في ظلّ التحوّلات الاجتماعية والاقتصادية المختلفة، وبفضل روح خاصة استطاعت المرأة الجزائرية أن تنتقل من وضعية التابع إلى وضعية المحرّك، فهل ستنتقل يوماً إلى وضعية القائد؟
لم يكن تأسيس "الاتحاد الوطني للنساء الجزائريات"، امتداداً لتكريس دور المرأة في بناء مؤسسات ثورة التحرير في خمسينيات القرن الماضي، أو تمهيداً لأن تلعب أدواراً اجتماعية واقتصادية وسياسية وثقافية في ظلّ الاستقلال الوطني، بل لتسخير طاقات المرأة الجزائرية لدعم النظام السياسي القائم، في المفاصل الحساسة التي يحتاجها للاستمرار، منها الانتخابات. والدليل أنّ هذا التنظيم لم يخرج من فلك السلطة والترويج لوجوهها واتجاهاتها حتى اليوم.
لكنّ تحوّلات كثيرة تتعلّق بحضور مختلِف للمرأة الجزائرية، التي تمثل نسبة 49 في المائة من إجمالي عدد السكان البالغ 40 مليوناً. ويبلغ عدد النساء ما بين 15 و50 عاماً عشرة ملايين داخل النسيج العام، وقد تحقّق الأمر في غفلة من معظم المنظومات، بفعل معطيات عدة منها انتشار التعليم المجاني والإجباري في البلاد، والانقلاب الإيجابي الذي حصل في النظرة الاجتماعية إلى المرأة العاملة، ممّا أهلها لأن تصبح مستقلّة مالياً، ورفع من مستوى حضورها في المجالات والفضاءات المختلفة إلى درجة الهيمنة أحياناً. واقع حمل السلطات السياسية خلال السنوات الخمس الأخيرة على اتخاذ إجراءين عزّزا هذا الحضور وكرّساه. يتعلّق الأول بتعديل قانون الأسرة، بما حرّر حقوقاً لها كانت مقيّدة، منها حق احتفاظ المطلّقة بالبيت، ووجوب أن تكون المرأة ممثّلة في الهيئات المنتخبة، بما لا يقلّ عن الثلث.
في جولة لـ "العربي الجديد" في سيارة أجرة، لاستطلاع آراء الركاب الرجال حول الحضور الجديد للمرأة الجزائرية، كان هناك تباين لدى ركّابها الرجال، بين مؤيد ومتشنّج ومتحفظ. السائق العمّ مختار محساس، وهو مدير مدرسة متقاعد، يقول إن "التشنّج هو ثمرة العقلية الذكورية الموروثة". يضيف أنّ "قليلاً من التأمّل يجعلنا ندرك أنّ هامشاً كبيراً من الحضور الذي باتت الجزائرية تتمتّع به اليوم، بالمقارنة مع جيلي أمهاتها وجدّاتها، هو نتيجة لاجتهادها ونمط تفكيرها".
اقــرأ أيضاً
يتابع: "إذهبوا إلى السوق، وستلاحظون أنّ الرجل يطلب السلعة من غير أن يعاينها أو يسأل عن سعرها، بينما تنتقيها المرأة بحرص، وتأخذ وتردّ مع التاجر في السعر، إلى أن تحصل عليها بسعر منخفض. هذا دليل على حسّها الاقتصادي العالي بالمقارنة مع الرجل، وهو ما يظهر بطبيعة الفكة التي يعود بها كلّ منهما إلى البيت. ففي وقت يعود الرجل بقطع حديدية صغيرة فقط، تعود المرأة بمبلغ محترم، وتبدأ في عد الأوراق النقدية". يلتفت إلى الركاب، ويسألهم: "من منكم ينكر أنّه يقع في مطبّات مالية خلال الشهر، فلا ينقذه إلا اللجوء إلى زوجته أو أمّه أو ابنته الكبرى"؟
يواصل رجل التربية المتقاعد تأمّلاته، ويقول: "مطلع كلّ أسبوع، أُعطي المال لابني وابنتي. ومع نهاية الأسبوع، يكون الصبي قد صرف كل شيء، فيما تحتفظ شقيقته بمبلغ معين. وإن لم تفعل، تكون قد اشترت شيئاً للبيت أو هدية لأحدنا". وينهي حديثه بالمثل الشعبي القائل: "عيشة خير من عيّاش".
