شهدت محافظة الرقة السورية التي يسيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" وتهاجمها جهات متعددة، مثل التحالف الدولي وقوات النظام والطيران الروسي، أكبر موجة نزوح لأهلها على وقع الصراع العنيف والخوف من كارثة إنسانية في حال انهيار سد الفرات.
ويتوجه النازحون بشكل رئيسي إلى مخيمي المبروكة وعين عيسى في محافظة الحسكة، والتي تسيطر عليها قوات سورية الديمقراطية، فيما يتوزع آخرون في مخيمات عشوائية في العراء في ظروف مأساوية.
يقول عبد الله، وهو ناشط إعلامي من أهالي الرقة، إنه "لا يوجد إحصائية دقيقة لأعداد النازحين، لكن أعدادهم على الأقل 7 آلاف نازح. هناك تدخل محدود من قبل الأمم المتحدة في المخيمات من خلال بعض المنظمات الإغاثية المتعاونة التي قامت بتوزيع بعض الأغذية وإجراء بعض الفحوصات الطبية، لكن ما قدم لا يلبي 20 في المائة من الحاجة. كثير من العائلات لم تحصل حتى الآن على خيمة".
وأضاف أن "هناك أطفالا لا يجدون ما يأكلونه، وهناك انتشار كبير لحالات نقص التغذية بينهم، عدا عن الأمراض المنتشرة بين الكبار والصغار، والتي تحتاج إلى تدخل طبي فوري. هناك أيضاً العديد من الحالات الإنسانية الحرجة، خاصة بين كبار السن، وتحتاج النقل إلى مستشفيات مجهزة".
وغمرت مياه نهر الفرات عددا من الأراضي بريف مدينة الطبقة، كأراضي قرية السلحبية، ما كبد أهلها أضراراً مادية كبيرة واضطرهم للنزوح منها، وروت خالدة، من أهالي الرقة النازحين إلى مخيم المبروكة: "حين خرجنا لم يسمح لنا الدواعش، وطلبوا منا العودة إلى بيوتنا، كان القصف مستمراً، ومياه الفرات تكاد تصل القرية، دفعنا مالاً للمهرب، واصطحبنا مشياً من الأراضي الزراعية، ظللنا يومين كاملين على الطريق، اضطررنا خلالها لحمل أمي المريضة التي انهارت على الطريق، بعد عدة ساعات تركنا المهرب، واكتشفنا أنه تركنا لأنه كان علينا المرور بحقل ألغام. كنا عائلتين ومعنا أطفال فاستعنا بالحجارة والأعواد لكشف طريقنا، وانفجر لغم أمامنا، الحمد لله نجونا جميعاً، ووصلنا إلى هنا بعد يومين من الرعب على الطريق".
ويعاني النازحون في مخيم "المبروكة" من عدم وجود خيام كافية لإيواء الجميع، ما اضطر العشرات منهم لتغطية بعض المركبات المكشوفة وتحويلها إلى مكان للمبيت، تقول خالدة "تبيت كل عائلتين في خيمة واحدة، ويبيت كثيرون في العراء داخل المخيم، أو على ظهر السيارات، يوجد الكثير من الأطفال. رضع وصغار يموتون برداً. لم نحصل إلا على علاج مسكن لوالدتي وعلب بسكويت للأطفال. فررنا دون أي شيء، ولا نملك المال لشراء الطعام والملابس".
ويعاني سكان المخيمين من قسوة الطبيعة في المنطقة الصحراوية، وسط انعدام أي موارد للتدفئة، وتمنع قوات سورية الديمقراطية الوافدين إلى المخيمين من الخروج، يقول فواز، وهو لاجئ سوري في تركيا: "لم يستطع والداي الخروج من المخيم، يريدان أن يسافرا للمبيت عند أحد أقاربنا في ريف عفرين، لأن صحتهما لا تحتمل البقاء في هذه الأحوال الجوية، لكنهما منعا بحجة المخاوف الأمنية. ترى من الذي يشكل خطراً على الآخر؟".
وكان تجمع "الرقة تذبح بصمت" أحصى مقتل 413 مدنياً من أهالي المحافظة خلال شهر آذار/مارس الماضي، 367 منهم قتلوا بقصف طيران التحالف الدولي الذي شن 275 غارة، فيما قتل 31 آخرين على يد تنظيم الدولة "داعش"، وقتل 6 بغارات للطيران الروسي، و5 برصاصات قناصة المليشيات الكردية، و4 على يد حرس الحدود التركي.
ونظّم سوريون أمس الأحد، اعتصاماً في مدينة إسطنبول التركية تضامناً مع أهالي الرقة، وتنديداً بالجرائم التي يتعرضون لها على يد قوات التحالف الدولي، وقال غسان، وهو شاب سوري شارك في الاعتصام: "نريد أن نرفع صوتنا لنقول للعالم كفوا عن قتل أهلنا في الرقة بحجة داعش، أهل الرقة ليسوا المسؤولين عن نشأة داعش، وإنما المجتمع الدولي الذي يتغاضى عما يرتكب من جرائم في سورية ويوفر كل السبل لنشأة داعش وتمددها، وفي النهاية يقتل المدنيين باسمها".