موروث من الجاهليّة في مصر

18 فبراير 2017
قد تحدث لها مصيبة وكارثة (ماركو لونغاري/ فرانس برس)
+ الخط -

عادات وتقاليد كثيرة تنتشر في المجتمع المصري، بعدما رسخت في أذهان المواطنين قبل زمن وأصبحت جزءاً أساسياً من معتقداتهم وتعاملهم اليومي. وأصبح لدى البعض هوس بالأرقام والأيام، فيستبشرون ببعضها ويتشاءمون من بعضها الآخر.

ولعلّ التطيّر والتشاؤم لا يقتصران على المصريين فحسب، إذ أظهرت دراسة هولندية نُشرت في دورية الطب الباطني أنّ أكثر من 70 في المائة من حالات الاكتئاب أساسها التشاؤم، كذلك فإنّ المتشائمين يصابون بأمراض نفسية وعضوية نتيجة حالة عدم الرضا. وذكر خبراء علم النفس في الدراسة أنّ المتشائم شخص يائس ينظر إلى الحياة بسوداوية، ويندب حظه دائماً ويدخل في دوامة الاكتئاب والإحباط والخوف الذي يربطه بعلامات معينة. من جهة أخرى، تفيد دراسات بأنّ التفاؤل مفيد للقلب وبأنّ الرجال الأكثر تفاؤلاً ينخفض لديهم خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية بنسبة 50 في المائة تقريباً.

مرفت بسيوني طالبة في كلية الآداب في جامعة القاهرة، تقول إنّ "الأمر لا يتعلّق بتشاؤم المرء أو تفاؤله بشيء ما، بل بالراحة النفسية التي يشعر بها مع وجود بعض الأشياء في حياته". وتشير إلى أنّها تحمل قلادة منذ صغرها تتفاءل بها. وفي حال نسيتها في البيت، تسوء الأمور وتشعر بخيبة أمل كبيرة. أمّا لمياء محمد وهي ربّة منزل، فتشير إلى أنّها تتشاءم عند سماعها صوت غراب، "وأشعر بانقباض ما كأنّ مكروهاً سوف يصيبني". وعللت ذلك بأنها نشأت على ذلك منذ صغرها. والدتها كانت قد أخبرتها في يوم أنّها عندما تشاهد غراباً أو تسمع صوته، تحدث لها مصيبة وكارثة حتماً.

في هذا السياق، يتشاءم كثيرون من رقم 13 ومن يوم الثلاثاء. بالنسبة إلى طارق نور وهو طالب فلسفة في كلية الآداب، فإنّ "يوم الثلاثاء من الأيام التي لا أتفاءل بها كثيراً". ويشير إلى ذلك المثل الشعبي الذي يردّده وأصدقاؤه عندما يشعرون بالضيق، لا سيّما بسبب شخص معيّن، فيقولون: "روح وانت شَبه يوم التلات". وقد يصل الأمر إلى حالات مرضيّة لدى البعض، فتقول ياسمين سعيد وهي ربّة منزل إنّها تتشاءم بحلول فصل الشتاء وتصاب بالاكتئاب. "لذلك أفضّل الانعزال مع بداية الشتاء من كل سنة حتى لا أنشر إحباطي واكتئابي في محيطي". أمّا يحيى السيّد وهو موظف في شركة تأمين، فيذكر أنّ الشهر الثامن (أغسطس/ آب) يمثّل هاجساً له، فيدعو الله منذ بدايته أن يمرّ على خير. "أجده طويلاً وثقيلاً على قلبي ولا أحتمله. كلّ المشاكل تحدث فيه".

واليوم مع التطوّر التكنولوجي، يبدو أنّ الأمر لم يعد يقتصر على التشاؤم بالأرقام أو الأيام. كثيرون يتشاءمون من منشورات تكتب على صفحات موقع "فيسبوك" للتواصل الاجتماعي على سبيل المثال، في حين يتوجّس أو يتفاءل آخرون من تطبيقات معيّنة. تقول نوال جميل وهي موظفة في شركة خاصة، إنّها تتصفح يومياً تطبيق "آسك" (اسأل) الذي أصبح بمثابة محفّز أساسي لها. تقضي ساعات في الصباح قبل توجّهها إلى العمل، حتى تشعر بالاطمئنان. "وفي اليوم الذي لا أتصفحه، أشعر بتوتر وقلق شديدَين". في هذا الإطار، يخبر جمال أحمد وهو طالب بكالوريوس أنّه يستيقظ صباح كلّ يوم ويتصفّح "فيسبوك". ويشرح: "إذا وجدت منشورات كئيبة، هذا يعني أنّ اليوم سيئ. فألازم المنزل، ولا أتابع محاضراتي خوفاً من أن يصيبني مكروه. أمّا في حال قرأت منشورات مفرحة، فأستبشر خيراً وأتشجّع على الخروج من المنزل".




