أطفال مقدسيّون يعرضون الانتهاكات بحقّهم

29 مارس 2017
يفتقر إلى الشعور بالأمان (فرانس برس)
+ الخط -
في قاعة المؤتمرات في دار إسعاف النشاشيبي في حيّ الشيخ جرّاح في القدس، عرض 11 باحثاً من أطفال القدس وسلوان والعيسوية وجبل المكبر في المدينة المقدسة، نتائج دراسة أعدّوها على مدى عام، تحت إشراف المركز الفلسطيني للإرشاد، وهو مؤسّسة مقدسيّة تُعنى بحقوق الطفل والمرأة.

في اللّقاء الذي جمعهم بهيئات محليّة ودوليّة، كشف هؤلاء الأطفال عن انتهاكات يتعرّضون لها في المناطق التي يقطنونها، والتي يستهدفها الاحتلال، من خلال هدم منازلهم، كما هو الحال في جبل المكبر الذي كان له النصيب الأكبر من عمليّات الهدم خلال العامين الماضيين، وتقييد حريّة العبادة واللّعب، والاعتقالات، عدا عن صعوبة وصولهم إلى مدارسهم كما هو الحال بالنسبة لأطفال القدس القديمة. ويوميّاً، يعتقل أطفال أو يُحكم عليهم بالحبس المنزلي، وهي عقوبة طاولت أكثر من 400 طفل من أبناء بلدة سلوان جنوب المسجد الأقصى، بالإضافة إلى الاقتحامات شبه اليوميّة والمتكرّرة لمنازلهم، كما هو الحال بالنسبة لأطفال العيسوية.

الباحثون، وهم أطفال من أبناء هذه المناطق، عنونوا دراستهم بـ "اعتداءات الاحتلال، وتأثيرها على ظاهرة العنف داخل الأسرة والمجتمع الفلسطيني في القدس". وعكست نتائج الدراسة، كما عرضها الباحثون الصغار، أنواع العنف المختلفة التي يتعرضون لها وأقرانهم في مناطق سكنهم، بسبب التواجد المستمر لقوات الاحتلال في القدس، ما يدل على حرمان الأطفال من حقهم في الحماية والصحة والتعليم واللعب وغيرها.

وتقول مديرة المركز الفلسطيني للإرشاد، رنا النشاشيبي، لـ "العربي الجديد"، والتي شاركت في الإشراف على الدراسة: إن "هذه الدراسة تعدّ نوعيّة وغير مسبوقة، خصوصاً بعد تدريب أطفال لإعدادها، وهم من ضحايا الانتهاكات التي شهدت زيادة كبيرة منذ هبة القدس في عام 2014". وتأمل النشاشيبي أن تهتم الهيئات الدولية المعنيّة بحقوق الأطفال بهذه الدراسة، والعمل على توفير الحماية للأطفال.

خلال عرض النتائج (العربي الجديد)
 

من جهتهم، تحدّث الأطفال عن صدمات الاعتقال والفقدان والمعاناة ومشاعر العجز والإحباط والخوف، بالإضافة إلى معاناة الآباء والأمهات لمنع أطفالهم المعتقلين من الخروج من المنزل ومواجهة الاحتلال. من هنا، لا تخلو العلاقة بين الطرفين من توتر دائم. وفي أحيان كثيرة، يصبح العنف وسيلة للتعامل مع هذه الاختلافات.
ووفقاً لما عرضوه في دراستهم، أظهر الأطفال قدرة على وصف الأحداث، ومشاعرهم المرتبطة بما عاشوه. وحاول بعض الأطفال أن يكونوا أكثر عقلانية خلال الحديث عن معاناتهم، خصوصاً أولئك الذين هدمت منازلهم، "فما يحدث للآخرين يحدث لنا".

معدّو الدراسة، وهم أطفال من مناطق القدس الأربع، أكدوا على حقهم في الحماية، ومحاسبة مرتكبي جرائم الحرب الإسرائيليّين، والعمل على إنشاء مراكز ونواد وملاعب مجهزة وآمنة، وتأمين طواقم إسعاف في الملاعب، والاهتمام بقضيّة الحبس المنزلي، وتقديم الدعم النفسي لهم ولذويهم، ومتابعتهم أكاديميّاً، وتقديم الاستشارة القانونيّة لهم، ووقف انتهاكات المستوطنين بحقهم.

نقاش (العربي الجديد)
 

وإلى العقوبات والانتهاكات التي يتعرض لها الأطفال، فقد تبيّن، بحسب الدراسة، أنّ الأطفال الذين شهدوا عمليّة هدم منازلهم في جبل المكبر جنوب القدس القديمة، قد عانوا من صدمات عدة في آن واحد. هؤلاء عانوا أيضاً للتأقلم مع حياتهم الجديدة، وقد انتقلوا إلى العيش مع الأقارب والجيران أو أحياء جديدة. وهذا جعلهم أكثر عدوانية، وأثر على تحصيلهم العلمي، حتّى أنّهم باتوا يستخدمون العنف.

وفي ما يتعلّق بنتائج عقوبة الحبس المنزلي على أطفال سلوان تحديداً، بيّنت الدراسة أنّ الحبس المنزلي يعد أصعب ما يختبره الأطفال، ويترك آثاراً سلبية على الصعيدين النفسي والاجتماعي، كالعزلة الاجتماعية، والشعور بالخوف، وصعوبات في العلاقة مع الأهل والأصدقاء، في وقت يتعرّض الأطفال لمعاملة سيّئة نتيجة العنف والضغط الجسدي والنفسي، وأحياناً التعذيب أثناء الاستجواب والسجن. وعادة ما يتجنّب الأطفال، الذين اعتقلوا، التحدث مع أهلهم عن مشاعرهم خلال فترة الاعتقال.

سيدافعون عن حقوقهم (العربي الجديد)
 

ويواجه الأهالي تحدياتٍ في التعامل مع أطفالهم، خصوصاً بعد انتهاء فترة الاعتقال، بسبب تغيّر سلوك أبنائهم، وشعورهم بالغضب والرغبة في التمرّد. تجدر الإشارة إلى أنّ الحبس المنزلي يحوّل المنزل إلى سجن لهؤلاء الأطفال. وفي حال لم يلتزم الأهل، قد يتعرّضون للملاحقة القانونية أو دفع غرامات مالية أو ينقل الأطفال إلى سجن فعلي.

وكان للاقتحامات المتكرّرة للمنازل في بلدة العيسوية تأثيرٌ سلبيٌّ على الأطفال من الناحية النفسية والاجتماعية، إذ باتوا يشعرون بخوف دائم، وتوتّر، وعدم استقرار، وفقدان الشعور بالأمان، وحرمان من اللّعب، ومشاكل في النوم، عدا عن تعرّضهم لتحرّش جنسي في سجون الاحتلال، في وقت يشعر الأهل بالتقصير حيال أبنائهم.

وبيّنت الدراسة أن أطفال االبلدة القديمة يعانون مشاكل نفسية واجتماعية نتيجة تعرّضهم المستمرّ للعنف، وإجبارهم على البقاء في بيوت ضيّقة، وحرمانهم من دخول المسجد الأقصى وساحاته، والوصول إلى المدارس، وتقييد اللعب والعبادة، وإخضاعهم للتفتيش الجسدي العنيف، حتّى بات معظم الأهل يشعرون بقلق على أبنائهم، في وقت يشعر الأبناء بالغضب حيال الاحتلال، ما يولّد لديهم رغبة في الانتقام. وباتوا يعانون من مشاكل سلوكيّة، وتبوّل لاإرادي، وغيرها.