في السياق، تقول فتيحة ركيز، العاملة في مستشفى وهران، إنّها سمعت هذا الأمر من الرجال أكثر من النساء، ما يجرّدها، بحسبها، من انحيازها النسوي. تضيف: "هذا في حكم الصفعة المعنوية التي يوجّهها الأب الجزائري لابنه المهمل، في مقارنة بينه وبين أخته الحريصة". تعطي أدلّة من الواقع الجزائري. "أنا أمّ لفتاتين وثلاثة شبّان، ولاحظت أنّ أبنائي لا ينتبهون إلى أنّ البيت يحتاج ولّاعة للطبخ أو صابوناً للتنظيف أو إبرة للخياطة أو يفكّرون في تجديد المصابيح منتهية الصلاحية. كما لاحظت أنّهم لا يرتّبون غرفهم صباحاً، على عكس الفتاتين". وربّما يلاحظ كثيرون هذا الفارق بين الفتيات والصبيان، سواء في الجزائر أو غيرها من البلدان العربية.
من جهتها، تلفت رئيسة النادي الثقافي في جامعة قسنطينة، آمال بوذراع، إلى أنّ الحقل التربوي والجامعي من أكثر الحقول التي يتجلّى فيها الفرق بين الرجل والمرأة، لناحية الحرص والاهتمام والمواكبة. "تحتفظ البنات بمآزرهنّ إلى أن يعدن إلى البيت، بينما ينزعها الصبيان بمجرّد تجاوز الباب الخارجي للمدرسة، كما أن جرعة الفرح بغياب المدرس أكبر لديهم بالمقارنة بالفتيات". تضيف: "كلّما عاينت قوائم النجاح عند تعليقها في الجامعة، لاحظت أنّ عدد الطالبات أكبر بكثير من عدد الطلبة". هذا لا يعني، بحسبها، أن الإناث أكثر ذكاء من الذكور، بل صرن أكثر حرصاً وشغفاً بالتعليم.
ويقول الكاتب والباحث الاجتماعي محمّد بن زيان، إنّ إشارات موضوعيّة كثيرة تدلّ على أنّ العالم يتأنّث "أمّا في السّياق الجزائري، فالأمر الذي تتحكم فيه أبعاد سياسية ونفسية وأنثروبولوجية، يتعلّق باختلالات قيمية جعلت الذكور يفقدون المعالم، ومعها فقدان الرغبة في الدراسة والتمهيد لمسار وظيفي مدروس، فصاروا يمرّون مباشرة إلى أروقة مختصرة مثل الهجرة غير النظامية والتجارة ذات البعد الاستهلاكي، عكس الإناث اللواتي تعاملن مع الدراسة بصفتها طريقاً للانعتاق والتحرّر من التبعية".
لم يكن تأسيس "الاتحاد الوطني للنساء الجزائريات"، امتداداً لتكريس دور المرأة في بناء مؤسسات ثورة التحرير في خمسينيات القرن الماضي، أو تمهيداً لأن تلعب أدواراً اجتماعية واقتصادية وسياسية وثقافية في ظلّ الاستقلال الوطني، بل لتسخير طاقات المرأة الجزائرية لدعم النظام السياسي القائم، في المفاصل الحساسة التي يحتاجها للاستمرار، منها الانتخابات. والدليل أنّ هذا التنظيم لم يخرج من فلك السلطة والترويج لوجوهها واتجاهاتها حتى اليوم.
لكنّ تحوّلات كثيرة تتعلّق بحضور مختلِف للمرأة الجزائرية، التي تمثل نسبة 49 في المائة من إجمالي عدد السكان البالغ 40 مليوناً. ويبلغ عدد النساء ما بين 15 و50 عاماً عشرة ملايين داخل النسيج العام، وقد تحقّق الأمر في غفلة من معظم المنظومات، بفعل معطيات عدة منها انتشار التعليم المجاني والإجباري في البلاد، والانقلاب الإيجابي الذي حصل في النظرة الاجتماعية إلى المرأة العاملة، ممّا أهلها لأن تصبح مستقلّة مالياً، ورفع من مستوى حضورها في المجالات والفضاءات المختلفة إلى درجة الهيمنة أحياناً. واقع حمل السلطات السياسية خلال السنوات الخمس الأخيرة على اتخاذ إجراءين عزّزا هذا الحضور وكرّساه. يتعلّق الأول بتعديل قانون الأسرة، بما حرّر حقوقاً لها كانت مقيّدة، منها حق احتفاظ المطلّقة بالبيت، ووجوب أن تكون المرأة ممثّلة في الهيئات المنتخبة، بما لا يقلّ عن الثلث.
