أصدر مركز "النديم لمناهضة العنف والتعذيب" و"المبادرة المصرية للحقوق الشخصية"، وهما منظمتا مجتمع مدني مصريتان، تقريراً مشتركاً عن الإهمال الطبي في السجون بعنوان "يا تعالجوهم يا تفرجوا عنهم: الإهمال الطبي في السجون جريمة"، أكدا فيه تدني مستوى الخدمات الطبية داخل السجن بالإضافة إلى غياب آليات المراقبة والمتابعة لأداء أطباء السجن، والنقص الحاد في أنواع كثيرة من الأدوية الضرورية داخل مستشفى وعيادة السجن.
التقرير تناول واقع الرعاية الصحية للمسجونين في عدد من السجون المصرية، بالإضافة إلى شهادات السجناء وذويهم، بهدف تسليط الضوء على المنظومة الصحية داخل السجون، لا سيما بعد تزايد حالات الوفاة نتيجة الإهمال الطبي والامتناع عن توفير الرعاية الطبية اللازمة المنصوص عليها، في الدستور المصري والقوانين والمواثيق الدولية الموقعة عليها مصر، والخاصة بالحق في الحياة، والحق في الصحة، والحق في السلامة الجسدية.
وعرض القسم الأول من التقرير، التشريعات المنظمة للرعاية الصحية في السجون المصرية، والمشكلات المتعلقة بتنظيم الرعاية الصحية للسجناء، في ضوء قانون السجون ولائحته التنفيذية، والمواثيق والاتفاقيات الدولية، في ما يتعلق بالصحة في السجون.
أما القسم الثاني من التقرير، فتناول عرض شهادات السجناء وذويهم عن الرعاية الصحية المتلقّاة أثناء محبسهم.
وتناول التقرير واقع الأوضاع الصحية داخل سجن برج العرب باﻹسكندرية، وسجن طرة وسجن العقرب وسجن القناطر للنساء وسجن قوات الأمن في دمهنور. كذلك ضم 14 شهادة تم توثيقها خلال فترة الرصد من 2014 إلى 2016.
وكشف عن الصعوبة الشديدة التي يواجهها المرضى من السجناء في حال احتياجهم إلى العلاج داخل السجن، حيث رصد تدني مستوى الخدمات الطبية داخل السجن بالإضافة إلى غياب آليات المراقبة والمتابعة لأداء أطباء السجن، والنقص الحاد في أنواع كثيرة من الأدوية الضرورية داخل مستشفى وعيادة السجن.
أما في حالة احتياج السجناء للحصول على علاج طبي في مستشفى خارجي لا يتوفر في مستشفى السجن، "تقوم مصلحة السجون وإدارة الترحيلات وإدارة السجن نفسه بالتنسيق معًا حتى يتم نقل السجين للعلاج، وهو الأمر الذي أوضحت الشهادات مدى صعوبته، ما ينعكس سلبًا على حالة المريض"، بحسب التقرير.
ورصد التقرير مدى صعوبة الملاحقة القانونية لمرتكبي الإهمال الطبي داخل السجون، حيث إنه غير مسموح للسجين المريض ولا لمحاميه بالاطلاع على ملفه الطبي، بالإضافة إلى صعوبة إثبات أسباب الوفاة أو تعرض السجين لأي انتهاك.
وخلص التقرير إلى أنه يجب تعديل التشريعات المصرية بحيث تتوافق مع المعايير الدولية والعمل بشكل جاد على تطبيق القوانين على أرض الواقع والتشديد على ضرورة أن يكون هناك رقابة حقيقية معلنة ومستمرة على السجون لضمان تحسين الأوضاع، والتذكير بأن عقوبة السجن يفترض أن تقتصر على الحرمان من الحرية فقط ولا يجوز عقاب السجين بأي عقوبات أخرى، وأن الوظيفة الأساسية للسجن هي إعادة تأهيل السجين لمساعدته على الاندماج في المجتمع بعد خروجه.
وأبدت المنظمتان تخوفهما من استمرار ظاهرة الإهمال الطبي في السجون وتدني الخدمات العلاجية للمحتجزين داخل السجون، وأماكن الاحتجاز بشكل عام، وتؤكد على أن لكل شخص، حتى وإن كان محتجزاً، الحق في الصحة، وعلى المؤسسات المعنية اتخاذ الإجراءات اللازمة لضمان حصول المساجين على حقوقهم والحفاظ على حياتهم وصحتهم.
