نشرت تقارير إعلامية محلية على فترات متباعدة أخباراً عن إقفال مئات المدارس في أنحاء مختلفة من أفغانستان بذرائع عديدة. أبرز تلك الذرائع الوضع الأمني السيئ والآخذ في التدهور. مع ذلك، رفضت مصادر حكومية تلك الأخبار التي اعتبرتها "مزاعم" ورفضت معها أن يكون عدد المدارس المقفلة وصل إلى هذا الحدّ. ذلك الرفض ينكفئ شيئاً فشيئاً، وباتت الحكومة تعترف بالإقفال، بل تكشف مصادرها عن أرقام أكبر.
تقول وزارة التعليم الأفغانية إنّ أكثر من ألف مدرسة أقفلت أبوابها على مستوى البلاد بسبب الوضع الأمني المتدهور، لافتة إلى أنّ آلاف التلاميذ باتوا بلا تعليم. وتلقي الوزارة باللوم على الجماعات المسلحة، خصوصاً حركة طالبان وتنظيم الدولة الإسلامية "داعش".
يشير الناطق باسم الوزارة مجيب مهرداد إلى أنّ هناك 17 ألفاً و482 مدرسة حكومية في البلاد، من بينها أكثر من ألف مدرسة أقفلت أبوابها العام الماضي بسبب الوضع الأمني. مع ذلك، لا يتحدث مهرداد عمّا تفعله الحكومة من أجل تلاميذ هذه المدارس وما إذا كانت هناك محاولات لفتحها أو غير ذلك. وهو ما يعني أن أولئك التلاميذ سيظلون محرومين من حق التعليم لأمد غير معلوم، إذ إنّ الوضع الأمني آخذ في التدهور وليس هناك أيّ بوادر لتحسنه.
تتحدث الوزارة عن خطوات قد تحسن حالة التعليم إلى حد ما، لكنّها خطوات مشروطة بتوفر الأمن، وليس لها علاقة بالمناطق التي تعاني من وضع أمني سيئ. من بين تلك الخطوات فتح أكثر من 400 مدرسة للكبار ولتثقيف وتعليم النساء في المنازل. هذه الخطوة تساهم من دون شك في تعزيز وضع المرأة الأفغانية، وقد استفادت كثيرات منها سواء في العاصمة كابول أو في المدن الرئيسية مثل جلال آباد وقندهار ومزار شريف، لكنّ المشكلة الرئيسية فيها هي الفساد المستشري. وفي هذا الإطار، يقول الموظف السابق في المشروع مجيب الرحمن لـ"العربي الجديد" إنّ 95 مدرسة من مدارس الكبار تلك كانت وهمية، وكانت نفقاتها تذهب إلى جيوب المسؤولين في الإدارات المحلية.
يؤكد مجيب الرحمن أنّ الحالة تحسنت في ما يتعلق بالفساد في التعليم بسبب جدية الرئيس الأفغاني أشرف غني واتخاذ سلسلة من الإجراءات، من أبرزها معاقبة المسؤولين في الوزارة وإصدار القضاء أحكاماً بالسجن على بعضهم.
ينتشر الفساد بكثرة في كلّ الوزارات، خصوصاً وزارة التعليم، وبالتالي فإنّ تطبيق أيّ مشروع في مجال التعليم لا يمكن أن يخلو من الفساد، خصوصاً في المناطق النائية، حيث جل الاعتماد هناك على بيانات المسؤولين المحليين، وهم الضالعون أكثر من غيرهم في الفساد.
لذلك، فإنّ ثمة خشية أن يكون للفساد يد في إقفال المدارس الحكومية، لأنّ عدداً كبيراً من تلك المدارس أقفل ليس بسبب الوضع الأمني، ولم يكن ذلك عبر الجماعات المسلحة، بل لأنّ كبار المسؤولين في الإدارات المحلية أرادوا ذلك، علماً أنّ رواتب المدرّسين والموظفين فيها كانت تذهب إلى جيوب هؤلاء.
يقول الزعيم القبلي والمدرّس السابق في إحدى المدارس الحكومية في شرق أفغانستان نصيب الله خان إنّ المدرسة في قريته، حيث كان يؤدي وظيفته، أقفلها المسؤولون المحليون، وكانت رواتب المدرسين تذهب إلى جيوبهم إلا في أوقات نادرة كانوا يدفعونها لهم. يشير إلى أنّ الحكومة الحالية وبعد سلسلة من الإجراءات ضد الفساد منعت تلك الرواتب، فلم يعد المسؤولون المحليون يستفيدون منها، وهو ما أدى إلى إقفال المدرسة، وبذلك كان هؤلاء مسؤولين عن الإقفال، وليست حركة طالبان.
في ما يتعلق بمحاربة الفساد، خصوصاً الذي أدى إلى إقفال المدارس، يؤكد مهرداد أنّ ذلك من أولويات الحكومة: "تحسنت الأحوال إلى حد ما. وقد سلّمت الحكومة قضايا 66 مسؤولاً في الحكومة المركزية والحكومات المحلية إلى المحكمة بعدما أثبتت التحقيقات ضلوعهم في الفساد".
جدير بالذكر أنّ هناك مبادرات قبلية نتج عنها التفات الحكومة المركزية إلى الفساد المستشري في قطاع التعليم. وقد لعبت وسائل الإعلام دوراً في إنجاح تلك المبادرات التي نجحت في فتح بعض المدارس التي أقفلت بسب الوضع الأمني المتدهور. وعلى سبيل المثال، فقد فتحت ثلاث مدارس أبوابها أمام التلاميذ هذا العام برعاية قبلية في إقليم بكتيا في جنوب البلاد. وكانت تلك المدارس قد أغلقت منذ فترة طويلة بذريعة تدهور الوضع الأمني.
عن ذلك، يقول الناطق باسم الحكومة المحلية في بكتيا نسيم واجد إنّ تلك المدارس كانت مقفلة منذ سنوات في المناطق النائية من الإقليم بسبب الوضع الأمني، وكانت الزعامة القبلية قد لعبت دوراً هاما في فتحها. ويشير واجد إلى أنّ الأمر يبيّن مدى رغبة القبائل في تثقيف وتعليم أولادها الذين هم مستقبل هذه البلاد، وهي لا تلعب دوراً فقط في فتح المدارس المغلقة، بل تسعى إلى توجيه الحكومة صوب الثغرات الموجودة في عملية التعليم. ويلفت إلى أنّ القبائل تمنح أراضيها لبناء المدارس، والحكومة تعمل جنباً إلى جنب معها في هذا الصدد، وفي كلّ القضايا المتعلقة بالتعليم.