباط. تشير إلى أنّها عندما تسمع برغبة أم أو أسرة في تزويج ابنها أو ابنتها، تسارع إلى الاتصال بتلك العائلة لعرض خدماتها. تقول إنّها تعتمد أساساً على ألبوم الصور، وعلى أسلوب "اللقاء المباشر" عوضاً عن الهاتف أو الإنترنت كما تفعل خاطبات عصريات. تقدم الصور المتوفرة لديها للعائلة لتختار وفق بيانات لديها حول الأشخاص المرشحين للزواج. تؤكد الخاطبة أنّ لديها معلومات مستفيضة عن كلّ شخص ذكراً كان أم أنثى في الصور التي في حوزتها، سواء ما يتعلق بالبنية الجسدية أو المزايا الخُلقية والسلوكية، وهي الأهم كما تقول.

هناك كذلك خاطبات يعمدن إلى مشاهدة العروس مباشرة في الحمامات الشعبية التي تفد إليها النساء، خصوصاً في الأحياء الفقيرة والشعبية. هذه الطريقة، وفق العارفين، غايتها أن تضطلع الخاطبة سراً حيناً، وعلناً في أحيان أخرى، بتفاصيل أنثوية خاصة جداً للفتيات والوقوف على مدى جمالهن، لترشيح إحداهن لعائلة تبحث عن عروس لابنها.

في المقابل، لم تعد الخاطبة العصرية مثل زميلتها التقليدية تعمد إلى طرق أبواب المنازل أو "التجسس" على أسرار الفتيات، بل باتت تمارس المهنة انطلاقاً من قاعدة بيانات متوفرة على مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة. نهاد خاطبة عصرية تجلس أغلب وقتها أمام حاسوبها، فقد أنشأت صفحة وموقعاً خاصاً للتقريب بين الراغبين في الزواج، من خلال نشر إعلاناتهم وبياناتهم. تقول نهاد إنّ مهمة الخاطبة العصرية عبر وسائط الاتصال الحديثة باتت أكثر جذباً للشباب المغاربة، فهم يحرصون على التواصل بهذه الطريقة السريعة والسهلة، عوض استنزاف وقت كثير في الخطبة التقليدية التي تتطلّب لقاءات ومواعيد وغير ذلك. تشرح أنّ مهمتها تكمن في تسهيل الوساطة بين شخصين يرغبان في الزواج بعد التأكد من رغباتهما، والنأي عن اللهو أو إمضاء الوقت. بعد ذلك يتحول اللقاء الافتراضي إلى واقعي، مشيرة إلى أنّها كثيراً ما فلحت في تزويج شباب بهذه الطريقة.

حاول بعضهم تحويل مهنة الخاطبة من جانبها الفردي والعشوائي إلى مهنة منظمة بضوابط وقوانين، من خلال إنشاء شركات للخطبة أو وكالات لتسهيل الزواج، لكنها ما زالت قليلة العدد. منها ما أغلق بسبب مخالفات قانونية، من قبيل ضبط شركة لتسهيل الزواج بمدينة إنزكان جنوب المملكة، بتهمة التزوير في محضر رسمي واستعماله، بعد توسّط في زواج شخص متزوج من دون أوراق قانونية، ومن دون علم زوجته الأولى كما ينصّ على ذلك قانون الأسرة في المغرب.

وعثرت الشرطة قبل مدة في مقرّ هذه الشركة على مئات البيانات المتعلقة بشباب يرغبون في الزواج، تراوح أعمارهم ما بين 23 و50 سنة، أغلبهم من الإناث، تتضمّن استمارات طلب الزواج، بالإضافة إلى صور صاحب الطلب والعنوان الشخصي، ومستواه الثقافي، وجميع مواصفاته الجسدية.
المساهمون