42 عاماً من الانتظار

14 ابريل 2017
طال أوان معالجة القضية (حسين بيضون)
+ الخط -

لم يكن المطر المفاجئ عائقاً. فهذه ليست المرّة الأولى التي يقفن فيها تحت مطر غزير. مرّت عليهن عواصف كثيرة، وأيام شديدة الحرارة، وأيّام أخرى وقفن فيها على خطوط التماس، بمواجهة المتقاتلين، يسألنهم فيها عمّا ارتكبت أيديهم. بالأساس هنّ لا يقمن أي اعتبار لحرٍّ أو مطرٍ أو أية عوامل أخرى، طبيعية كانت أو بشرية.

اثنان وأربعون عاماً مرّت على ذلك التاريخ، 13 أبريل/نيسان 1975، الذي كلما عادت ذكراه وضع اللبنانيون أيديهم على قلوبهم خوفاً من تكراره. وهذا تكرار يلوح طيفه، كل يوم، أمام سلمهم شديد الهشاشة.

لكن المطر، وهو فأل خير بالطبع، على لطافة هطوله غزيراً وموارباً في يومٍ ربيعي لطيف شعرَ بالخجل من أمهات المخطوفين والمفقودين اللواتي التقين بالأمس في خيمة اعتصامهن. خجلَ المطر وأخذ موقفاً بالاحتباس في السماء ولم يخجل زعماء الحرب (الذين صرنا نسمّيهم زوراً سياسيين). لم يستحوا في السابق ولا في الحاضر من عيون أمهات المفقودين والمخطوفين، ولا من أيديهن التي صارت إطارات لصور أبنائهن المغيّبين. فهؤلاء يدفعون بنا كل يومٍ إلى حافة الحرب والخراب في سبيل حصصٍ من دولة موهومة لا تغني إلا عائلاتهم وحاشياتهم.

حضرت وداد حلواني، رئيسة لجنة الأهالي، باكراً، عادتها في المناسبات. لا تتأخر وداد ولا تتلكأ. تتصل بالصحافيين والإعلاميين لتحثّهم على المشاركة أينما كانوا. حضر أيضاً غسان وزياد، ولداها. وحضرت الطفلة دنيا، حفيدتها الحلوة ذات الشهور الثلاثة، التي أتت تسأل عن مصير جدّها الذي لم تجده في العائلة عندما فتحت عينيها على الحياة.

أم غسان، والدة المخطوفين غسان وفادي، أتت مبتسمة. غريب. من أين تأتي أم غسان بهذه القوة والقدرة على الابتسام؟ من أين تستمدّ هذه المرأة كل هذه العزيمة؟ كيف تتحّلى بكل هذا الصبر؟

تحفظ سوسن هرباوي جيداً وصيّة والدتها، أم محمد، التي غادرت قبل فترة من دون أن تحصل على جواب عن مصير ولدها. هذه ليست وصية مكتوبة، ولا أم محمد أملتها على ابنتها قبل أن تُسلم الروح. هذه وصية قرأتها سوسن في وجه أمها كلّ يوم، منذ اختطف شقيقها. لذلك، لن تتخلّى سوسن أبداً عن المشاركة، لا اليوم ولا غداً. وهي ليست وحدها من حفظت وصية أمها. فوجه أم محمد شديد التعبير، وقد رسمته أثلام الانتظار الطويل، حفظته عدسات آلات التصوير قبل زمن طويل. هذا وجه ليس من السهل نسيان تفاصيله.




كان اللقاء بالأمس في تاريخنا المشؤوم إيّاه. صحيح أنه محطة مفصلية في تاريخ البلد، مثلما قالت وداد، غير أن الأهالي يفتقدون أبناءهم كل يوم "قضية المفقودين قضية مفصلية من ضلع هذه المحطة وفي صلبها".

بدأ المشاركون خلال لقاء الأمس، من أهالٍ وناشطين ومهتمين، بالتوقيع على العريضة الوطنية التي تشكّل خارطة طريق لحلّ هذه القضية التي طال أوان معالجتها. ويهدف الأهالي إلى جمع أكبر عدد ممكن من التواقيع حتى تاريخ 31 مايو/أيار المقبل. (يمكن التوقيع على العريضة إلكترونياً من خلال الرابط التالي www.goo.gl/mrWnmy).

ترتكز العريضة الوطنية على إجراءين، الأول هو جمع وحفظ العينات البيولوجية من الأهالي تمهيداً لإجراء الفحص الجيني (DNA) للتمكن من التعرّف على هويات المفقودين أو على الرفات متى وُجدت. والثاني هو إقرار قانون بإنشاء هيئة وطنية مستقلة، تتمتع بالصلاحيات اللازمة، مهمتها البحث عن مصائر المخفيين قسرياً وكشفها لأهاليهم.

بالأمس انهمر المطر غزيراً، ثم ابتسمت السماء شمساً رقيقة. وابتسمت الصغيرة دنيا. لكن يبقى لدنيا التي بدأت تكتشف الحياة بأصابعها الصغيرة أسئلة كثيرة. أسئلة تستحق إجابات عنها، وقد حان أوانها.

معرضان في ذكرى الحرب

أقيم بالأمس معرض صور لمفقودي الحرب الأهلية، للمصوّر وسام خوري، في حديقة جبران في وسط بيروت قرب خيمة الأهالي، على هامش المؤتمر الصحافي الذي دعوا إليه من أجل إطلاق العريضة الوطنية. كما أقيم معرض "كراسي فارغة، عائلات تنتظر" والذي يضم 27 كرسياً تخبر قصص 27 مفقوداً في لبنان، بالشراكة مع "اللجنة الدولية للصليب الأحمر"، في "بيت بيروت".