تونسيات يلدن في الشارع

27 مارس 2017
موعد ولادتها بات قريباً (عبد الحق سنا/ فرانس برس)
+ الخط -
يؤدّي نقص عدد الأطبّاء المتخصّصين في الجهات الداخليّة التونسيّة إلى مشاكل كثيرة، منها وفاة البعض. ويصرّ أطبّاء على رفض العمل في تلك الجهات، بسبب غياب التنمية وضعف الإمكانيات والتجهيزات في مستشفياتها. وبحسب الإحصائيّات المتوفّرة، فإنّ 24 مستشفى في تونس تعاني من نقصٍ في تخصّصات عدة (8 تخصّصات أساسيّة)، أهمّها التخدير والإنعاش والجراحة. وفي ظلّ عدم وجود أطباء نسائيّين في عدد من المستشفيات الداخلية، توفيت عشرات النساء في بعض الجهات. أمر دفع الأهالي إلى الاحتجاج نتيجة تهميش الجهات الداخليّة. واللافت أنّ بعض النساء وضعن في الشارع رغم توفّر الأطباء المتخصصين. وتكرّر الأمر خلال الأشهر الأخيرة، بسبب أخطاء في التشخيص.

وفي ديسمبر/ كانون الأول في عام 2015، توفيت امرأة تبلغ من العمر 34 عاماً، وكانت على وشك الولادة في تطاوين، إحدى المحافظات الجنوبيّة، بسبب عدم وجود طبيب نسائي في مستشفى الجهة. وتوفيّت على الطريق خلال توجّهها إلى أحد مستشفيات الجهات الأخرى.

نقص
وخلال الأشهر الماضية، سعت الجهة إلى سدّ النقص في المستشفى، وفق المدير الجهوي للصحّة في تطاوين، أحمد الفيلالي، مقراً بوجود نقص في الأطباء النسائيين. ورغم فتح مناظرة من قبل وزارة الصحّة العامة لانتداب 30 طبيباً متخصصاً، إلاّ أنّه لم يتقدّم أي طبيب. وفي الشهر نفسه، توفيت امرأة حامل أيضاً، بسبب النقص في عدد الأطباء، إذ كانت في حاجة إلى تدخّل عاجل.

كذلك، يعاني مستشفى الكاف في شمال تونس من نقصٍ في عدد من أطبّاء التوليد، وقد أنجبت نساء وهنّ في طريقهنّ إلى إحدى الجهات الأخرى، بحسب عضو نقابة الصحة المحلية في الجهة، عز الدين المازني. ويلفت إلى ارتفاع نسبة النساء اللواتي يضعن في الطريق، ومن دون أن تتوفّر التجهيزات اللازمة في سيارات الإسعاف، عدا عن نقل أكثر من حالة في سيارة واحدة. ويحتاج قسم التوليد في المنطقة إلى خمسة أطبّاء متخصصين.

وتوفيّت نساء كثيرات في ظلّ نقص أو غياب أطباء نسائيين في الأرياف، علماً أنّه لا توجد إحصائيات رسميّة عن عدد وفيّات النساء نتيجة نقص الأطباء. وبحسب دراسة لمركز المرأة العربية للتدريب والبحوث، فإن نسبة الأمهات اللواتي يتوفين أثناء الولادة تصل إلى 50 حالة لكل مائة ألف في تونس الكبرى. وتشير إلى ارتفاع نسبة الوفيات لدى الفقراء، بالإضافة إلى ارتفاعها في الجهات الداخليّة مثل الشمال الغربي والجنوب الغربي، بسبب النقص في عدد الأطباء والتجهيزات اللازمة.

وتختار نساء الوضع في المنزل من دون أيّة إحاطة طبيّة مسبقة، وتقدّر بنسبة 10 في المائة في سيدي بوزيد، ومثلها في القيروان.

تشخيص
وتندّد غالبيّة المنظّمات والجمعيّات بنقص أطبّاء التوليد في العديد من الجهات. وهناك مشكلة أخرى تتعلّق بأخطاء في التشخيص، ما أدّى إلى لجوء البعض إلى القضاء. في السابع من فبراير/ شباط الماضي، وضعت امرأة مولودها في الطريق العام في محافظة بنزرت، ولحسن حظّها أنّها ورضيعها في صحّة جيّدة. ما حدث أنّ الأمّ شعرت بآلام المخاض وتوجهت برفقة زوجها إلى المستشفى المحلي في المنطقة. لكن الطبيبة والقابلة القانونية أكدتا أن موعد الولادة لم يحن بعد، وطلبتا منها المغادرة. وفي الليل، شعرت بألم شديد، وأثناء توجهها إلى المستشفى، وضعت مولودها. تقدّم زوجها بشكوى إلى المصالح القضائية، وفتح تحقيق في الأمر.

في أكتوبر/ تشرين الأوّل في عام 2016، تقدّم نعمان الصيداوي بشكوى لدى وكيل الجمهورية في محافظة القيروان، بعدما اضطرت زوجته إلى الوضع أمام باب المستشفى. ويقول لـ "العربي الجديد" إنه اصطحب زوجته صباحاً إلى قسم التوليد في مستشفى القيروان، بعدما شعرت بآلام المخاض. إلّا أنّ القابلة والطبيبة المناوبة أخبرتاها أنّ موعد الولادة لم يحن بعد. رغم آلام زوجته وتوسلّاته لإبقائها في المستشفى، أمرتها الطبيبة المناوبة بالمغادرة، وقد وصفت لها بعض الأدوية التي تخفف من ألمها، قائلة إنه لا داعي لبقائها في المستشفى. لكن بعد خروجها من المستشفى، وضعت عند بابه.

امرأة أخرى وضعت في سيارتها في الثامن من أغسطس/ آب 2016، بعدما طردتها القابلة من مستشفى طبلبة في محافظة منوبة. ورفضت القابلة استقبالها لأنّها أجرت الاختبارات في مستشفى آخر وليس المستشفى الذي تعمل فيه. بعدها، سارع زوجها إلى نقلها إلى مستشفى آخر، إلا أنها وضعت مولودها في الطريق.

وفي عام 2015، اضطرّت امرأة في محافظة سليانة في شمال تونس إلى الولادة في بهو المستشفى الذي رفض استقبالها لعدم امتلاكها دفتر علاج. وتكثر وفيّات النساء أثناء الولادة، في مقابل اضطرار أخريات إلى الولادة في الشارع. ويؤكّد رئيس قسم مركز التوليد في مستشفى الرابطة في تونس، الهادي رزيقة، وجود 16 ألف ولادة في العام، وتتعرّض نحو 5 في المائة من النساء إلى نزيف حاد. ويرى أن سبب ارتفاع نسب الوفيات بين النساء الحوامل في تونس من جرّاء تعرضهن لنزيف بعد الولادة، بالمقارنة مع الدول المتقدمة، يرتبط بشكل أساسي بنقص عدد الأطباء المتخصصين في الجهات الداخلية، بالإضافة إلى عدم وجود بنك دم فيها.

المساهمون