حافلات غير آمنة لأطفال الأردن

17 ابريل 2017
بالنسبة لبعضهم، لا بديل عن هذه الحافلات(جاك غويز/فرانس برس)
+ الخط -
قبل دقائق على قرع أجراس الصباح، تتحوّل مداخل المدارس الحكوميّة الأردنية إلى ما يشبه موقفاً عشوائيّاً لحافلات "الكيا"، التي تقلّ التلاميذ من وإلى المدارس. ويتكرّر هذا المشهد فور قرع الأجراس نهاية الدوام المدرسي، إيذاناً ببدء رحلة العودة. وباتت وسائل النقل غير المرخّصة حلاً رائجاً ومقبولاً للعائلات، التي تتجاهل مخاطرها، في ظلّ عدم وجود بدائل، وتلكؤ الجهات المعنية عن تنظيمها لتصبح أكثر أماناً ومراعاة للكرامة الإنسانية.

وترى الثلاثينيّة أم عمر أنّه ما من حلّ آخر لتأمين ذهاب وعودة أطفالها الثلاثة إلى مدارسهم. فهي لا تملك سيّارة، في وقت يستخدم زوجها سيّارة العائلة للذهاب إلى عمله. وتبعد مدرسة أولادها نحو أربعة كيلومترات عن البيت. "لا يمكن أن يذهبوا سيراً على الأقدام، كما أنني أخشى المواصلات العامة. لذلك اخترت الاشتراك بإحدى حافلات كيا في مقابل 42 دولاراً شهرياً. هذا أفضل الحلول".

خلال الأيّام الماضية، أعيد فتح نقاش كبير يتعلّق بهذه الحافلات، بعد وفاة أربعة أطفال إثر حادث بين حافلة تابعة لروضة وسيارة في محافظة المفرق شمال شرق عمّان. وأشارت التحقيقات إلى أنّ الحافلة كانت تقل عدداً كبيراً من الأطفال، وقد وقع الحادث نتيجة عدم التزام السائق بأولويّة المرور.

وتعليقاً على الحادث، غرّد الملك عبد الله الثاني على صفحته على "تويتر"، قائلاً إنّه "نتيجة الاستهتار بقواعد السير وعدم تطبيقها، نخسر كل يوم زهرة من أطفالنا والخيرة من شبابنا. علينا جميعاً التصدّي لهذه الظاهرة بحزم ومسؤوليّة". هذا التعليق دفع المعنيّين إلى عقد اجتماعات لبحث المشكلة.

ويحظر قانون النقل تشغيل الحافلات الخاصّة، إلّا بعد الحصول على تصريح من هيئة تنظيم قطاع النقل البري، سواء أكان النقل بأجر أم من دون أجر؟ إلا أنّه لم يحد من انتشار ظاهرة النقل الموازي في مقابل أجر، ما أدى إلى انتشار حافلات "الكيا" التي تنقل تلاميذ المدارس.

واللافت أنّ الحادثة لم تردع العائلات عن التوقّف عن إرسال أبنائهم إلى المدارس من خلال هذه الحافلات. وتقول أم عمر: "لا يوجد بديل. البديل هو ألا يذهب الأولاد إلى المدارس". لكنّ الحادثة دفعت الجهات الأمنية إلى تكثيف حملات الرقابة والملاحقة، في وقت التزمت وزارة النقل وهيئة تنظيم قطاع النقل الصمت، رغم وعودها قبل أكثر من عامين بتنظيم عمل حافلات الكيا.

ويقول الناطق باسم الأمن العام، عامر السرطاوي، إنّ إدارة السير تحرّر مخالفات بحق سائقي هذه الحافلات. يضيف: "في حال مصادفتها، تحرّر مخالفة وفقاً للقانون، وتحجز الحافلة. وبين الحين والآخر، نطلق حملات خاصة". وتقدّر أرقام غير رسميّة عدد حافلات "الكيا" التي تنقل ركاباً في مقابل أجر بنحو 30 ألف باص، نصفها في العاصمة عمّان، ويتوزع النصف الآخر على باقي المحافظات، وتعمل غالبيتها في نقل تلاميذ المدارس.

وتخلي وزارة التربية والتعليم مسؤوليتها، إذ يقول أمين عام الوزارة للشؤون الإدارية، سامي سلايطة، إن "الوزارة مسؤولة عن تقديم خدمة التعليم"، لافتاً إلى أن نقل التلاميذ ليس ضمن مسؤولياتنا. لكنه يلفت إلى تقديم الوزارة بدل نقل للتلاميذ الذين تبعد مدارسهم أكثر من 2 كيلومتر عن أماكن سكنهم.


وتقول الناطقة باسم هيئة تنظيم قطاع النقل البري، عبلة وشاح، إن الهيئة خاطبت إدارة السير منذ زمن لاتخاذ التدابير اللازمة للحدّ من هذه الظاهرة. وتبيّن أنّ "القانون يمنع عمل تلك الحافلات"، موضحة أن إدارة السير هي الجهة المخولة لمكافحة الظاهرة. وتؤكّد أنّ غالبية مناطق المملكة، خصوصاً حيث المدراس، تتوفر فيها وسائل نقل عامة، عازية سبب إقبال العائلات على استخدام حافلات "الكيا" لنقل أبنائهم إلى المدارس، إلى رغبتهم في عدم قطع أبنائهم مسافات قليلة سيراً على الأقدام للوصول إلى أماكن توفر خدمة النقل.

وتشير وشاح إلى العمل على إعداد دراسة لمعرفة مدى الحاجة إلى وسائل لنقل تلاميذ المدارس الحكومية. "في حال تبين أن هناك حاجة، سندرس استحداث وسائل نقل خاصة لهم".
لكن المشكلة التي أثيرت في أعقاب الحادث قديمة، وسبق وأن وعدت وزارة النقل والهيئة بحلها، من دون أن يتحقق الأمر. فقبل عامين، وفي أعقاب اعتصام نفذه سائقون يعملون في نقل تلاميذ المدارس الحكومية، أعلنت وزارة النقل أنّها شرعت بدراسة القضية للعمل على تنظيم عمل الباصات وقوننتها لتصبح جزءاً من منظومة النقل العام.

ويؤكّد رئيس لجنة باصات نقل تلاميذ المدارس الحكومية، خالد القيسي، أنّ المفاوضات مع الجهات المعنيّة بالنقل العام وصلت إلى مراحل متقدّمة من دون أن تؤدّي إلى نتائج ملموسة بعد. يضيف: "لا مشكلة لدينا بالترخيص ضمن شروط صارمة، مع فرض غرامات بحق المخالفين". ويرى القيسي أنّ وزارة النقل وهيئة تنظيم النقل لا تنظر إلى القضية بجدية، في وقت يقدم العاملون في نقل التلاميذ خدمات كبيرة للعائلات الأردنية وبكلفة بسيطة. ويرى أنّ إيقافهم عن العمل بهدف الضغط على الجهات المعنية، سيؤدي إلى إرباك العائلات.


دلالات