وفقًا لأغلب الشهادات التي رصدها التقرير "لم توجد أسرة للنوم وكان السجناء يفترشون الأرض، ما أدى إلى ظهور مشكلة التكدس، والتي مع غياب التهوية تؤثر على صحة السجناء".
وقال أحد السجناء "الزنزانة مساحتها 3 في 8 فيها 4 شبابيك وممر داخل العنبر، شباك متر في متر، العدد مبيقلش عن 22 ومبيزيدش عن 30، الحمام بلدي وكان دائماً قذراً جداً وفيه حنفية واحدة فوق الحمام بنملأ منها مياه ونستحمى منها، الزنزانة كانت مليانه أسلاك عريانة وساعات الناس كانت بتتكهرب، وفي دراع مسجون كان هيتقطع بسبب الكهرباء كان بينضف المروحة والكهرباء مسكت في دراعه، التهوية كانت سيئة للغاية وبالذات للناس إللى عندها مشاكل في الصدر، أو المرضى".
وقد رصدت المبادرة المصرية حالات تم فيها حرمان السجناء من حقهم في التريض، منهم سجين في سجن العقرب تتحدث زوجته عن ظروف السجن، فتقول إن زوجها لم يكن يعاني من أي مشاكل صحية قبل دخول السجن لكن منذ دخوله، وهو يعاني من حساسية في الصدر بسبب سوء التهوية وقلة نظافة الزنزانة، بالإضافة إلى آلام الأسنان والتهابات اللثة، نظراً لمنع دخول معجون الأسنان للسجن.
وأكد التقرير أن هناك صعوبة في المساءلة القانونية في حالات الإهمال الطبي بسبب عوائق توثيق الوفيات داخل السجون، فبداية لا توجد معلومات عن المرضى داخل السجون حيث لا يتم الكشف عليهم حال دخولهم السجن، ما يؤدي إلى عدم معرفة هل حدث المرض أثناء فترة السجن ونتيجة لظروف السجن أم لا، بالإضافة إلى أن إدارة السجن لا تعطي الحق للمرضى السجناء في الوصول إلى معلومات عن حالتهم، حيث تحظر الاطلاع على الملفات الطبية للسجناء المرضى وحتى على السجناء ومحاميهم وذويهم.
وفي شهادة لطاهر مختار، طبيب وسجين سابق في سجن طرة، يقول إن طبيب السجن يكون موجوداً بصفة مستمرة في أوقات العمل الرسمية، أما بعد انتهاء أوقات العمل الرسمية وفي الإجازات فإن الطبيب غالباً لا يكون موجودًا، ويقوم ممرض العيادة بالكشف على الحالات ووصف الأدوية، وغالباً تكون مسكنات، رغم أنه من المفترض أن يكون هناك طبيب "نوباتجي" في كل الأوقات في عيادة السجن للتعامل مع الحالات الطارئة.
إلى ذلك، أوصى التقرير بـ"ضرورة النص صراحة على أن يكون بكل سجن العدد الكافي من الأطباء المتخصصين بكافة التخصصات الطبية المختلفة بحيث تتناسب أعداد الأطباء مع أعداد السجناء بكل سجن"، و"إضافة مادة أو أكثر بقانون السجون تجعل أطباء السجون يتمتعون بالاستقلالية التامة عن إدارة السجن ويكون الإشراف عليهم ومجازاتهم من قبل وزارة الصحة وليس من إدارة السجون ولا وزارة الداخلية"، و"ضرورة النص على وجوب وجود جهاز طبي معاون من هيئة تمريض وأطباء أسنان من ذوي الخبرة والكفاءة العالية".
التوصيات شملت أيضا "ضرورة النص على وجوب توافر الاشتراطات الصحية مع مراعاة حالة الطقس بكافة أبنية وأماكن السجن، بحيث تكون النوافذ من الاتساع الذي يمكن المسجون من القراءة والعمل في الضوء الطبيعي"، و"النص على الحد الأقصى المسموح به للإيداع في الزنزانة بالنسبة إلى مساحة هذه الزنزانة لمنع التكدس والاكتظاظ بالسجون الذي يؤدي بدوره إلى انتشار الأمراض".