يرى أستاذ مادة الشريعة في الأزهر الشريف، الدكتور محمد عامر، أنّ "انتشار مثل هذه المعتقدات يُعدّ عودة إلى عهد الجاهلية الأولى". ويقول إنّ "العرب قبل الإسلام كانوا يتفاءلون بيوم معيّن ويتشاءمون بعلامات معينة، وقد وصل البعض منهم إلى درجة تعطيل تجارته ومصدر رزقه بسبب هاجس التطيّر. على سبيل المثال، كانوا يطلقون طائراً قبل سفرهم في رحلة تجارة أو لقضاء حاجة ما. إذا ذهب صوب وجهة سفرهم، يعني ذلك أنّ تلك السفرية ليست آمنة، فيلغونها. أمّا إذا طار في عكس وجهتهم، فإنّهم يستبشرون خيراً ويمضون في سفرهم". ويلفت عامر إلى أنّ الإسلام رأى تلك العادة بمثابة شرك. ويوضح أنّ النبيّ محمداً قال: "من ردّته الطيرة عن حاجته فقد أشرك. قالوا: فما كفارة ذلك؟ قال: أن تقول: اللهم لا خير إلا خيرك، ولا طير إلا طيرك".

من جهته، يقول رئيس الجمعية العالمية للصحة النفسية، الدكتور أحمد جمال أبو العزائم، إنّ "التفاؤل والتشاؤم يؤثّران في تشكيل سلوك الفرد وعلاقاته الاجتماعية وصحته النفسية والجسدية. فالمتفائل يتوقّع الخير والسرور والنجاح، ويفلح في تحقيق التوافق النفسي والاجتماعي، وينظر إلى الحياة بطريقة إيجابية ويكون أكثر إشراقاً واستبشاراً بالمستقبل وبما حوله. أمّا المتشائم، فبعكسه يتوقّع الشر واليأس والفشل وينظر إلى الحياة بطريقة سلبية". ويوضح أنّ "تنامي تلك المعتقدات في أذهان البعض، يؤدّي مستقبلاً إلى الإصابة بـالوسواس القهري، الذي يعدّ من الأمراض النفسية المؤرقة والذي تنتج عنه حياة اجتماعية غير سويّة". ويشير إلى أنّ نسبة انتشار المرض في المجتمع تصل إلى نحو اثنَين في المائة، وهو ما يعني أنّ شخصاً واحداً من كلّ خمسين شخصاً يعاني من هذا المرض. وربما عانى ضعفَي تلك النسبة". ويشدّد أبو العزائم على أنّه "لا بدّ للمجتمع من أن يتخلص من هذه المعتقدات التي ترسّخ لضعف شخصيات مواطنيه. أمّا تقوية الوازع الديني لدى الأفراد، فأمر في غاية الأهمية".

في هذا السياق، يقول أستاذ علم النفس في جامعة الزقازيق، الدكتور أحمد عبد الله، إنّ "التطيّر أو التشاؤم عادة جاهلية. للأسف، فإنّ كثيرين ما زالوا يؤمنون بهذه المعتقدات، وهي دليل على وجود خلل نفسي ومرض يصيب الإنسان كالوسواس القهري". ويوضح أنّ "البعض يتطيّر من الحيوانات كالقطط السوداء أو الكلاب السوداء ويتشاءم منها. وبعض آخر يتطيّر من حركات الجسم. لو رفّت عينه اليسرى، معنى ذلك أنّ أحد أقاربه سوف يموت. أمّا إذا رفّت اليمنى، فإنّه يستبشر خيراً إذ إنّه سوف يرزق بمال. إلى ذلك، البعض يتطيّر من الألوان أو بعض الأرقام مثل 13 أو 17 أو 19، فيما يتطيّر آخرون أو تنشرح صدورهم بناءً على ما يقوله المنجمون حول الأبراج. وهذه كلها اعتقادات باطلة"، يضيف أنّه "إلى جانب المرض النفسي عند البعض، فإنّ التطيّر والتشاؤم من العادات الموروثة عند البعض الآخر. فالعرب في الجاهلية كانوا يتشاءمون من شهر صفر ويتركون فيه الغزو والحروب ويتركون النهب والسلب". ويتابع عبد الله أنّ "الذين يتشاءمون أو يتطيّرون بمعظمهم، إلى جانب إصابتهم باضطرابات نفسية، فإنّهم ضعيفو الإيمان في الغالب. لا يُعقل أن تكون رؤية شخص بعينه أو يُحدَّد يوم بعينه كمبعث للتشاؤم أو التفاؤل". ويشير إلى أنّ "التفاؤل والتشاؤم ليسا عربيَّين. الأمر عالميّ ويشمل مجتمعات كثيرة".