في جولة لـ "العربي الجديد" في سيارة أجرة، لاستطلاع آراء الركاب الرجال حول الحضور الجديد للمرأة الجزائرية، كان هناك تباين لدى ركّابها الرجال، بين مؤيد ومتشنّج ومتحفظ. السائق العمّ مختار محساس، وهو مدير مدرسة متقاعد، يقول إن "التشنّج هو ثمرة العقلية الذكورية الموروثة". يضيف أنّ "قليلاً من التأمّل يجعلنا ندرك أنّ هامشاً كبيراً من الحضور الذي باتت الجزائرية تتمتّع به اليوم، بالمقارنة مع جيلي أمهاتها وجدّاتها، هو نتيجة لاجتهادها ونمط تفكيرها".
يتابع: "إذهبوا إلى السوق، وستلاحظون أنّ الرجل يطلب السلعة من غير أن يعاينها أو يسأل عن سعرها، بينما تنتقيها المرأة بحرص، وتأخذ وتردّ مع التاجر في السعر، إلى أن تحصل عليها بسعر منخفض. هذا دليل على حسّها الاقتصادي العالي بالمقارنة مع الرجل، وهو ما يظهر بطبيعة الفكة التي يعود بها كلّ منهما إلى البيت. ففي وقت يعود الرجل بقطع حديدية صغيرة فقط، تعود المرأة بمبلغ محترم، وتبدأ في عد الأوراق النقدية". يلتفت إلى الركاب، ويسألهم: "من منكم ينكر أنّه يقع في مطبّات مالية خلال الشهر، فلا ينقذه إلا اللجوء إلى زوجته أو أمّه أو ابنته الكبرى"؟
يواصل رجل التربية المتقاعد تأمّلاته، ويقول: "مطلع كلّ أسبوع، أُعطي المال لابني وابنتي. ومع نهاية الأسبوع، يكون الصبي قد صرف كل شيء، فيما تحتفظ شقيقته بمبلغ معين. وإن لم تفعل، تكون قد اشترت شيئاً للبيت أو هدية لأحدنا". وينهي حديثه بالمثل الشعبي القائل: "عيشة خير من عيّاش".
في السياق، تقول فتيحة ركيز، العاملة في مستشفى وهران، إنّها سمعت هذا الأمر من الرجال أكثر من النساء، ما يجرّدها، بحسبها، من انحيازها النسوي. تضيف: "هذا في حكم الصفعة المعنوية التي يوجّهها الأب الجزائري لابنه المهمل، في مقارنة بينه وبين أخته الحريصة". تعطي أدلّة من الواقع الجزائري. "أنا أمّ لفتاتين وثلاثة شبّان، ولاحظت أنّ أبنائي لا ينتبهون إلى أنّ البيت يحتاج ولّاعة للطبخ أو صابوناً للتنظيف أو إبرة للخياطة أو يفكّرون في تجديد المصابيح منتهية الصلاحية. كما لاحظت أنّهم لا يرتّبون غرفهم صباحاً، على عكس الفتاتين". وربّما يلاحظ كثيرون هذا الفارق بين الفتيات والصبيان، سواء في الجزائر أو غيرها من البلدان العربية.
من جهتها، تلفت رئيسة النادي الثقافي في جامعة قسنطينة، آمال بوذراع، إلى أنّ الحقل التربوي والجامعي من أكثر الحقول التي يتجلّى فيها الفرق بين الرجل والمرأة، لناحية الحرص والاهتمام والمواكبة. "تحتفظ البنات بمآزرهنّ إلى أن يعدن إلى البيت، بينما ينزعها الصبيان بمجرّد تجاوز الباب الخارجي للمدرسة، كما أن جرعة الفرح بغياب المدرس أكبر لديهم بالمقارنة بالفتيات". تضيف: "كلّما عاينت قوائم النجاح عند تعليقها في الجامعة، لاحظت أنّ عدد الطالبات أكبر بكثير من عدد الطلبة". هذا لا يعني، بحسبها، أن الإناث أكثر ذكاء من الذكور، بل صرن أكثر حرصاً وشغفاً بالتعليم.
ويقول الكاتب والباحث الاجتماعي محمّد بن زيان، إنّ إشارات موضوعيّة كثيرة تدلّ على أنّ العالم يتأنّث "أمّا في السّياق الجزائري، فالأمر الذي تتحكم فيه أبعاد سياسية ونفسية وأنثروبولوجية، يتعلّق باختلالات قيمية جعلت الذكور يفقدون المعالم، ومعها فقدان الرغبة في الدراسة والتمهيد لمسار وظيفي مدروس، فصاروا يمرّون مباشرة إلى أروقة مختصرة مثل الهجرة غير النظامية والتجارة ذات البعد الاستهلاكي، عكس الإناث اللواتي تعاملن مع الدراسة بصفتها طريقاً للانعتاق والتحرّر من التبعية".