لا غنى عن الخبز في الجزائر

14 ديسمبر 2017
الخبز من الأساسيات (أحمد كمال)
+ الخط -
يمكن القول، إنّ علاقة الجزائريين بالخبز وطيدة، إذ يشكل جزءاً أساسياً من يومياتهم. والخبز من العناصر الغذائية الأساسية على الطاولة، عدا عن كونه مصدر رزق. وعادة ما يردّد الجزائريون أنهم يعملون لتأمين "خبز أولادهم"، أي طعامهم وشرابهم وكل ما يحتاجونه. ويقولون أيضاً، إنهم يركضون وراء الخبز، أي يستمرون في العمل بهدف تأمين حياة كريمة لعائلاتهم. و"الخبز رماني هناك"، أي أن وظيفتي فرضت علي الانتقال للعمل في هذا المكان. والخبز بمعنى الطعام مقدس لدى الجزائريين. وإذا ما رأى أحدهم قطعة خبز مرمية على الأرض، يحملها ويقبلها ويضعها في مكان مناسب حتى لا تدوسها الأرجل.

ويُعرف عن الجزائريين استهلاكهم الكبير للخبز، والنسبة مرتفعة بالمقارنة مع دول أخرى. وتعدّ الجزائر، التي لا يتجاوز عدد سكانها 42 مليون نسمة، خامس دولة مصدرة للقمح. لذلك، ليس مستغرباً توجّه العديد من الجزائريين لصناعة الخبز. وتدعم الدولة سعر الخبز من خلال دعم سعر القمح المستورد، كما تتحكم في سعره. ويُمنع على المخابز رفع سعره وتجاوز تلك المحددة من قبلها، خصوصاً أن الحكومة تدرك حساسية رفع أسعار الخبز بالنسبة لعموم الشعب، وإمكانية أن يؤدي ذلك إلى مشاكل اجتماعية البلاد في غنى عنها في الوقت الحالي.

يستهلك الجزائريون أكثر من 50 مليون رغيف يومياً، ما يعادل نحو رغيف ونصف الرغيف للشخص الواحد، بحسب أرقام غير رسمية نشرها اتحاد التجار والحرفيين الجزائريين. ولا تكمن المشكلة في استهلاك الجزائري كميات من الخبز، بل في تلك التي ترمى يومياً في حاويات القمامة. واقع يدفع بعض المواطنين إلى التعبير عن استيائهم، وبالتالي المطالبة برفع سعر الخبز في حال كان سيساهم في الحد من التبذير.

قبل فترة، كان الخبز الحدث الأساسي في البلاد، حين قرّر عدد من أصحاب المخابز رفع سعر الرغيف من 10 دنانير (نحو 0.08 دولار) إلى 15 ديناراً (0.13 دولار)، من دون سابق إنذار أو تنسيق مع وزارة التجارة. هذا القرار العشوائي أحدث جدالاً كبيراً في الوسط السياسي وقلقاً في الأوساط الشعبية، خصوصاً العائلات الفقيرة والمتوسطة الحال.

يرتب الخبز (أحمد كمال) 


واعترضت وزارة التجارة الجزائرية على هذه الزيادة، وأكدت أن الحكومة تواصل دعم أسعار الخبز وغيره من المواد الأساسية. وسارعت إلى دعوة أصحاب الأفران إلى التريث وإلغاء الزيادة واعتماد السعر المرخص من قبلها، في وقت دعا اتحاد الخبازين إلى تشكيل لجنة مشتركة بين الوزارة والاتحاد للنظر في مشاكل الخبازين، وتقديم مقترحات لزيادة دعمهم في المواد الأولية الضرورية، وإعادة النظر في التكاليف المتعلقة بالغاز والكهرباء، فضلاً عن الضرائب المفروضة على المخابز، وهي الإجراءات التي من شأنها زيادة هامش الربح بالنسبة للخبازين.



تحتوي الأفران على أنواع مختلفة من الخبز. كما أنّ ارتفاع نسبة استهلاك الخبز في البلاد تدفع الخبازين إلى عدم إيلاء اهتمام كبير بكيفية إعداده. تعمد بعض الأفران إلى إعداد الخبز بالزيتون، أو تضيف مادة الشعير، وغير ذلك. يقول محمد بوكروح، الذي يملك أحد أقدم المخابز في منطقة ميلة شرق الجزائر، إن مذاق الخبز ونوعه لم يعد كما كان خلال العقود السابقة، إذ إن إدخال بعض المواد في صناعته جعل مذاقه مختلفاً، وهو ما أثر على سعره أيضاً، باستثناء الخبز العادي الذي حدّد سعره بشكل رسمي.

ثمّة تطور لافت في صناعة الخبز في الجزائر، وقد لجأت أفران عدة إلى الآلات الكهربائية بدلاً من تلك التقليدية. ويرى بعض المواطنين أن ذلك أفقد الخبز مذاقه. وبقي القليل من الأفران التقليدية رغم أن كلفة صيانتها تعد مرتفعة، فيما طاقتها الإنتاجية متواضعة، بالمقارنة مع الأفران الحديثة التي يمكن التحكم في درجة حرارتها ونسبة إنتاجها.

أنواع مختلفة من الخبز (أحمد كمال) 


غالباً، تعتمد العائلات الجزائريّة على الأفران لشراء حاجتها من الخبز، بسبب التراجع الكبير لما يعرف في الجزائر بخبز "المطلوع" أو خبز الدار، وهو الخبز التقليدي الذي يصنع في البيت. وهناك الفرن الطيني الذي تعتمد عليه العائلات الجزائرية المقيمة في الريف، وهو عبارة عن فرن مصنوع من الطين على شكل بيضة، وله فتحة كبيرة، يوضع فيها الحطب وتوقد النار حتى يصير جمراً، ثم يوضع العجين على صحن حديدي أو طيني حتى يصبح مطهواً وناضجاً، وقد ساهمت عوامل عدة في التقليل من إعداد هذا الخبز، بسبب خروج المرأة إلى العمل والتحولات الاجتماعية التي حدثت في بنية الأسرة الجزائرية، فيما تعمد بعض العائلات إلى صناعة الخبز التقليدي وبيعه في الأسواق والطرقات، خصوصاً في المناسبات، على غرار شهر رمضان. ويساعدهم هذا العمل على كسب المال.

وإذا كان لسكان الشمال والوسط خبزهم، فإن لسكان بعض المناطق في الصحراء خبزهم أيضاً، علماً أنه يُصنع بعناية خاصة. توقد النار على الرمل، وبعدما تتوفر كمية من الجمر، يوضع العجين في الرمل، ويلقى عليه الجمر، ويترك لفترة من الوقت قبل استرجاعه وتنظيفه من الرمل وتقديمه على مائدة الطعام.

إلى ذلك، لا ترتبط مسألة التبذير بالخبز فقط، بل أيضاً بمختلف أنواع الأطعمة، التي ترمى، من دون أن يكون هناك حرص على توزيعها على الفقراء، أو غير ذلك.